نَسْمَةٌ لَمْ تُنْسَ.بقلم: آلاء خالد الرواشدة

الشعب نيوز:-

 

البعيدُ القريبُ، الحقيقةُ عندَ الكلِّ، والمستحيلُ عند أحدِهم، حَتْمًا ستأتي تلكَ اللَّحظة…

تلكَ اللَّحظةُ التي لا نراها، لكنَّنا نعيشُها في خيالِنا كلَّما اشتدَّ بنا الوعيُ، لحظةُ النهايةِ، أوْ ربَّما لحظةُ الانتقالِ.
حينَ تَنْقَطِعُ الحبالُ التي تَرْبِطُنا بهذهِ الأرضِ، فلا يَبْقَى من ضجيجِ الحياةِ إلَّا الصَّمْتُ.

هوَ، في جوهرِهِ، ليسَ نهايةَ الحياةِ، بل أحدُ أوجهِها.
إنَّهُ الحدُّ الذي يجعلُ لكلِّ شيءٍ قيمةً: الوقتِ، الكلمةِ، الوداعِ، الحنينِ…
ذلكَ الشيءَ، لولاهُ، لما أدركنا جَمالَ ما نملك، ولا عَدَمَ وجودِ أيِّ قيمةٍ لِمَا خسرناه، فلوْ كانَ خيرًا، لَبَقِيَ.

نخافُهُ لأنَّهُ غامضٌ، لا يُرَى، لا يُجَرَّبُ إلَّا مرَّةً، بلا رَجْعَةٍ.
لكن، ماذا لوْ كانَ الغموضُ نِعْمَةً؟
ماذا لوْ أنَّهُ تلكَ الفرصةُ الأخيرةُ للصِّدقِ الكاملِ، لِلتَّجَرُّدِ من كلِّ أقنعةِ الحياةِ؟

نحنُ نَحْيَا كأنَّ الغدَ مضمونٌ، نُؤَجِّلُ الحديثَ، نُغْلِقُ القلوبَ، ونَنْسَى أنَّ خطَّ النهايةِ ليسَ بعيدًا كما نعتقد.
إنَّهُ قريبٌ، أقربُ ممَّا يتخيَّلهُ اللَّاهُونَ الذينَ يتناسَونَ الحقائقَ، وأبعدُ ممَّا يُدْرِكُهُ من تَعَمَّقَ في الحياةِ حتى النُّخاعِ.
لكنَّهُ، رغمَ قسوتهِ الظاهرةِ، لا يأتي لِيُعاقِبَ، بل لِيُذَكِّرَ.

يُذَكِّرُنا بأنَّنا لسنا خالدين، وأنَّنا لا نملكُ شيئًا سوى اللَّحظةِ.

يُعَلِّمُنا أنَّ اللُّطْفَ، والصِّدقَ، والرَّحمةَ، ليست مجرَّدَ فضائلَ، بل إرثٌ خفيفٌ نَحْمِلُهُ معنا في النهايةِ.

ولعلَّهُ، ذلكَ الإنسانُ المجهولُ، الذي سيجلسُ يومًا على ذاتِ الكرسيِّ الذي جلسنا عليه، أنْ يَشْعُرَ بأثرِ وجودِنا… دونَ أنْ يعرفَ الاسمَ أو الوجهَ.
أنْ يَذْكُرَنا بلا قصدٍ، كنَسْمَةٍ عَبَرَتْ قلبَهُ ولم يعرفْ مصدرَها، كأثرٍ تركناهُ خلفَنا دونَ ضجيجٍ.

فنحنُ لا نطلبُ الخلودَ،
بل فقط… أنْ يمرَّ بنا أحدُهم ويتذكَّر:

“كانوا هنا، وكانوا لُطَفَاءَ بما يكفي لَئَلَّا يُنْسَوْا.”

 

قد يعجبك ايضا