
“من الحدود إلى الفضاء الإلكتروني… الأردن يبني درعًا جديدًا ضد حرب المسيّرات”الكاتب والمحلل الامني د. بشير الدعجه
الشعب نيوز:-
انعقاد المؤتمر والمعرض الدولي لمكافحة وكشف الطائرات المسيّرة في العاصمة عمّان، بمشاركة 44 دولة وبرعاية القوات المسلحة الأردنية، ليس مجرد حدث تقني أو معرض تسويقي… بل هو رسالة استراتيجية متعددة الأبعاد تحمل في طياتها أبعادًا أمنية وسياسية واقتصادية عميقة.
أول ما يلفت النظر هو التوقيت… فالمنطقة تعيش في قلب تحولات أمنية غير مسبوقة… حرب غزة وتداعياتها الإقليمية… تصاعد خطر الميليشيات العابرة للحدود… وتزايد عمليات تهريب المخدرات والسلاح عبر الحدود الشمالية والجنوبية… كلها عوامل جعلت من الطائرات المسيّرة أداة تهديد رئيسية… منخفضة الكلفة وعالية التأثير… وصعبة الرصد بالوسائل التقليدية.
من هنا، تبرز الغاية الأولى للمؤتمر وهي حماية الداخل الأردني وترسيخ منظومة الردع… فالطائرات المسيّرة لم تعد مجرد وسيلة مدنية للتصوير أو الاستطلاع… بل تحولت إلى سلاح نوعي بيد شبكات التهريب والجماعات المسلحة… وهذا ما أكده المهندس أحمد الزيود من المركز الاردني للتصميم والتطوير (JODDB) عندما أوضح أن الأنظمة الأردنية المطوّرة نجحت ميدانيًا في الكشف والتشويش والإسقاط… خاصة في عمليات مكافحة تهريب المخدرات… ما يعني أن الأردن يملك الآن قدرات محلية عملية وليست تجريبية.
الغاية الثانية تتمثل في إعادة تعريف موقع الأردن الإقليمي… مشاركة 44 دولة و25 متحدثًا ليست تفصيلًا شكليًا… بل إشارة واضحة أن الأردن يُراد له أن يصبح منصة معتمدة للتعاون الأمني في ملف الطائرات المسيّرة… إذ لم يسبق عقد المؤتمر في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا… وهذا بحد ذاته دليل على أن المملكة تحولت من دولة متلقية للتكنولوجيا إلى دولة مُنتجة ومطوّرة… قادرة على جمع الحلفاء والمهتمين في منصة واحدة.
أما الغاية الثالثة فهي اقتصادية–صناعية بامتياز… فالمؤتمر لا يهدف فقط لعرض التكنولوجيا… بل لتحويل الأردن إلى مركز إقليمي للصناعات الدفاعية الذكية… الأنظمة التي طوّرها المركز الاردني للتصميم والتطوير (JODDB) ليست لحماية الحدود فقط… بل هي منتج قابل للتسويق… يفتح الباب أمام الاقتصاد الأمني ويضع الأردن في خريطة الصناعات الدفاعية العالمية… وهذا يثبت أن الملف الأمني يمكن أن يتحول إلى فرصة اقتصادية تعزز الاستقلالية الوطنية.
البعد الرابع يتمثل في الإطار التشريعي والتنظيمي… فالطائرات المسيّرة ليست تحديًا عسكريًا فقط… بل تحدٍ قانوني وأمني معقد… إذ أن ضبط استيرادها واستخدامها وتشغيلها يحتاج إلى تشريعات صارمة ورقابة دقيقة… وهو ما ناقشه المؤتمر في جلسات خاصة… ما يعني أن الأردن يتعامل مع التهديد من زاوية شمولية تجمع بين السلاح والتقنية والقانون.
في العمق الاستراتيجي… يمكن قراءة المؤتمر كرسالة مزدوجة:
إلى الحلفاء… الأردن شريك أمني موثوق وقادر على المبادرة والابتكار…
إلى الخصوم وشبكات التهريب… السماء الأردنية لم تعد ساحة مفتوحة… بل أصبحت محمية بدرع إلكتروني وتقني قادر على الرصد والتشويش والإسقاط.
خلاصة القول… هذا المؤتمر ليس مجرد تظاهرة أمنية أو تقنية… بل هو إعلان أردني صريح أن المملكة تخوض معركة السماء الجديدة بوعي استراتيجي وأدوات محلية وشراكات دولية… وأنها لن تترك مجال الطائرات المسيّرة للفراغ أو الارتجال… بل ستقود فيه الإقليم بقدرات متطورة وقوانين صارمة وتحالفات واسعة… ليبقى الأردن خط الدفاع الأول عن استقراره وأمن المنطقة.
#د. بشير _الدعجه