
جزارون في “كيان” الدم … (( 11 )) “اسرائيل الكبرى” .. من حلم “توراتي” الى خطة في خدمة المشروع الصهيوني
الشعب نيوز:-
كيف اصبحت فكرة “الجدار الحديدي” لـ جابوتنسكي دستور الصهيونية الجديدة؟
بعد العدوان على الدوحة..”تل أبيب”: يدنا مطلقة وسنستهدف أي دولة مهما بعدت
على خطى بن غوريون.. “ملك إسرائيل”: انا في مهمة “تاريخية وروحية”
عبد الرحمن أبو حاكمة
لم تكن تصريحات رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو حول ارتباطه برؤية “إسرائيل الكبرى”، التي كررها عدد من أقطاب اليمين وتيار الصهيونية الدينية في الكيان الصهيوني ومن ابرزهم وزير ماليته بتسلئيل سموترتش ووزيره للامن القومي إيتمار بن غفير وغيرهم، مجرد زلة لسان أو استفزازات عابرة، بل جاءت كإفصاح متعمد عن مشروع أيديولوجي في الفكر والسياسة “الإسرائيلية”، وتعبير عن عقيدة سياسية راسخة تتجدد مع كل فرصة تتاح لها وكلما سنحت الظروف تأتي في مرحلة متقدمة من البدء ببرنامج سياسي يتقدّم بخطى حثيثة عبر الاستيطان والضم الزاحف واستهداف الضفة والقدس وتدمير وابادة غزة لتعكس جوهر المشروع الصهيوني الذي يسعى لتوسيع حدود الكيان على حساب الأراضي العربية وتشمل كامل فلسطين التاريخية وأجزاء من الأردن وسوريا والسعودية ومصر ولبنان.
تصريحات تعرّي جوهر المشروع الصهيوني
ويرى محللون أن نتنياهو بتصريحاته الاخيرة التي يستند فيها إلى موروث تلمودي وتوراتي، يعرّي جوهر المشروع الصهيوني، ويحدد علنا ملامح عقيدة توسعية ممتدة منذ نشأة الحركة الصهيونية تبناها منذ أكثر من أربعة عقود بعد لقائه بزعيم حركة حباد لوبافيتش الحاخام مناحيم شنيرسون وأحد أبرز المرجعيات الدينية الصهيونية، والذي يعتبر “الأب الروحي” لنتنياهو وذلك في عام 1984 عندما كان سفيرا للاحتلال في الأمم المتحدة حيث اعتبر نفسه منذ ذلك الوقت في “مهمة تاريخية” يقود فيها “إسرائيل” نحو قرنها المئوي، متوعدًا بكسر ما يسميه بـ”لعنة العقد الثامن”، مؤكدا على ذلك بقوله أن الابادة التي يشنها على غزة هي حرب “النور ضد الظلام”، مستحضرا النصوص التلمودية والتوراتية لتبرير سياساته التوسعية، ليقدم نفسه هذه المرة كـ”مخلص” و”يؤدي مهمة تاريخية وروحية”.
ويؤكد كتاب ومحللون سياسيون أن حكومة الاحتلال، بدعم أمريكي وعجز عربي وصمت دولي، تسعى إلى إعادة رسم موازين القوى وهندسة الإقليم انطلاقًا من رؤية “دينية” تعتبر إقامة كيان يمتد من النيل إلى الفرات “استحقاقًا دينيا توراتيًا”. ويستدل هؤلاء بتصريحات متكررة لقادة الاحتلال من مختلف الاتجاهات، وبأدبيات فكرية صهيونية تعود لعقود، أبرزها كتاب المفكر الصهيوني يحزقيل درور “استراتيجية عظمى لإسرائيل” الصادر عام 1990، الذي وضع فيه تصورات لإضعاف وتفكيك العالم العربي بما يخدم المشروع التوسعي “الإسرائيلي”.
نتنياهو الذي يرى انه “ملك اسرائيل” كشف بتصريحاته ايضا المخفي من حقائق الموقف، بان “إسرائيل الكبرى”، هي حلم الصهاينة والوصول إليها يتم على مراحل متعاقبة، بدأها “الجيل الأول” بإقامة الكيان بعد ابتلاع مساحة واسعة من فلسطين التي رسّم حدودها قرار التقسيم 181، وان جيل نتنياهو، معني بتوسيعها، في “رسالة تاريخية- روحية”، سيعمل على إتمامها حين يعيد “الإسرائيليون” تجديد ثقتهم به لولاية قادمة، ورغم انه لم يتوسع في شرح مقصده من الحديث عن “حلم إسرائيل الكبرى”، الا ان ذلك طالما كان هدفا يتردد على ألسنة مختلف ألوان الطيف السياسي، حيث أقره “الكنيست” مرتين: الاولى من خلال “قانون القومية 2018، والثانية بتوصية “الكنيست” للحكومة بمنع قيام دولة فلسطينية قبل عدة أشهر.
ديان: “لا تخف فالعرب لا يقرأون”
في ذات السياق، اورد الكاتب الهندي المعروف “ر.ك.كارانجيا” في كتابه “خنجر اسرائيل” عام 1957 حوارا مع الجنرال الابرز في الكيان موشى ديان كشف النقاب فيه عن وثيقة سرية أعدتها هيئة الأركان العامة جاء فيها: “لتقويض الوحدة وبث الخلافات بين العرب، يجب اتخاذ الإجراءات منذ بداية الحرب لإنشاء دول جديدة في اراضي الأقطار العربية، وجاء فيها ايضا “لذا يجب أن نضع نصب أعيننا في كل الخطط الاستيلاء على الأراضي ذات الأهمية الجوهرية لنا وذلك كهدف أدنى، وعلى الأراضي الكفيلة بأن تسد كل احتياجاتنا وذلك كهدف أقصى، وأوضحت الوثيقة “أن الهدف الأدنى هو احتلال المناطق المجاورة لقناة السويس ونهر الليطاني والخليج “الفارسي” لأنها تنطوي على أهمية حيوية، كما تقضي الخطة بتقسيم العراق الى دولة كردية في الشمال، وسنية في الوسط، وشيعية في الجنوب، وسورية الى دول: درزية وعلوية وسنية، وتحويل لبنان الى شيعية في الجنوب ومارونية في الشمال، وعندما سأل الصحفي الهندي ديان عن كشفه لمثل هذه الخطط رد: “لا تخف فالعرب لا يقرأون…”!
لم تكن تلك الاهداف الموثقة في كتاب “خنجر اسرائيل” بلا مقدمات ومشاريع مبيتة، فقد أشار دافيد بن غوريون أول رئيس وزراء للكيان في تقرير قدمه أمام المجلس العالمي لعمال صهيون 1937 إلى الأهداف الاستراتيجية الصهيونية بعيدة المدى حيث قال: “ان الدولة اليهودية المعروضة علينا بالحدود الحالية (على يد اللجنة الملكية البريطانية) لا يمكن أن تكون الحل المنشود ولا هدف الصهيونية الذي سعت إليه طويلاً إلا أنه يمكن قبولها كمرحلة أولى تنطلق منها تتمة مراحل تحقيق الوطن الصهيوني الأكبر، عن طريق بناء قوة يهودية جبارة فيها وبأقصر وقت ممكن، ثم احتلال باقي مناطق مطامحنا التاريخية كلها، وفي 1982، نشر الصحفي أوديد ينون وثيقة بعنوان “الخطة الصهيونية للشرق الأوسط في الثمانينيات” والتي تستند إلى رؤية مؤسس الصهيونية ثيودور هيرتزل، مطلع القرن الماضي.
“حدودنا في كل مكان يصل إليه محراث عبري”
وكان يوسف طرومبلدور أحد كبار الزعماء التاريخيين للطلائع الاستعمارية الصهيونية قد أدلى بقول تبناه كبار المنظرين الصهاينة من بعده أكد فيه “حدودنا تكون في كل مكان يصل إليه محراث عبري”، من جانبه وثق الشاعر الصهيوني حاييم حيفر تلك النزعة التوسعية في نشيد الطلائع الصهيوني قائلا: “نمهر حدودنا بوطء أقدامنا، ونتجاوز بخطانا بعض ما ليس لنا ونقتحم” .
وفي الإطار ذاته جاء في كتاب: “إسرائيل استراتيجية توسعية مغلفة بالسلام” لمؤلفه البروفسور المعروف يسرائيل شاحك: “أن هدف اسرائيل الحقيقي هو بسط نفوذها وسيطرتها على الشرق الأوسط برمته من المغرب حتى باكستان، وأطماعها إقليمية بالأساس إلا أنها لا تخلو من أطماع عالمية”، وفي الاستراتيجية والأطماع الصهيونية أيضاً كشفت وثيقة أخرى وضعها 3 باحثين ترأسهم مهندس المياه اليشع كالي، بتكليف من إدارات حكومية، النقاب عن الأطماع الصهيونية في الأقطار العربية حيث أكدت: “أن هدف إسرائيل هو السيطرة على مصادر المياه وجر النيل إلى النقب، والليطاني إلى طبريا وشق واصلاح وانشاء الخطوط الحديدية والطرق المعبدة لربط الكيان بدول عربية والأهداف والدوافع اقتصادية وسياسية واستراتيجية، وجاء في تقرير آخر: “لقد اعتبر الصهيونيون أرض إسرائيل المعلنة تلك الممتدة من الليطاني وحتى سيناء، ومن الجولان حتى البحر” وفق نشرة كيفونيم العبرية.
جابوتنسكي يتبنى فكرة “إسرائيل الكبرى” و”الليكود” تأسس عليها
وتعود الجذور التاريخية والفكرية لمفهوم “إسرائيل الكبرى” الى بواكير الصهيونية التصحيحية، فقد تبنى تيار الصهيونية التصحيحية بقيادة زئيف جابوتنسكي- الأب الروحي ل الليكود فكرة “إسرائيل الكبرى” باعتبار أن الوطن القومي اليهودي يجب أن يمتد ليشمل فلسطين الانتدابية بشطريها، ورفع التصحيحيون آنذاك شعار: “ضفتا الأردن لنا”، وتختلف النسخ المطروحة لها، إذ يمتد بعضها ليشمل فلسطين (من النهر إلى البحر) وأجزاء من دول الجوار، بينما تتبنى الصيغ الأكثر تطرفا ضم أجزاء من الأردن، ولبنان، وسوريا، ومصر، بل وربما العراق وشبه الجزيرة العربية.
وتاريخيا، تفاوت الموقف “الإسرائيلي” من هذه الرؤية، فبعد توسعها في 1967، أعادت “إسرائيل” سيناء لمصر بموجب اتفاقية كامب ديفيد 1979، لكنها ضمت القدس الشرقية والجولان رسميا بقوانين أحادية، أما الضفة وغزة، فبقِيا تحت الاحتلال المباشر دون إعلان ضم رسمي، رغم سياسات الاستيطان الكثيف التي عززت السيطرة الفعلية عليهما، وفي ظل اتفاقيات أوسلو في التسعينيات، تراجع لاسباب سياسية استخدام هذا المصطلح في الخطاب الرسمي، لكنه ظل حاضرا في أوساط اليمين القومي والدين، فيما استخدمت العبارة منذ 1967 للإشارة إلى الكيان والمناطق التي احتلها آنذاك، بما فيها القدس الشرقية، والضفة وغزة، وشبه جزيرة سيناء ومرتفعات الجولان.
و”الليكود” تكتل تأسس عام 1973 بقيادة مناحيم بيغن، كان عموده الفقري حزب “حيروت” الذي أسسه بيغن عام 1948، وتعود جذوره إلى “حركة الصهاينة المراجعين” أو حزب الإصلاح الذي أسسه جابوتنسكي، عام 1925، وهو حزب يميني ليبرالي يتبنى فكر المحافظين الجدد، تأسس على فكرة “إسرائيل الكبرى” مع منح الفلسطينيين حكمًا ذاتيًا، لكن تركيبة الحزب تغيرت في تسعينيات القرن الماضي، ليدخل صفوفه عدد كبير من ممثلي المستوطنين الذين يتبنون خطابًا أكثر تشددًا، وفي يناير/كانون الثاني 2024، نشرت وزارة خارجية الاحتلال على إحدى منصاتها خريطة مزعومة مرفقة بتعليق يروّج لرواية “إسرائيلية” مزيفة تعود لآلاف السنين، تتماشى مع مزاعم متكررة حول “مملكة يهودية” تشمل أجزاء من الأرض الفلسطينية والأردن، ولبنان، وسوريا، ومصر.
شارون ودائرة المجال الحيوي لـ “الكيان”
و”إسرائيل الكُبرى” كما تستعرضها الرواية “الدينية التوراتية” في سفر التكوين، “تمتد من وادي العريش إلى النهر الكبير، الفرات”، بيد ان التمسك بما ورد اعلاه، لم يكن حكراً المتدينين، فـ بن غوريون، الذي عُرف بإلحاده وتفاخره بتجاهل وصايا الديانة اليهودية، ساق في 1956 أسباباً ليعلل مبادأة “إسرائيل” في حرب السويس إذ قال: إن سببها الحقيقي هو “إعادة مملكة داوود وسليمان إلى حدودها التوراتية”، ووضع وزير الحرب أرئيل شارون عام 1981، دائرة المجال الحيوي لـ الكيان أمام لجنة الدفاع والخارجية لـ”الكنيست وشملت مناطق العالم العربي المتاخمة، علاوة على إيران وتركيا وباكستان وشمال أفريقيا وحتى زيمبابوي وجنوب أفريقيا جنوباً، ووفقاً لمؤسس الصهيونية السياسية هرتزل، فإن “منطقة الدولة اليهودية من مصر إلى نهر الفرات”، ما يعني أن جميع الدول الواقعة في هذا الحيز هي هدف للمشروع الصهيوني.
ويتبين مما سبق انه لا يمكن النظر لـ نتنياهو كسياسي براغماتي يفتعل الأزمات ليطيل عمره في الحكم فقط، بل يظهر في جوهره كامتداد مباشر للفكر الصهيوني التنقيحي الذي وضع أسسه جابوتنسكي في عشرينيات القرن الماضي، حيث تحولت فكرة “الجدار الحديدي” التي طرحها كمقالة نظرية إلى عقيدة راسخة يتناقلها القادة الصهاينة جيلا بعد جيل، وصولا إلى نتنياهو الذي جعل منها محورا أساسيا في مقاربته الأمنية والسياسية.
وهو ما يؤكد عليه الكاتب الشهير آفي شلايم في كتابه “الجدار الحديدي: إسرائيل والعالم العربي”، حيث يشير إلى أن “إقامة جدار حديدي من القوة اليهودية، والحاجة لبناء الجدار الحديدي، وجدت موافقة شاملة من كل الصهاينة”. وقد أصبح “الجدار الحديدي” دستورا للصهيونية الجديدة، وهو ما يتباهى به نتنياهو حيث يتوقف مطولا وفي مناسبات عديدة عند التزام الكيان بـ”الجدار الحديدي”.
الكيان يتحدّى: “لا حصانة لأحد”
وفيما اعتبر محللون بأن حديث نتنياهو عن “إسرائيل الكبرى” ليس جديدا بل يمثل حلما صهيونيا قديما ويظهر الوجه الحقيقي لهذا الكيان، رأى اخرون أن ما صرح به يستند إلى خرافات توراتية مزيّفة ومجرد وهم سياسي وبروباغندا إعلامية، وهو ما ينفيه ما يحدث على ارض الواقع، فمرّةً تلو الأخرى، يتحدّى الكيان الدول العربيّة والاسلامية كافة، اذ لا يمكن فصل التصعيد الصهيوني في لبنان وسوريا والضفة والدمار والابادة والتجويع في غزة وصولاً إلى اليمن، واخيرا في قطر في 9 سبتمبر ايلول 2025 حيث شكّلت محاولة اغتيال قادة من “حماس”، تطورًا استثنائيًا على مستوى الصراع، فالهجوم، الذي جاء في قلب عاصمة عربية حاضنة لمسار الوساطة، لا يمكن اعتباره مجرد ضربة عابرة، بل يعكس حسابات سياسية وأمنية عميقة لدى الكيان، وهو ما لا يستبعد محللون وخبراء، تكراره في اي عاصمة عربية اخرى، معربين عن اعتقادهم أن استخدام الاحتلال الطيران في عملية الاغتيال الفاشلة في وضح النهار، وفي قلب الدوحة، يعد رسالة للدول العربية والاسلامية، وهذا ما أشار له رئيس الكنيست عامير أوهانا بعد ساعات من العدوان على الدوحة، مؤكدا أن “العملية هي رسالة إلى الشرق الأوسط برمته”، ويقول: “إسرائيل أرادت القول إن يدها مطلقة في المنطقة، وأنها ستستهدف أي دولة مهما بعدت جغرافيا، وأن لا حصانة لأحد كما قال نتنياهو عقب عملية الاغتيال الفاشلة، وهذا ما يبين مجددا أن هذا السلوك في العقل الصهيوني يخدم ويتقاطع مع فكرة توسع “إسرائيل” جغرافيا، ومع قول نتنياهو إنه في مهمة لأجل “إسرائيل الكبرى”، ما يعني أن هذه الرؤية ليست أوهاما بل خطط حقيقية موجودة لدى صناع القرار فى “تل أبيب” الذين يتحركون بجدية نحو تحقيقها.
الانباط