ورقة تقدير موقف استراتيجية… من الخليج إلى جنوب آسيا: اتفاق الدفاع السعودي – الباكستاني يعيد تعريف الأمن الإقليمي

الشعب نيوز:-

 

محسن الشوبكي

في ايلول 2025، وقّعت المملكة العربية السعودية وجمهورية باكستان الإسلامية اتفاقية دفاع مشترك، في خطوة تتجاوز الطابع البروتوكولي نحو إعادة هندسة مفهوم الأمن الإقليمي.
التوقيت لم يكن عابرًا، بل جاء في لحظة جيوسياسية شديدة التعقيد، تتقاطع فيها حرب غزة المفتوحة مع تصاعد التوتر الإيراني – الخليجي، وتراجع الموثوقية الأمريكية في حماية حلفائها، سواء في الشرق الأوسط أو حتى داخل حلف الناتو.
هذا السياق يمنح الاتفاقية وزنًا استراتيجيًا مضاعفًا، ويجعل منها نقطة تحول في معادلات الردع الإقليمي.

التحول السعودي لا يُقرأ فقط في إطار تنويع الشراكات الدفاعية، بل في كونه إعلانًا ضمنيًا عن نهاية مرحلة التبعية الأمنية للقرار الأمريكي.
الرياض، التي سعت طويلًا لاتفاق دفاعي واضح مع واشنطن، وجدت نفسها أمام مماطلة استراتيجية، دفعتها إلى خيار بديل أكثر جرأة: شراكة مع قوة نووية إسلامية، بهذا المعنى، فإن السعودية، وإن لم تمتلك السلاح النووي تقنيًا، أصبحت بحكم الاتفاق جزءًا من مظلة ردع نووية، في مقابل التفوق النووي غير المعلن للكيان الصهيوني. هذه المعادلة الجديدة ترفع من سقف الردع السعودي، وتمنحها مظلة استراتيجية تتجاوز حدود الخليج، لتصل إلى جنوب آسيا.

لكن هذا التموضع لا يخلو من المحاذير. في حال اندلاع حرب بين الهند وباكستان، قد تجد السعودية نفسها ملزمة بالانخراط في صراع لا يخدم مصالحها المباشرة.. من هنا، يُتوقع أن تلعب الرياض دورًا تهدويًا بين الطرفين، ليس فقط لتجنب التصعيد، بل لحماية استقرار الاتفاق ذاته، ومنع تحوّله إلى عبء جيوسياسي. فالسعودية تدرك أن شراكتها الدفاعية مع باكستان تمنحها قوة رمزية، لكنها أيضًا تضعها في قلب توازنات حساسة تتطلب إدارة دقيقة.

الرسائل الاستراتيجية التي يحملها الاتفاق لا تقتصر على الهند أو إيران أو الكيان الصهيوني، بل تُوجّه أيضًا إلى الولايات المتحدة. فالسعودية، عبر هذه الخطوة، تعلن أن واشنطن لم تعد موضع الثقة المطلقة لحلفائها في الخليج، وأن زمن الاحتكار الأمني الأمريكي قد انتهى.. هذا التحول سيواجه بردود فعل حادة من الإدارة الأمريكية، قد تتراوح بين الضغوط السياسية والاقتصادية، وصولًا إلى التحريض المباشر من قبل الكيان الصهيوني، وربما محاولات التخريب أو فرض عقوبات غير معلنة.

الاتفاقية السعودية – الباكستانية لا تعيد فقط رسم خطوط التعاون العسكري، بل تعيد تعريف مفهوم الأمن الإقليمي نفسه. إنها إعلان عن بداية مرحلة جديدة تقوم على التعددية، التنسيق، والردع المتنوع.. نجاح هذه المرحلة مرهون بقدرة الطرفين على تحويل الاتفاق من وثيقة سياسية إلى منظومة عملياتية دقيقة، قادرة على التفاعل مع تعقيدات الواقع، دون أن تتحول إلى عبء رمزي أو أداة اضطراب.. إنها خطوة تحمل وعودًا بالاستقرار، لكنها أيضًا اختبار لقدرة الرياض وإسلام آباد على صياغة أمن إقليمي جديد، أكثر استقلالًا، وأكثر اتساقًا مع مصالحهما المشتركة، في مواجهة خصوم معلنين وآخرين محتملين.

قد يعجبك ايضا