البحث عن الحب والحرية في رواية “أصابع مريم”.. للدكتورة عزيزة الطائي
الشعب نيوز:-
كتبت بديعة النعيمي
الرواية إصدار عام 2020 عن دار الفراشة للنشر والتوزيع.
لماذا نبحث عن الحب؟ هل نجد فيه ذواتنا، ثقتنا؟ هل هو أفيون الحياة الذي ما أن ندمن عليه حتى نجد أنفسنا عاجزين عن التخلص منه؟
لا تكاد رواية عربية تخلو من قصة حب. ورواية الدكتورة الطائي احتفت بالحب كقيمة إنسانية حين سبرت أغوار النفس البشرية بعمق ودقة فرصدت اختلاجات النفس وهواجسها لأبطال عاشوا في بيئة محافظة. مسقط التي تحكمها الأعراف المتوارثة والطوائف والمذاهب حيث تجد أكثر من مسجد في نفس الحي كل مسجد لطائفة ومذهب وجنس..
في رواية أصابع مريم الحب هو التيمة التي تتمحور حولها أحداث الرواية من أولى صفحاتها وحتى آخرها لم يقتصر على الحبيب بل تخطاه إلى الحب الأبوي وحب الوطن.لكن الظروف بسبب العادات والطائفية جعلت هذا الحب حبا هشا ومنهزما.
يعيش القاريء في رواية أصابع مريم قوة العواطف من جهة وانهزامية الشخصيات التي كانت عاجزة عن الحفاظ على حبها. فمن التدقيق في العتبة الأولى للرواية وهو العنوان ،لم تمنح الكاتبة مريم بطلة الرواية سوى أربع أصابع .مع العلم أن عدد أصابع اليد الواحدة خمسة ،فلم كان عدد بناتها أربعة؟ هل لمحت منذ البداية إلى حب وحرية مبتورتين من خلال إبعاد الأصبع الخامس في مجتمع يؤمن بأن السطوة للذكر ،أما الأنثى فمهمشة ليست سوى للبيت وتربية الأطفال فلا يحق لها اختيار شريك حياتها واستبعاد من تحب وتزويجها حسب ما تراه العادات والتقاليد ؟..
أما الاهداء فكان هو الحب لأنه كما قالت هو الحرية العدالة والسلام..هل تعمدت تعويض القاريء منذ الصفحة الأولى عن الحب الذي سيظل أبطال الرواية يبحثون عنه طيلة أحداث الرواية؟
تدور أحداث الرواية حول البطلة مريم التي تزوج بها حمد عام 1974 وكانت من خارج نطاق العائلة هو من أسرة أباضية ،حاصل على شهادة البكالوريوس في علوم الأرض من جامعة لومنسوف في روسيا ،رجل متحرر يرتدي البنطال والقميص يصفه المحيطين به بالمتقوقع أو العلماني والملحد ،مقتنع بما وصل إليه الغرب من تقدم. وهي المرأة الملتزمة استطاعت بعد زواجها من الالتحاق بالكلية المتوسطة للمعلمات لاستكمال تعليمها. تصر على أن المجتمع الغربي مجتمع خَرِب ينظر للمرأة على أنها حبة شوكولاته ،تخاف على بناتها من أفكار والدهن ،على عكس بناتها اللائي كن يفخرن به وينتظرن أحاديثه المنفتحة ويزداد إعجابهن عندما يردد بأنه سيبقى عربيا وغاضبا حتى تعود فلسطين.
تزيد الهوة بين مريم وحمد بسبب اختلاف الثقافات التي يحملها كل منهما هي تتسلل إلى غرفتها عندما يقسو عليها وهو يلجأ إلى العزلة إما في المسجد أو الحديقة أو ينزوي إلى مكتبة المنزل حيث يظهر هنا تأثره بالثقافة الروسية ،فيجلس ليستمع إلى الموسيقى الروسية والإقدام على الشرب. لكنه أحيانا يلجأ إلى الاستماع للموسيقى العالمية الكلاسيكية وأحيانا إلى الطرب العربي الأصيل.
وما بين تكفت مريم في صلاتها وإسبال حمد يديه في الصلاة وجارتهم بتول التي تضع أمامها تربة صغيرة عند الصلاة تولد تساؤلات البنات الأربعة. لكن حمد يستطيع وبطريقه منطقية تشفي غليلهن بأن يقنعهن بأن لا فرق بين هذه الطوائف ما دامت في النهاية تصلي لله. ومن هنا كانت البنات تجد حرياتهن مع والدهن أكثر من مريم التي حملت عقلية أمها.
تتطور أحداث الرواية ما بين كر وفر بين مريم وحمد إلى أن يموت حمد.
وتتسلم مريم زمام العائلة لتبدأ معاناة بناتها بعد أن يصلن إلى سن النضوج.
البحث عن الحب والحرية عند أبطال الرواية
ولأن الحب يولد الحرية كما تقول الكاتبة سننطلق لنبحث عنهما بين السطور لنترك لهما العنان ليكشف أحدهما عن الآخر.
ففي ص55 حب الوطن من خلال حنين حمد لمسقط رأسه (كان عاشقا لوطنه حتى أنه بعد سنوات من زواجه ظل الحنين يسكنه إلى تلك القرى العمانية البعيدة خاصة قرى مسقط رأسه نزوى) وفي موقع آخر ص61 نجد حنين مريم لمسقط رأسها( لكن ظل حنين مريم يقودها إلى ذاكرة المكان القديم إلى حي العريانة)
أما حينما تأملت ابتسام وجه أمها مريم بعد رفض الأم لحسين ص13( كيف يحدث أن نحب إنسانا ونتعلق به منذ الصغر وبعد أن نكبر تحدث فجوة عميقة بيننا وبينه) فقد كانت تبحث عن حبها لمريم
أما مريم فإنها وبالرغم من الهوة العميقة التي تشكلت بينها وبين حمد إلا أنها ظلت تبحث عن الحب في التفاصيل الصغيرة التي تحدث بينهما ففي صفحة 83 (حتى أنها ذات يوم طارت فرحا حين سكب لها الطعام في صحنها ،وسألها إن كانت تريد ماء أم عصيرا للشرب) والطيران هنا يرمز للحرية التي تولدت عن الشعور بالحب الذي استشعرته مريم من خلال فعل حمد.
ولا يفتأ أبطال رواية أصابع مريم يبحثون عن الحب والحرية في الاعتصامات ،في حضن الأمهات والحبيبات،حتى في الذكريات. فجلال كان يبحث عن حب الوطن في حبيبته وفاء فيراها والوطن شيء واحد ويظهر هذا الشعور في رسالته التي بعث بها إليها ص168 (بعض النساء وطن) وترى وفاء الحب في رسائل جلال ،في قصائد أراغون في إلزا ،لكن هذا الحب يذوي أمام قيد مريم فجلال بلوشي والعادات ترفضه وتجتث حبه من الجذور.
إيمان البنت الكبرى التي يخذلها حبيبها محمود..
نوال وحبها لأستاذها وائل حيث نالت ما أرادت عندما تمردت على مريم ،تزوجته لأنها وجدت به حبها لوالدها. حب حكم عليه بالموت لتعشق سالم الذي أحست تجاهه بالحب الحقيقي كامرأة ورجل لا كابنة وأب.
أما ابتسام التي بحثت عن الحب في قصص الخرافات والأساطير المتوجسة مما حولها تقع في غرام حسين وأمام رفض مريم التي كانت تنعته بأنه يكره سيدتنا عائشه أم المؤمنين وسيدنا عمر أمير المؤمنين وتسرب العمر من بين يديها تفقد حبها لتبقى النهاية مفتوحة أمام محكمة الدنيا..
لقد لجأت الكاتبة إلى استخدام كلمات تشير إلى الحرية في مواقع كثيرة من الرواية مثل الأجنحة ، الطيران، تحرر النور بعد إزاحة الستارة..
بقي أن نقول بأن الكاتبة لم تغفل عن التذكير بفلسطين كأهم قضية عربية. وذكر القدس والتأكيد على حق العودة.