أضواء على خطاب الموازنة العامة للسنة المالية 2024
الشعب نيوز:-
زياد الرفاتي
يمثل مفهوم الموازنة العامة الخطة المالية لدولة لعام قادم وقد تمتد لأكثر من عام وتدخل في اطار التخطيط الاستراتيجي المالي وتنفيذ السياسات والخطط والبرامج وتقوم على أساس التقدير بناء على فرضيات محددة مسبقا ، حيث تتضمن الايرادات المقدرة والنفقات المقدرة والفائض أو العجز المقدر بينهما ، وقد تتحقق الايرادات أو النفقات التي بنيت عليها الموازنة أو لا تتحقق على أرض الواقع ويعتمد ذلك على مدى تحقق الفرضيات المستند عليها .
بنيت الموازنة العامة لسنة 2024على فرضية نمو الناتج المحلي الاجمالي للسنة المقبلة بنسبة 2،6% في ضوء مواصلة تنفيذ الاصلاحات الهيكلية وهو مثيلا لمعدل النمو الفعلي للربع الثالث 2023 و يصدر عن الربع الرابع بعد انتهائه ، رغم التطورات الجيوسياسية في المنطقة التي حدثت في الربع الرابع وما زالت مستمرة أو تقدير وحصر تبعاتها على اقتصادات المنطقة والاقتصاد الفلسطيني المرتبط بشكل وثيق مع الاقتصاد الأردني وارتفاع تكاليف اللجوء السوري ، وقد حذر جلالة الملك عبد الله الثاني في الحادي والعشرين من الشهر الجاري من تداعيات كارثية على المنطقة مع استمرار الحرب على غزة .
ووفق دراسة الأمم المتحدة لحرب غزة وتأثيراتها على اقتصادات الدول المجاورة ، فقد أشارت الى أن التكلفة الاقتصادية للحرب على ثلاث دول مجاورة قد ترتفع لأرقام كبيرة من حيث الخسائر في الناتج المحلي الاجمالي وتعادل مجتمعة 2،3% من الناتج المحلي ، ويمكن أن تزيد الى الضعفين اذا استمرت الحرب ستة أشهر أخرى ، وأن الأزمة كانت بمثابة قنبلة في وضع اقليمي هش بالفعل .
اضافة الى التحديات الاقتصادية في ظل استمرار التوترات الاقليمية المرتبطة بالحرب على غزة ، فقد قام الفيدرالي بتخفيض توقعاته لنمو الاقتصاد الأميركي في العام 2024 وهو الأقوى والمؤثر على اقتصادات العالم الى 1،3% مع مخاوف لحالة الركود مقابل 2،6% في العام 2023، وأن التعافي الاقتصادي الصيني الذي يلي الأميركي في القوة و وفق بيانات تشرين الثاني ما زال تحت ضغط لضعف الطلب ، وتخفيض بنوك مركزية خليجية توقعاتها لنمو اقتصاداتها لتراجع أسعار النفط والتحول للاعتماد تدريجيا على الاقتصاد غير النفطي ، وأن التوقعات لا تزال عرضة لعدم اليقين وتباطؤ أسرع في النمو العالمي ، وتحذيرات صندوق النقد الدولي من تأثير خفض الانتاج النفطي في العراق على النمو الاقتصادي العراقي وهو يترابط مع قطاعات اقتصادنا .
ان تقدير معدل النمو الاقتصادي يبنى عليه تقدير الايرادات في الموازنة العامة ، وقد يؤدي عدم تحقق مستهدفات النمو لأية أسباب أو ظروف الى عدم تحقق الايرادات المرسومة وتأثيرات الحرب على أداء قطاعات السياحة والتجارة العامة والتصدير وانعكاسها على ايرادات الخزينة العامة ، وبالتالي زيادة عجز الموازنة خلال العام عن المستهدف المحدد في بداية العام واللجوء الى الاقتراض لسده ، في ظل صعوبة التحكم بالنفقات الجارية والرأسمالية وزيادة المديونية عن مستهدفاتها أيضا وفي ظل أسعار الفائدة المرتفعة سواء على اصدارات السندات أو الاقتراض الخارجي .
وقد تم رصد مبلغ 100 مليون دينار مخصصات الطوارئ للنفقات الطارئة في موازنة 2024 دينار للتعامل مع المتطلبات المالية في حال حدوث أي تطورات أو مستجدات في حينه ، ويفضل زيادة مبلغ التخصيص بشكل كاف لمواجهة مخاطر المستقبل و المحتملة بالعام الفادم في ظل الظروف الراهنة واتخاذ اجراءات استباقية في الموازنة وتفعيل ادارة المخاطر للتحكم في الوضع المالي وضمان الاستقرار الاقتصادي وتخفيف اثار الصدمات وغير المنظور
ان بلوغ المخصصات المالية للقوات المسلحة والأجهزة الأمنية أعلى مستوى تاريخي لها في موازنة عام 2024 ، يستحق الاشادة والدعم والتقدير على الجهود الكبيرة التي يبذلونها دفاعا عن الوطن وفي مواجهة عصابات الارهاب والتهريب والسهر على راحة المواطنين واستتباب الأمن والمخاطر العالية التي يواجهونها والتضحيات التي يقدمونها
لقد حافظ الأردن على تصنيفه الائتماني كما كان قبل جائحة كورونا والذي يقيس القدرة على الوفاء بالالتزامات تجاه الغير ، وقد استمرت المملكة في الحفاظ على سجلها الائتماني التاريخي لدى الدائنين بالسداد المنتظم رغم ما تشكله خدمة الأقساط والفوائد من ضغوطات على الموارد المالية للموازنة ، ورغم أهمية التصنيفات الائتمانية الجيدة للدول الا أن هناك عوامل أخرى قد تلعب دورا في تقديم القروض والمنح للدول المتأثرة اقتصاديا أو مناخيا نتيجة الحروب والأزمات الاقتصادية والكوارث الطبيعية .
أما انخفاض معدل البطالة بمقدار 0،8% نقطة مئوية ليبلغ 22،3% فقد تمت المقارنة بين الربع الثالث 2023 مع نفس الربع من عام 2022 بينما كانت بنفس المعدل للربع الثاني 2023 أي مستقرة ، وبلغ المعدل في الربع الثالث عند الذكور 19،8% وعند الاناث 31،7% حسب مسح دائرة الاحصاءات العامة ، وترتفع الى 47% بين الشباب .
وفي جانب النفقات العامة ، فقد ارتفعت النفقات الجارية المقدرة لعام 2024 بنسبة 8،7% وبمبلغ 854 مليون دينار مقارنة بعام 2023 لمواجهة زيادات مخصصات الجهازين العسكري والمدني والأمن والسلامة وزيادات التقاعد وارتفاع بند فوائد الدين العام وتخصيص النفقات الطارئة ليصل اجمالي النفقات الجارية الى 10،642 مليار دينار ، تشكل رواتب الجهازين المدني والعسكري والمتقاعدين المدنيين والعسكريين نسبة 61% من مجموع تلك النفقات ، وتشكل الفوائد 19% وبمبلغ 2 مليار دينار مقابل 1،7 مليار دينار في 2023 ، ليصل مجموع الرواتب والتقاعدات والفوائد 80% من اجمالي النفقات الجارية والنسبة المتبقية لادامة العمليات التشغيلية والدورية .
أما النفقات الرأسمالية فقد زادت بمبلغ 182 مليون دينار وبنسبة 11،8% عن العام 2023 لتبلغ 1،729مليار دينار ، شكلت منها مشاريع رؤية التحديث الاقتصادي وخارطة تحديث القطاع العام 20% ومشاريع الجهاز العسكري وجهاز الأمن والسلامة 17% ومشاريع تنمية وتطوير البلديات ومشاريع اللامركزية في المحافظات 18% .
وبالتالي فان مجموع الزيادة في النفقات الجارية والرأسمالية 1،035 مليار دينار وبنسبة 10% عن العام 2023 ليصل مجموع النفقات العامة 12،371 مليار دينار .
أما الايرادات العامة ، فقد قدرت الايرادات المحلية لعام 2024 بزيادة مقدارها 873 مليون دينار وبنسبة 10% عن العام 2023 لتصل الى 9،579 مليار دينار لتغطي 90% من النفقات الجارية مقابل 89% في عام 2023 ، والتركيز على رفع الايرادات الضريبية دون الشرائح الضريبية لتبلغ 75% من الايرادات المحلية في موازنة 2024 .
وارتكز تقدير الايرادات المحلية على عدة فرضيات أبرزها استمرار الوضع الاقليمي على حاله دون حدوث تطورات كبيرة ضمن السياق الجغرافي والزمني ، وقدرت المنح الخارجية بنحو 724 مليون دينار لبرتفع مجموع الايرادات المحلية والمنح الخارجية بنحو 844 مليون دينار وبنسبة 9% لتصل الى 10،303 مليار دينار .
وعلى ضوء الايرادات والنفقات المقدرة فان العجز المقدر في الموازنة العامة لسنة 2024بيلغ 2،068 مليار دينار ، ومع استمرار الانضباط المالي ومواصلة تنفيذ برنامج الحكومة للاصلاح المالي والنقدي فانها تتوقع تحقيق أول فائض والهبوط التدريجي للدين العام في عام 2028 .
وفي موازنة التمويل ، سيتم اقتراض 7،5 مليار دينار في 2024 من ثلاثة مصادر للتمويل وهي القروض الخارجية والقروض الداخلية واصدار سندات محلية ، سيتم استخدام حصيلتها في سد عجز الموازنة بمبلغ 2،1 مليار دينار مليار ، والمتبقي 5،4 مليار دينار لاطفاءات ديون وتسديد أقساط قروض خارجية وداخلية ويمثل احلال دين جديد محل دين مستحق ، أي أن صافي رصيد الدين العام سيرتفع بمبلغ 2،1 مليار دينار من تمويل العجز .