هل تنذر اهتزازات مجلس النواب برحيل مبكر؟

910
الشعب نيوز:-
أثارت تداعيات قضية النائب الأردني المفصول أسامة العجارمة، وما رافقها من تطورات، ردود فعل شعبية واسعة، طالبت برحيل مجلس النواب؛ لما اعتبروه “افتعالاً لأزمة غير محسوبة الأبعاد”، تنم عن ضعف الأداء، فيما المطلوب من المملكة لعب دور فعّال يعينها على تجاوز ارتدادات الأزمات الإقليمية.
القضية بدأت الشهر الماضي، عندما قرر العجارمة أن يعبر عن رأيه في حادثة انقطاع الكهرباء خلال جلسة خاصة عقدت لذلك، حيث وصف ما جرى بأنه كان “متعمدا”؛ لمنع مسيرات تضامنية للعشائر مع فلسطين في ظل العدوان الإسرائيلي الأخير. بينما طالبه زملاءه بإثبات صحة ما يقوله.
احتدم النقاش في المجلس، وحاول العجارمة أن يكمل حديثه، بعد أن تم قطع الصوت عنه، واعتبر رئيس المجلس عبد المنعم العودات حينها أن ما قاله يخالف النظام الداخلي للمجلس، ليرد عليه بعد أن غادر مكانه : “طز (تبًا) بمجلس النواب وطز بالنظام الداخلي”، وفق مقطع مصور تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي.
وعقب انتهاء الجلسة، اعتذر “العجارمة” في مكتب رئيس المجلس عما بدر منه، إلا أن زملاء له وقعوا مذكرة لتحويله إلى لجنة تأديبية، لتصل الأزمة إلى تجميد عضويته أواخر الشهر الماضي.
أخذت القضية بالتطور شيئا فشيئا، حيث أدى ذلك القرار إلى حالة من التعاطف الشعبي مع العجارمة، وبدأت العشائر بالتوافد إليه لتأييده؛ لخصوصية ما قاله في مداخلته بالبرلمان.
إلا أن تلك التجمعات سببت قلقا واضحا للجهات الرسمية، وحاولت منعها بالقوة، لكن حديث مصور للعجارمة في إحداها أثار غضب المجلس، بعد أن اعتبروه مسيئا للملك والمجتمع.
وقرر أحد زملائه تبني مذكرة لفصله، حيث وقع عليها 109 نائبا (من أصل 130)، وعقد جلسة طارئة يوم الأمس الأحد، وتقرر ذلك بالفعل، ما أدى إلى أعمال شعب في مسقط رأس العجارمة في منطقة ناعور بالعاصمة عمان.
قضية النائب العجارمة وضعت البرلمان الأردني في موقف لا يُحسد عليه، فبعد تسريبات عدد من أعضائه عن آلية عقد جلسة “التجميد” بدقائقها المعدودة لاتخاذ القرار بحق زميلهم، تحول غالبيتهم إلى دائرة الشك والاتهام في مستوى إدراكهم ورؤيتهم و”استقلالية قرارهم”.
ثمة سعي ملكي جدّي نحو تحقيق الإصلاح بمختلف جوانبه، سياسياً واقتصادياً وإدارياً، عبر توجيهات مستمرة للحكومات المتعاقبة. غير أن غياب الإرادة في تنفيذ تلك الرؤى، كان له الدور الأبرز في حدوث أزمات داخلية متتالية.
العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني كان واضحا في آخر حديث له، الأسبوع الماضي، مع عدد من الشخصيات السياسية، إذ اعتبر أن عملية الإصلاح “لا تحتاج إلى شعارات، بل تتطلب دراسة وتقسيم أدوار للوصول إلى نتائج ملموسة”، مطالبا بضرورة الأخذ بآراء المواطنين والاستفادة من أصحاب الخبرات.
وأبدى حرصه، في مقابلة صحفية أواخر يناير/ كانون الثاني الماضي، على “تعزيز المشاركة السياسية، وزيادة مشاركة الأحزاب والشباب في البرلمان”، داعياً إلى “النظر في القوانين الناظمة للحياة السياسية، كقانون الانتخاب، وقانون الأحزاب، وقانون الإدارة المحلية”.
لكن ثمة من يرى أن عدم تطبيق تلك الرسائل الملكية يعود إلى “تغييب” أصحاب الاختصاص والخبرة عن الساحة، وتوكيل الأمور لغير العارفين بها، ما يؤدي بالتالي إلى حدوث أزمات غير متوقعة.
** استبعاد رحيل البرلمان بلا قانون انتخاب جديد
ليث نصراوين، أستاذ القانون الدستوري في الجامعة الأردنية (حكومية)، استبعد رحيل مجلس النواب الحالي خلال فترة وشيكة، معتبراً أن “عدم وجود إصلاح حقيقي على مستوى التشريعات الناظمة للحياة السياسية وتعديل قانون الانتخاب، سيعيد إنتاج مجلس نيابي بالمواصفات ذاتها”.
ورأى، في حديث إلى “الأناضول”، أنه “على رغم الاهتزازات الحاصلة في المجلس، فإن وجوده دستوريا هو أمر أساسي لإقرار أي تعديلات على قانون الانتخاب الحالي أو إقرار قانون انتخاب جديد”.
وقال: “بقي بضعة أيام عن انتهاء الدورة غير العادية لمجلس النواب، ومن المستحيل إنجاز مشروع قانون جديد في هذه المدة القصيرة ليتم عرضه على المجلس في الدورة الاستثنائية المقبلة”.
واستطرد: “إذا جرى التوافق على صيغة مناسبة لمشروع قانون الانتخاب، فربما يتم عرضه في الدورة العادية لمجلس الأمة التي ستعقد في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل”.
وتكون اجتماعات مجلس النواب الأردني على 4 دورات، هي: الدورة العادية ويعقدها مرة واحدة سنويا، ومدتها 4 أشهر تبدأ في أول أكتوبر/ تشرين الأول.
أما الدورة الاستثنائية، فتعقد بناء على دعوة من الملك أو بطلب من الأغلبية المطلقة لمجلس النواب عند الضرورة، ولمدة غير محددة لكل دورة من أجل إقرار أمور معينة تشمل مناقشة قوانين وأية قضايا مهمة أخرى.
فيما تعقد الدورة غير العادية، في حالة حل مجلس النواب، إذ يجب إجراء انتخاب عام بحيث يجتمع المجلس الجديد في دورة غير عادية بعد تاريخ الحل بأربعة أشهر على الأكثر.
واختتم نصراوين “عند مرور مشروع القانون بمراحله الدستورية اللازمة ليصبح قانونا نافذا، يكون القرار للملك في حل البرلمان أو بقائه، وإجراء انتخابات جديدة وفق القانون الجديد، خاصة أن رحيل مجلس النواب مرتبط دستوريا بوجوب استقالة الحكومة خلال أسبوع من تاريخ الحل”.
وأجريت الانتخابات النيابية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، ضمن قانون القوائم، الذي تم إقراره في 2016، عوضا عن قانون “الصوت الواحد”، الذي لا يختلف عنه كثيرا، إذ يتيح اختيار عدد محدد من قائمة تحتوي على مجموعة من المرشحين، ويحصل على المقعد أعلى الأصوات بينهم.
ولم تتجاوز نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية التي جرت العام الماضي 29.9 بالمئة، من إجمالي أكثر من 4.6 مليون ناخب مسجل، تنافس خلالها 1674 مرشحا ضمن 294 قائمة على 130 مقعدا.
** عشائرية النسب لا عشائرية الدور
حسين محادين، عميد كلية العلوم الاجتماعية في جامعة مؤتة (حكومية)، قال في حديث لـ “الأناضول” إنه “لا بد من الاعتراف بأن المكوّن العشائري للمجتمع الأردني، المتحول من قيم المناطقية والروابط الأولية، آخذ في الاتجاه نحو دولة القانون والمؤسسات”.
وأشار إلى أن “كثيراً من السياسيين في المملكة بعيدون عن أوجاع الشارع وتطلعاته. ومن هنا نجد أن النخبة السياسية في أغلب الحكومات اقتصرت على أبناء المحافظات من القاطنين في العاصمة عمان فقط”.
وأضاف: “هؤلاء السياسيين وصناع القرار قطع معظمهم ارتباطه بمسقط رأسه، ولم يعد مؤثرا في الشارع، خصوصا أن المعطيات تؤكد دور المحافظات في إحداث التحولات الديموقراطية في الأردن، منذ تسعينيات القرن الماضي”.
ولاحظ محادين أن “الارتداد نحو القبيلة والمناطقية كان الأسهل على بعضهم من أن ينحاز إلى قيم الدولة المدنية بالمعنى الدستوري والقانوني، والذي هو مظلة كل الأردنيين كما يفترض”.
وقال: “علينا العمل جميعا كمؤسسات وقادة رأي وإعلام على تعديل مفهوم العشيرة ودورها نحو عشائرية النسب؛ أي أن كل مواطن أردني ابن عائلة محط اهتمام وتقدير، وأن النسب العشائري ليس فوق القانون؛ لأنه مفهوم تأصيلي ليس أكثر”.
** تغول السلطة التنفيذية على التشريعية
الكاتب والمحلل السياسي فايز الفايز اعتبر أنه في القرن الماضي “كانت الحياة السياسية نابضة بقوة”.
وقال لـ “الأناضول” إن “نظرية المجالس التشريعية والأحزاب، على قلتها، كانت تنبثق من دواع وطنية وقومية لتأسيس مستقبل الدولة على ركائز وطنية وائتلاف مجتمعي، على رغم غلبة المناطقية والعشائرية آنذاك، ونراها اليوم متقدمة بشكل كبير على ما نحن عليه اليوم”.
وشدد الفايز على ضرورة ما سمّاه بـ “إيجاد بيئة حزبية تأخذ مساحة واسعة في نطاق المجتمع السياسي (…) فالأحزاب فرعية متشظية، وعنوانها في الأغلب شخوص بعينهم ليس لهم أي تأثير على الواقع”.
ورأى ضرورة “ألا تطغى السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية، وإظهار البرلمان وكأنه تابع، وهو في الأصل ركن حصين يمثل الشعب الذي أعطى الشرعية للجميع”.
وقال: “ما رأيناه من عبث في النظام الداخلي لمجلس النواب في ما يتعلق بزميل لهم يمتلك حق الاعتراض والنقد والامتناع عما تريده رئاسة المجلس وحرمانه من حق تمثيل شريحة كبيرة من قطاعات الشعب الأردني، ينبئ بتجاوزات غير دستورية مردها أهواء شخصية، خصوصا عندما نتذكر أحداثاً جرت في المجالس السابقة كانت أكثر خطورة من مجرد عدم امتثال نائب لما يُطلَب منه”.
وأضاف: “لا شك في أن تداعيات القضية وضعت مجلس النواب على صفيح ساخن، فباتت المطالبات بحله تتعاظم. لكن هذا قد لا يحصل قبل مضي عام، وعقب إخراج القوانين التي تنظم الحياة السياسية بما فيها قانون الانتخاب”.
وختم الفايز حديثه بالقول: “حتى ذلك الحين، يجب إعادة الأمور إلى نصابها الحقيقي؛ لعدم إلحاق مزيد من الضرر بهيبة الدولة وسلطتها، فلا يعقل أن تتخذ قرارات مهمة بناء على مزاج جهة ما أو شخصية ما تعرضت للانتقاد”.
(الأناضول)
قد يعجبك ايضا