نقطة اشتباك مع البراغماتية السياسية ؛ د. حازم قشوع

2٬692
الشعب نيوز:-

البراغماتية ؛ هي مدرسة فلسفية يونانية ادخلتها أمريكا للمنهجية السياسية من باب العلاقات القائمة على المنفعة من دون الوقوف عند النصوص الايدولوجية او المنطلقات القيمية، مهما حملت ألوانها من مبادىء او استندت لأرضيه عمل صادرة عن حقائق أو مبينة بدلائل، هذا لان نهجها يقوم على الأهداف ولا يرنو لتحقيق منطلقات، وهذا ما يجعلها متغيرة وليست ثابتة، الأمر الذي يجعل من الحقيقة تحاكي الواقع بميزان التقدير لهذه المنهجية، فالحقيقة التي لا تقدم للمصلحة اضافه فى بحر علومها ولا تسهم بتحقيق الأهداف المرجوة لا تعنى شىء فى ميزان التأثير مهما حملت من قيم إنسانية أو مبادئ أخلاقية، وهذا ما يمكن مشاهدته فى المواقف الأمريكية الإسرائيلية فى حرب غزة.

وهو ما يجعل من البراغماتية متغيرة العناوين وليست ثابتة البيان او معروفة الألوان، كونها تقوم على أطر غير منضبطة ولا تستند لمرجعيات موضوعية مشكله، حتى لو كانت تحمل صفة قانونية أو سمات إنسانية، هذا لأن القانون لديها أو التشريع ما هو إلا أداه مهما كان مصدره، وهو وسيلة متغيرة بتطور الظروف الواقعة التي تصنعها مراحل التأثير المرحلي مع كل مرحلة متحولة تصل الى نتيجه وتشكل نموذج عمل، وهو ما يجعل من البراغماتية منهجية مرحلية وليست استراتيجية يمكن البناء عليها والقياس على نهجها كونها مبتوره ولا تحمل صفة الديمومة، وهذا ما يجعل من شكل العلاقة القائمة على هذا النهج علاقة غير آمنة لانها تنتهي بانتهاء المصلحة أو عند الحصول على محصلة منفعة.

ولأن منهج عملها يقوم على نظرية ترسيم الاهداف، فان ذلك يبعدها عن مسألة التقيد بالنص أو الالتزام بمضمونه العام، فإن البناء عليها بناء غير صلب كونه ليس بثابت سينتهي عند تغير الظروف أو تبدل البيئه الحاضنه التي تنتهي عند تحقيق الغايات، وهذا ما جعل من البراغماتية تعتبر المنهجية الرئيسية للعلاقات بين الدول، فلا عرقية تحدد بوصلة اتجاهاتها ولا مذهبية تقود بوصلتها العامة، الأمر الذي يجعل من البراغماتية تقدم المصلحة على المنطلقات مهما حملت من عنوان اخلاق او قيم، هذا لأن مبررات الوصول للغاية عبر هذه المنهجية يعتبر بحد ذاته مبادىء قيمية.

ولان هذه المدرسه تقود العلاقات الدولية الإقليمية منها والدولية، فإن بيان مسألة المنفعة هى من ستحدد درجة العلاقة التي يحددها وحسب العناوين المصلحية للطرف القوي، فلا قيم تفيد فى ترسيم هذه الحواضن والحقوق تجدى ولا صوت العدالة ينفع مهما علا ولا حتى سيادة القانون لو تم إصدار مقرراته من المحكمة الدولية أو الجنائية أو من مجلس الامن، هذا لان صوت العدالة بهذا المقام الذى تفرضه الحقيقة منقوص المنفعة، وهذا ما يجعله دون تأثير في مسرح الأحداث، وهو ما يمكن مشاهدته في مسألة التجاذبات بين الكونجرس والمحكمة الجنائية فى قضية إدانة نتنياهو و غالانت بجرائم حرب ضد الإنسانية.

ووفقا لهذه المنهجية بعناوينها البراغماتية تعتبر الدولة الكامنة غير المتحركة المتفاعلة في بناء حواضن العلاقات دولة خامله يمكن إقصاؤها بسهوله، اما الدولة المشتبكة المتفاعلة فهي دولة حيوية مهما حملت من صفة تحرك بالاتجاه السلبي او الايجابي، وهذا ما يجعلها فاعلة تستوجب الإرضاء والوقوف على تداعيات حراكها أو واقع حركتها، وهذا ما يجعل الجميع يبحث عن دور دائم فى المشهد السياسي مهما جنى من منافع لأن انتهاء الدور يعنى انتهاء النظام السياسي بتجميد حراكه.

وعند النظر للحالة التى يقف عليها الرئيس دونالد ترامب وللواقع الذي يحاول ترسيمه عبر إطلاقه لمجسات استعلامية عبر الفضاءات الإعلامية، فإن الوقوف عند كل بالون اختبار سيكون مربك لبيت القرار المتلقي لكونه هذه المجسات تفيد الاستدلال ولا تقوم لبناء جملة يراد ترسيمها، فإن حدث وأن وصلت هذه المجسات للغاية منها فكان، وأن وصلت لتحقيق أهداف مرحلية فيمكن عندها أن تكون ذلك العنوان المرحلي الذي يمكن البناء عليه، وعندها سيعتبر الوصول إليها هي غاية بحد ذاتها على اعتباره يحمل صفة تحقق خطوة للأمام، وهذا ما يجعل من سياسته مرنة ومتغيرة وليست ثابتة الأطر ومحددة الاتجاهات.

وهو ما يحاول صناعته عبر إطلاق مجسات نحو متغير يريد عبره توسيع نطاق جغرافيته السياسية فى كندا وغرينلاند والمكسيك وبنما، وتوسيع محتوى نفوذه العام الاقتصادي في أوروبا والصين، محاولا بذلك فرض واقع جديد بسمة حقيقة واقعة، وهو ما يقوم على فعله لأمريكا كما يقوم على تصديره لإسرائيل باعتبارها حجر الزاوية في منهجية فعله في منطقة الشرق الأوسط، مستخدما بذلك اسلوبه الديماغوجي عالي التأثير فى بناء قوام الأثر وتحقيق درجة الاستهداف، وهذا ما جعل من الرئيس العائد حديث العالم فى كل ما يطلق من قرارات بصيغه احكام محولا بذلك البيت الابيض من مرجعية احتكام الى بيت حكم تؤثر قراراته على العالم أجمع.

إذن نحن نتعامل مع ثقافة قد تكون بمضمونها بعيد عن ثقافة الشرق الأوسط وما اعتادت عليه المنطقة للتعاطي مع طبيعة العلاقات، وهذا ما يجعل من الحواضن الاجتماعية في المنطقه مشدوده لما يتم تناوله في وسائل الإعلام التي لا تنقل حقائق بل تنقل تصورات انطباعية لكنها سرعان ما تصبح مستقرات بدواعي الملابسات، وهو ما يثير دواعي التشكيل فى بيان الروايات الرسمية التي أصبحت بحاجة الى بيان تفسيري بكل جمله ترسيم تصاحب حركة تسارع الأحداث لجلاء الموقف وإظهاره ناصع الصوره، وسط ضجيج ثقافة البراغماتية السياسية التي يجري إطلاقها باحترافية ديماغوجية يقوم عليها الرئيس دونالد ترامب لتغيير الحقائق وفرض واقعا جديد.

ان الأردن وهو يقدم سياسة عقلانية وازنه عبر مدرسته الدبلوماسية التى ينطلق منها من محتوى قيمي يقوم على قيم الإنصات لصوت العدالة وسيادة القانون الدولي، وهو يرنو لتحقيق السلم الإقليمي لبناء نموذج آمن يمكن البناء عليه في المنطقة، وهو الاردني الذي قام على بناء نموذج في المدرسة العقلانية التي يمكن الاتكاء عليها في إعلاء المفهوم الاستراتيجي للعلاقات بين الدول، وهي المدرسة التي اتخذت من المصداقية عنوان وليس من الديماغوجية منهاج كونها عملت لإعادة بناء قوام على امتداد رسالتها منذ نشاءة الارض، وهذا ما يجعلها واثقة من سياستها ومن قيمها النبيلة، وهو ما يجعل النموذج الاردني يضيف ولا يضاف عليه فى حواضن التأثير لدرجة حسن التقدير الذى تبينه وان اختلفت زوايا الرؤيه وتباينت بين المصلحه والمنفعة كونها تقوم على المنفعة بمحتواها القيمي.

وهذا ما يجعل الدبلوماسية الأردنية “ملكيه الصفة والسمة” بعناوين التأثير ودرجة بناء حواضن الأثر، كما يجعلها واثقة من تحقيق الأهداف وترسيم الغايات من دون عناوين تحمل في مضمونها صيغة تحدي واستعلاء كما يطلقها الرئيس دونالد ترامب فى بيان موقف التهجير وفي بيان طريقة مخاطبته لزعماء الدول وقادتها، والذى تجده مجتمعات المنطقة مرفوض شكلا كونه يبتعد عن أصول المخاطبة الدبلوماسية كما أن مضمونه لا يحقق السلام الذي تحفظه المجتمعات والدول حتى لا ترفضه الشعوب مع أول منعطف متبدل من منحنى متغير، الأمر الذي يجعل من النهج الأردني أكثر بيانا وأعمق تأثيرا كونه نموذج ملكي معرفي يدمج بين شرعية القرار ومشروعية القبول، وهي المنهجية الموصلة لبر الامان و درجة التقارب فى بيان المحتوى السياسي بين الدول وفي حل قضية مركزية عميقة.

وهذا ما يجعل معادلة التباين المعرفي غير مبينة في منهجية الحكم فى النموذج الاردني الذي عنوانه يقوم على مضمون الاحتكام للمرجعيات القيمية، وهي المسارات التي نقلت العلاقات الادميه من حاله براغماتية كانت تقوم عليها البشرية إلى حاله انسانيه ولدت مع ولادة نور المسيح عليه السلام، عُرفت بالمرجعية القيمية المطلقة، وهي التي جاءت لتبين المسارات وتحدد الخطوط العامة للقيم كما بينها سيدنا المصطفى فى تنظيم العلاقات، وهو ما يقوم عليه النظام الهاشمي وريث ستاتيكو القدس بوصايته المقدسية التي حافظ بها على الاراضى المقدسة بمناخات آمنة تبين عقائد ربطها ومفاصل تقويمها الديانات السماوية الثلاث، وإن كانت حددت أربع حارات للقدس نماذجها اليهودية والارمنيه والنصارى والإسلامية، بوعى منصف مدرك لطبيعة العقائد المذهبية في الترسيم الجغرافي ويقوم على الاستشراف المعرفي الذي يقرأ المتغير ولا يرفضه، تلك هى المعادلة التى يقوم النموذج الهاشمي بالحكمة والاحتواء وبناء السلام، وهذا ما جعله دائما اهلا للاحترام على امتداد الأزمان.

قد يعجبك ايضا