حرب الرسوم الجمركية الأميركية تشعل حروبا تجارية مع شركائها التجاريين الكبار
الشعب نيوز:-
زياد الرفاتي
كان الملف الاقتصادي في الولايات المتحدة حاضرا ومؤثرا بقوة بحمى التنافس في انتخابات الرئاسة الأميركية وحسم نتائجها لصالح ترمب ، مدعوما بالأوضاع الاقتصادية التي تسود البلاد والوعود الاقتصادية التي قطعها لتنفيذها في حال فوزه .
وقد وعد الناخبين بأنه سينقذ الاقتصاد وانهاء الكارثة الاقتصادية التي خلفها حكم الديموقراطيين واطلاق المعجزة الاقتصادية ، وتصحيح الموازين التجارية مع الدول ولم تستثن أحد وضبط معدلات التضخم وانهائه والحد من الغلاء وتخفيض الأسعار والضرائب وخفض الانفاق والحد من برامج الرعاية الاجتماعية والمعونات وتوفير سكن بأسعار منخفضة وعدم التدخل الحكومي في الاقتصاد وتعزيز التجارة الحرة .
وكان المرشحان للرئاسة متفقان على رفع التعرفة الجمركية على الشركاء التجاريين ، حيث قدرت الخطة الجمركية بتحقيق عوائد متوقعة بقيمة 2،6 تريليون دولار في العشر سنوات القادمة والتعويض عن التخفيضات الضريبية ، ولكن في المقابل خفض مستوى الناتج المحلي الاجمالي الحقيقي بواقع 0،5% ومواجهة المستهلكين الأميركيين زيادات سعرية بين 12% و15% .
وبعد فوز ترمب وتنصيبه في العشرين من كانون الثاني الماضي وخلال فترة أسبوعين من دخوله البيت الأبيض بدأ يقود حرب الرسوم الجمركية على العالم ، ونشأت خلافات تجارية مع الصين والمكسيك وكندا والاتحاد الأوروبي ومجموعة بريكس وبنما وجزيرة غرينلاند وأوكرانيا .
وبدأ يطلق العنان لتنفيذ وعوده ووقع في الأول من شباط الجاري على أوامر تنفيذية بفرض رسوم جمركية لتسري اعتبارا من الرابع من نفس الشهر وبرر ذلك أثناء التوقيع بأن لدى الولايات المتحدة عجز في الميزان التجاري مع كل من الصين والمكسيك وكندا ، وعلى المكسيك وكندا و الصين عبر استغلال الحدود مع الأخيرتين وقف تدفق المخدرات الى البلاد ولا شيء يمكن أن تفعله أي منهما لوقف تطبيق الرسوم الجمركية على الواردات منهم ، وأنه سيفرض رسوما جمركية على واردات الاتحاد الأوروبي ، ومعلنا أيضا بدافع خفض الانفاق الحكومي أن جميع الموظفين الفيدراليين يمكن استبدالهم ويمكنهم اللجوء الى القطاع الخاص .
ويرى خبراء اقتصاديون أن ترمب يستخدم شبح الرسوم الجمركية كأداة ضغط وتفاوض وانتزاع مواقف وأداته المفضلة في التفاوض وحماية للمصالح الاقتصادية الأميركية ، وضد من يريد تقويض النفوذ الأميركي مثل الصين وروسيا ، ولمنع تغول كتلة نقدية مناوئة للدولار تقودها الصين وروسيا ، ويتوعدون ترمب بالرد برسوم جمركية انتقامية ستجعل أميركا تدفع الثمن وقد قللت روسيا من شأن تهديد ترمب بفرض رسوم جمركية على ” مجموعة بريكس ” ، ولا أحد يريد حروبا تجارية ولا فائزا فيها .
وحسب غرفة التجارة الأميركية فان تعرفات ترمب سترفع الأسعار على الأسر الأميركية .
ووفق غولدمان ساكس فان الرسوم الجمركية الأميركية سيكون تأثيرها محدودا على أسعار النفط والغاز ، وقد تضرب الرسوم أرباح وأسهم أكبر الشركات الأميركية ، وأن هيمنة الدولار تتزايد ربطا بظروف اقتصادية وسياسية عدة .
وستؤدي تعرفات الرسوم الجمركية الأميركية الى ارتفاع التضخم في الولايات المتحدة وبقاء الدولار مرتفعا نظرا لارتفاع الفائدة ، وارتفاع أسعار مجموعة واسعة من السلع مثل الخضروات والفواكه والسيارات حيث تستورد 50% من الخضروات و40% من الفواكه من المكسيك ، وتستورد النفط من كندا و50% من قطع غيار السيارات والشاحنات والحافلات والألكترونيات من كندا والمكسيك ، ومن الصين الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر والألعاب و30% من الملابس ، وكافة السلع ستتأثر .
تبلغ الواردات التجارية الأميركية من الخارج 1،3 تريليون دولار .
- تبلغ الصادرات الى الصين 367 مليار دولار والواردات 529 مليار دولار بعجز تجاري (162) مليار دولار
- تبلغ الصادرات الى كندا 441 مليار دولار والواردات 482 مليار دولار بعجز تجاري (41) مليار دولار .
- التبادل التجاري مع الاتحاد الأوروبي يمثل نصف الناتج المحلي العالمي ، ويتضمن 30% من البضائع و40% من الخدمات .
- الصادرات البريطانية الى أميركا 187 مليار جنيه استرليني
وتنفيذا لوعوده وقع أمرا تنفيذيا في الأول من شباط بفرض رسوم جمركية اضافية على الواردات من الصين بنسبة 10% زيادة عما كان في السابق واعتبارا من العاشر من الشهر الجاري وهي مجرد بداية ، وبنسبة 25% على الواردات على كل من كندا والمكسيك اعتبارا من الرابع من الشهر الجاري .، ويدرس فرضها على الاتحاد الأوروبي ، ويهدد مجموعة بريكس وبريطانيا بفرضها .
وستقدم الصين شكوى الى منظمة التجارة العالمية بشأن الرسوم الجمركية الأميركية وفرضت رسوما مضادة بنسبة 15% على الفحم والغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة ليبدأ تطبيقها اعتبارا من العاشر من شباط والتحقيق مع ” غوغل ” ، مما يهدد باشعال حربا تجارية بين أكبر اقتصادين في العالم بعد أن هدأت في عام 2018 بين البلدين في عهد ولاية ترمب الأولى .
فيما ينظر الشارع الكندي الى التعرفات الجمركية الأميركية الجديدة بقلق وحذر وأن كندا ان تتراجع في مواجهة الرسوم الجمركية الأميركية ” غير المبررة ” ، وأطلقت برنامجا لاعفاء شركات محلية من الرسوم الجمركية .
وتتجدد تهديدات ترمب بأنه يجب أن تصبح كندا الولاية رقم “51 ” ومن دون الدعم الذي نقدمه لكندا ستتوقف عن كونها دولة ويجب عليها ايقاف مخدر الفنتانيل القادم من الصين ولن يسمح لكندا باستغلال الولايات المتحدة . وأميركا تخسر تريليونات الدولارات في دعم الدول الأخرى .
ويشير ترمب الى امكانية ” التوصل الى حل ” مع بريطانيا لتجنب فرض رسوم جمركية عليها حيث الفائض التجاري لصالح بريطانيا ، وتبلغ الاستثمارات الأميركية في بريطانيا 700 مليار جنيه استرليني بينما الاستثمارات البريطانية في الولايات المتحدة 500 مليار جنيه مما يظهر أن التعرفات الجمركية لن تفيد أحدا .
ويتابع أن الاتحاد الأوروبي لا يشتري منتجاتنا والعجز التجاري معه وصل الى 350 مليار دولار ويريدون انجاز صفقات معنا الان ، وقلت لدول حلف الناتو عليكم زيادة الانفاق الدفاعي وفعلوا .
أما أوكرانيا فقد خاطبها بقوله أن المعادن الثمينة مقابل المساعدات وسيوقف الحرب بين روسيا وأوكرانيا .، فيما أعلن الاتحاد الأوروبي أنه قدم مساعدات لأوكرانيا حجمها 134 مليار يورو منذ بدء الحرب في شباط 2022 .
وقناة بنما أعظم مشروع نفذه الأميركيون ولا يمكن أن نتنازل عنها للصين ونريد استعادتها .
وكل ذلك فيه هجوم لترمب على الأصدقاء والأعداء و هزة اقتصادية يعيشها العالم ستطال أميركا في ظل اعتمادها لى ثلاث دول .
فيما يجتمع وزراء الاقتصاد في الاتحاد الأوروبي لمناقشة تهديدات ترمب بفرض الرسوم الجمركية على الاتحاد والتعهد بالرد واعلان الاتحاد بأنه لن يفوز أحد في أي حرب تجارية وحديث الرئيس الفرنسي بأن أوروبا كقوة اقتصادية قادرة على فرض هيمنتها وتصريحات ترمب تدفع الأوروبيين ليكونوا موحدين وفاعلين أكثر ، أما المستشار الألماني فان منطقة اليورو منطقة اقتصادية قوية تستطيع الرد على أي رسوم جمركية أميركية ويجب على الشركاء الاقتصاديين التعاون ، ورئيس وزراء بولندا أن الحروب التجارية غير مجدية وحمقاء ، ورئيسة وزراء الدانمارك أن جزيرة غرينلاند ليست للبيع .
أما رئيسة المفوضية الأوروبية ، فاننا نعيش في عصر جيوسياسي ” شديد التنافسية ” وفي عالم حيث لا يمكننا أن نعتبر شيئا مسلما به بما في ذلك القواعد والمعايير التي بنيناها ، و تحاول فيه القوى العظمى اغتنام أي فرصة اقتصادية أو تكنولوجية أو أمنية والاستيلاء على أراض لدول أخرى ، وعلينا اتخاذ قرارات ” مدروسة ” بشأن مصالحنا ومستعدون لحمايتها بأي شكل ، وقد نضطر الى عقد مفوضات صعبة مع أميركا ومنفتحون على وضع الأسس لشراكة أقوى .
تظهر التقارير الاقتصادية أن حجم الاستثمارات الأميركية في أوروبا أكبر من الأوروبية في أميركا ، وعدد الشركات الأميركية التي تتعامل مع أوروبا أكبر من الأوروبية التي تتعامل مع الولايات المتحدة ، وأن ترمب ينقض نفسه عند قوله أن الرسوم الجمركية قد تسبب ألما ومعاناة للأميركيين وهذا يناقض وعوده الانتخابية بخفض الأسعار .
ومن اجتاحت موجة بيع الأسهم الأوروبية والأسيوية وتراجعت العملات المشفرة وغلاء السيارات في أميركا حيث زادت بمقدار 3000 دولار
وفي الثالث من شباط وقبل بدء نفاذ الرسوم الجمركية في اليوم التالي جرى اتصال هاتفي بين الرئيس الأميركي مع نظيرته المكسيكية ورئيس الوزراء الكندي جرى فيه الاتفاق على تأجيل ( تعليق ) الرسوم الجمركية شهرا واحدا بعد تعهد البلدان على تعزيز حرس الحدود بنشر الاف الجنود لمنع الهجرة غير النظامية ومكافحة تهريب المخدرات الى الولايات المتحدة ، وسيتحدث مع الرئيس الصيني في الساعات الأربع والعشرين المقبلة .
وقد فسرت مراكز دراسات اقتصادية متخصصة قرار التعليق بأنه تراجع قبل سريانه الفعلي ، ادراكا بتأثيراته السلبية على الولايات المتحدة وقطاع الصناعة الأشد تأثرا بالرسوم وأنها ستجبر الشركات الأميركية على العودة الى الولايات المتحدة .
وقد قلص الدولار لمكاسبه وأسواق الأسهم لخسائرها وعودة البيتكوين للمكاسب وتسجيل الذهب مستويات قياسية جديدة بعد تعليق الرسوم .
ووقع ترمب في الثالث من شباط أمرا تنفيذيا بانشاء صندوق ثروة سيادي خلال 12 شهرا تابعا للولايات المتحدة وقد اتفق على انشائه مع الرئيس الأميركي السابق ، ولا يملك ترمب بعد التفاصيل بشأن الصندوق بما في ذلك مصادر الأموال التي سيستخدمها ، ومن المرجح أن يتم تمويله من خلال الرسوم الجمركية أو ضرائب الدخل الفيدرالية ، وسيستثمر الصندوق في قطاعات مثل التكنولوجيا والطاقة والرعاية الصحية وشراء أصول من الصين وتحديدا ” تيك توك ” في المرحلة الأولى .
ومنذ تنصيبه اتخذ ترمب قرارات انسحاب من منظمات دولية وهي منظمة الصحة العالمية ، اتفاقية باريس للمناخ ، مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة ، حظر تمويل وكالة الأونروا ، الغاء الوكالة الأميركية للانماء الدولي وضم الا،شطة المتبقية لها الى وزارة الخارجية وسط معارضة من أعضاء في الكونغرس لدورها بالتنمية ومكافحة الجوع والأمراض في دول نامية أو فقيرة .