
أزمة أكرم إمام أوغلو.. تركيا إلي أين
الشعب نيوز:-
منذ أيام، ومدينة ك وكبرى المدن التركية، تعيش على وقع احتجاجات واسعة النطاق على خلفية اعتقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، للتحقيق معه في عدة تهم من بينها دعم الإرهاب.
ورغم حظر السلطات للتجمعات، والتضييق على حركة المواصلات وإبطاء سرعة الانترنت
تزداد التظاهرات زخما ضد ما يعتبره المحتجون والمعارضة مؤامرة سياسية تهدف لتكريس دكتاتورية أردوغان وإزاحة اي منافس محتمل له
وقال يوكسل تاسكين، النائب عن حزب الشعب الجمهوري المعارض الذي ينتمي إليه إمام أوغلو : “ثمة غضب عارم. الناس يخرجون إلى الشوارع بشكل تلقائي. لأول مرة يهتم بعض الشباب بالسياسة”.
من جهته قال إلهان أوزغل، نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري “إن الأمر لا يتعلق بحزب الشعب الجمهوري فحسب، بل بالجميع. القضية تكمن في معرفة ما إذا تركيا ستعيش في ظل نظام استبدادي أم ستصبح دولة ديموقراطية”.
وفي تطور، أعرب فرع إسطنبول لـ”حزب المساواة وديموقراطية الشعوب” (ديم) المؤيد للأكراد، ثالث أكبر حزب في البرلمان التركي، عن دعمه للتظاهرات التي أصبحت حدثا يوميا أمام بلدية المدينة، وقال نائبه إبراهيم أكين: “إنهم يحاولون ترسيخ النظام من خلال تشكيل المعارضة عبر القضاء. ينبغي للمعارضة بكاملها أن تُظهر تضامنها”.
ومن أبرز ردود الفعل الخارحية، تنديد مجلس أوروبا، بشدة، باعتقال أكرم إمام أوغلو، ووصفه بأنه تحرك ضد إرادة الشعب.
وقال مؤتمر السّلطات المحلية والإقليمية لمجلس أوروبا، في بيان الأربعاء، إن هذه الخطوة «تتّسم بكل سمات الضغط على شخصية سياسية»، وإن «المؤتمر سيثير القضية في اجتماع الأسبوع المقبل». كما عبّر نواب البرلمان الأوروبي عن دعمهم لإمام أوغلو ورفضهم انتهاك إرادة الشعب والديمقراطية في البلاد.
غليان
الاحتجاجات التركية، فجرت مؤخرا عدة قضايا يعاني منها الشعب منذ سنوات، حيث حاول الكثيرون من الطلاب، والعمال إيصال رسائلهم حول الوضع الاقتصادي ومستوى المعيشة المتردي وغياب الخدمات الطلابية والمطاعم الرخيصة التي نجح إمام أوغلو في تقديمها لهم، منتزعاً دوراً اجتماعياً عُرف به الإسلاميون تقليدياً.
وقال كمال كان، الصحافي ومؤلف العديد من الكتب عن المجتمع التركي، إن ”الشعور بأن الحصار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وحتى الثقافي، بات سائدا على نطاق واسع. أثار ذلك (الاعتقال) رد فعل شديدا، لا سيما بين الشباب القلقين على مستقبلهم في بلدٍ تزداد فيه القيود على الحريات. إنه رد فعل يتجاوز إمام أوغلو”.
وبهذا الخصوص، يقول الصحفي التركي جان دوندار، إن “الأزمة جاءت في وقت “تعاني البلاد أصلًا من أزمة مالية حادة: وقد أدى هذا التصعيد إلى مزيد من التدهور، حيث فقد المستثمرون الأجانب ثقتهم بالسوق التركية، وتزايدت مخاوف رؤوس الأموال المحلية، التي بدأت تميل إلى دعم المعارضة بدلًا من الاستمرار في الاصطفاف خلف النظام. أما الطبقات الفقيرة داخل قاعدة حزب العدالة والتنمية، فقد أصبحت معاناتها الاقتصادية تفوق أي ولاء أيديولوجي، مما يهدد بانهيار التماسك الداخلي للحزب.”
هفوة سياسية
توقيف إمام أوغلو، اعتبره مراقبون هفوة سياسية، ارتكبها الرئيس رجب طيب أردوغان، ويرى سياسيون ومحللون أن تحرّك الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ضدّ إمام أوغلو، وهو أحد أبرز منافسيه المحتملين على الرئاسة، يمكن أن يكون أكبر خطأ يرتكبه إردوغان على مدى مسيرة حكم استمرت لما يقرب من ربع قرن، وأن نظامه القوي ربما لا يصمد أمام طوفان الغضب الذي فجّره اعتقال رئيس بلدية إسطنبول، وأنه ربما يكون «دبّر انقلاباً ضد نفسه»، فيما يرى آخرون، أن إردوغان ربما يفتح طريق إمام أوغلو لرئاسة البلاد، عبر تكرار نموذج «المظلومية» الذي صعد به هو نفسه إلى الحكم بعد اعتقاله أثناء رئاسته بلدية إسطنبول في تسعينات القرن الماضي، بسبب بعض أبيات شعر اعتُبرت مناهضة لمبادئ الجمهورية العلمانية، حسب صحيفة الشرق الأوسط.
من جهة أخرى يرى الصحفي التركي كمال كان، إن “الحكومة تحاول منذ سنوات تقسيم المعارضة التي أصبحت الآن الغالبية، أو إبقائها منشغلة بمشكلاتها الداخلية. وقد نجحت في ذلك مرات عدة. لكن هذه المرة، أحبطت المعارضة هذه الاستراتيجية”.
وتابع في تصريح: “يبدو أن الحكومة تختبر الآن قدرة الاحتجاجات على الاستمرار. وتأمل في إضعافها من خلال الضغط وحظر التظاهر والاعتقالات. ولكن إذا استمرت هذه الموجة، فيمكننا حينها التحدث عن زخم اجتماعي وسياسي جديد”، مشيرا إلى أنه ” “إذا خشيت المعارضة من تهديدات السلطات التي تتهمها باستفزاز الشارع وتُلمّح إلى ضعف عزيمتها، فستزيد الحكومة من الضغط؛ الأيام المقبلة حاسمة”.
بدوره قال الصحفي التركي جان دوندار: ” الأخطر من ذلك، أن سياسة “فرق تسد” التي اعتمدتها الحكومة لضرب صفوف المعارضة تلقت ضربة قاسية: فحزب الديمقراطية والمساواة للشعوب، الذي سعى النظام إلى عزله، وجد نفسه مضطرا إلى التفاعل مع المشهد الجديد ودعم إمام أوغلو في مواجهة “الظلم السياسي” الذي يتعرض له، ونتيجة لذلك، بدأت تتشكل جبهة موحدة أضعفت قدرة السلطة على المناورة، وأثارت مخاوف داخل أروقة حزب العدالة والتنمية، حيث باتت أصوات – وإن لم تكن معلنة – تتساءل: “هل أخطأنا؟ هل نحن نسير نحو الهاوية؟”.
وأضاف أن “القرار أدى أيضا إلى تشكيل ما يمكن وصفه بـ”تحالف إمام أوغلو”، حيث لم تقتصر موجة التضامن على أحزاب المعارضة التقليدية ومنظمات المجتمع المدني، بل شملت حتى التيارات المعارضة داخل حزب الشعب الجمهوري نفسه، التي وجدت في إمام أوغلو شخصية جامعة. حتى منصور ياواش، الذي كان يُنظر إليه كمرشح رئاسي محتمل، تراجع عن طموحاته لصالح هذا التحالف الناشئ.”
وقال الكاتب مراد يتكين إنه ينبغي قراءة الاعتقال الجماعي لإمام أوغلو وزملائه في عملية 19 مارس (آذار) على أنه ليس استعراضاً سياسياً فحسب، بل هو استعراض قانوني للقوة. «فعندما يتعلق الأمر بسياسة القوة، يدخل قانون الأقوياء إلى حيز التنفيذ، ويريد الأقوياء إظهار قوة قانونهم الخاص».
وتحدث عن التناقض بين تجاهل الادعاء العام النظر في 100 شكوى فساد تقدم بها رئيس بلدية أنقرة منصور ياواش، ضد سلفه مليح جوكتشيك (من حزب العدالة والتنمية)، من جهة، وملاحقة إمام أوغلو من جهة أخرى، معتبراً ذلك «ضرباً من ضروب قانون الأقوياء».
من جهته قال الرئيس التركي السابق عبد الله غل (رفيق درب الرئيس رجب طيب أردوغان) في تعليقه على توقيف أكرم إمام أوغلو: “دعونا نتذكر، كيف أن الضمير العام لم يقبل يوما الظلم الذي تعرضنا له أنا والسيد رجب طيب أردوغان في وقت سابق.. لا ينبغي تكرار مثل هذه الأخطاء بحق أكرم إمام أوغلو الذي انتخب رئيسا للبلدية بإرادة الشعب.”
وتابع في تصريحات:”لقد تابعت بقلق العملية التي بدأت باعتقال رئيس بلدية إسطنبول والعديد من الآخرين في الأيام الأخيرة.. من المحزن حقا أن نصل إلى هذه العملية التي حظيت بتغطية واسعة في الصحافة الأجنبية داخل تركيا وخارجها”، مضيفا بنه “ليس لدينا ترف العودة بالزمن إلى الوراء، والتعرض لمشاكل مماثلة مرة أخرى.. ولم تكن هناك حاجة إلى مبادرات تمهد الطريق لذلك”. (وكالات)