
زيارة إلى قلعة حلب: بين عظمة التاريخ وندوب الحاضر
الشعب نيوز:-
بقلم: عبدالكريم عبدالعليم النعيمات
في قلب مدينة حلب، وعلى تلةٍ تشرف على المدينة من كل الجهات، تقف قلعة حلب شامخة رغم كل ما أصابها. زيارتي لهذه القلعة الأثرية لم تكن مجرد جولة سياحية، بل كانت رحلة إلى عمق التاريخ، ووقوفًا صامتًا أمام آثار الدمار الذي خلفه الصراع.
حين دخلت من بوابة القلعة، شعرت أنني أخطو إلى حقبة أخرى. فكل حجر فيها يحكي قصة، وكل جدار يحمل بصمة حضارة مرّت من هنا. القلعة، التي تُعد من أقدم وأهم القلاع في العالم، تزخر بمعالم تاريخية شاهدة على عظمة الحضارة الإسلامية والمملوكية، بدءًا من “العرش” الذي كان مقر الحكم، مرورًا بالأبراج الدفاعية، ووصولًا إلى “حبس الدم”، ذلك المكان الذي كان يُستخدم في العصور القديمة لتعذيب السجناء، والذي يحمل اليوم رائحة المعاناة الإنسانية العالقة في جدرانه.
لكن ما أحزنني بشدة، هو مشهد الدمار الذي طال أجزاء واسعة من القلعة. مشاهد الانهيار والحرق والخراب لم تكن نتيجة الزمن، بل كانت نتيجة مباشرة للقصف والتدمير الذي ارتكبه نظام الأسد في السنوات الأخيرة. كصحفي، وثّقت هذه اللحظات بعدستي، لكن كإنسان، كان الألم أكبر من أن توثقه صورة.
القلعة، رغم كل ما أصابها، لا تزال تقاوم. لا تزال شامخة، وكأنها تقول لنا: “مرّت علينا قرون من الحروب والغزوات، وها نحن ما زلنا هنا”. إن الحفاظ على هذا الإرث الإنساني مسؤولية جماعية، لأن التاريخ لا يُبنى فقط، بل يجب أن يُصان.
زيارتي لقلعة حلب لم تكن مجرد تقرير إعلامي، بل كانت صرخة وفاء للتاريخ، ودعوة للوعي بما نملك، قبل أن نفقده إلى الأبد.