
مكافحة الفساد الإداري بقلم المحامي هشام حسين الخصاونه
الشعب نيوز:-
يكافح الفساد الإداري على المستوى الوقائي وعلى مستوى الممارسة الإدارية:
1ـ المكافحة على المستوى الوقائي:
ويتجسد ذلك من جهة أولى من خلال الحد من الاحتكار في أي نوع من أنواع الأنشطة الاقتصادية، إذ تشير الدراسات إلى وجود علاقة بارزة بين الفساد وحجم الأنشطة الاقتصادية التي يمارسها القطاع العام، بحيث كلما اتسع حجم القطاع العام المحتكر للخدمات والسلع والمنتجات ازداد حجم الفساد.
كما تتجلى مكافحة الفساد على المستوى الوقائي من جهة ثانية في إطار توضيح وتبسيط الإجراءات والقوانين الإدارية، وزيادة درجة شفافيتها والتشدد في تطبيقها ومراقبتها من الأجهزة المعنية والمنظمة لعمل المؤسسات، إذ تعد الشفافية الإدارية من أهم الإجراءات الوقائية على الإطلاق في نطاق مكافحة الفساد، وتعني الشفافية الإدارية أن تكون المرافق والمؤسسات التي تدير الشأن العام واضحة تعكس ما يدور ويجري بداخلها. وعليه فإن الحق في الشفافية الإدارية والمالية يشمل مجموعة من الإجراءات الهادفة إلى تطوير وتحسين العلاقات بين الإدارة والأفراد، وخاصة الإجراءات المتعلقة برفع السرية الإدارية، والإجراءات التي تفرض على الإدارة التزاماً بالإبلاغ عن نشاطها عن طريق النشر، وعن طريق ما تقدمه للمواطنين من معلومات حيوية بما يسمح بمشاركتهم النشاط الإداري.
ومن جهة ثالثة تتجلى مكافحة الفساد وقائياً على مستوى تبسيط الإجراءات الإدارية، الذي له آثار لا تخفى في محاربة الفساد، فكلما اختصرت الإجراءات الإدارية اللازمة لإنجاز تصرف قانوني معين، تضاءل حجم الدورة الإدارية البيروقراطية، التي يمر بها هذا التصرف، وهو ما يؤدي إلى تقليص فرص استغلال المعنيين بهذا التصرف، وفي الواقع إن تضييق الإجراءات الإدارية اللازمة لإنجاز تصرف إداري معين إنما هو رهين بدرجة أساسية بالنص القانوني ذاته، وهو ما يفرض التزاماً على عاتق المشرع بأن يكون حذراً عند وضع إجراء ما لإنجاز تصرف إداري محدد، إذ لا بد أن يكون هناك دور وظيفي يهدف الإجراء إلى تحقيقه، أما إذا لم يكن هناك مثل هذا الدور الوظيفي فإنه يغدو تزيداً إدارياً لا طائل من ورائه، ويكون إحدى الظواهر التي تجر إلى الفساد.
ومن جهة رابعة تكتمل أركان السياسة الوقائية في مكافحة الفساد برفع كفاءة الأجهزة الرقابية، وتأكيد أن كفاءة الأجهزة الرقابية لا تأتي من خلال قتل السلطة التقديرية التي يعطيها المشرع لرجال الإدارة عند قيامهم بعملهم، وإلا خلق الجمود ضمن الإدارة الذي يعد رأس الفساد، كما أن رفع كفاءة الأجهزة الإدارية يكون عن طريق الارتقاء بقدرات تشخيص المشكلات الإدارية واقتراح الحلول.
وأخيراً لا بد من تأكيد أن أساس الوقاية من الفساد إنما يتمثل في سيادة القانون، فإن استقرار القواعد القانونية، واحترام تدرج القواعد التشريعية، ووجود قضاء فعال ونزيه ومستقل، وسلطة تشريعية نشطة تصدر قوانين واضحة وحديثة ومتلائمة مع طبيعة العلاقات القانونية، إنما يؤدي في النهاية إلى إيجاد مناخ من الأمن القانوني يعد الدعامة الأولى لمكافحة الفساد.
2ـ مكافحة الفساد في أثناء الممارسة الإدارية: ويتم ذلك باتباع ما يلي:
أ ـ انتهاج اللامركزية في عملية اتخاذ القرارات.
ب ـ منح السلطات الضرورية للأفراد العاملين بما يتناسب مع طبيعة الوظائف المسندة إليهم، وتحديد الحدود الدقيقة بين السلطة التقديرية والسلطة المقيدة عند ممارسة التصرفات الإدارية، وعدم إعطاء سلطات تزيد على حاجة الاختصاص موضوع الوظيفة، والمحاسبة الفعالة عندما يساء استخدام هذه السلطات، أو عند الامتناع عن ممارستها، لأن ذلك يعني التقاعس عن ممارسة الاختصاص.
ت ـ إشاعة روح العدالة بين الموظفين، وعدم توزيع الامتيازات على نحو عشوائي وشخصي.
ث ـ اعتماد سياسة التدوير الوظيفي كلما كان ذلك ممكناً، ولاسيما في الجهات التي تعاني ارتفاعَ معدلات الفساد.
ج ـ تقوية أخلاقيات الوظيفة العامة القائمة على الأمانة والنزاهة، واستعمال مبدأ الثواب والعقاب في سبيل توطيد ذلك، مع عدم إغفال المسألة المتعلقة برفع الرواتب والأجور.
ح ـ اعتماد سياسة وظيفية راقية تقوم على أساس مبادئ الكفاية والشفافية في تعيين الموظفين وترقيتهم.
ومن الجدير ذكره أن هناك جهوداً دولية متزايدة في مكافحة الفساد، وقد بذلت عدد من المنظمات والهيئات والمؤسسات الدولية جهوداً كبيرة خلال السنوات العشر الماضية في محاربة هذه الظاهرة، فقد وضع البنك الدولي عدداً من الإستراتيجيات في إطار مكافحة الفساد، وكان الهدف من هذه الإستراتيجيات ليس القضاء على الفساد نهائياً، إنما رفع مستوى الأداء لدى الإدارة العامة في الدول التي تعاني استشراءَ الفساد كما أعلن صندوق النقد الدولي عن منع مساعداته المالية للدول التي تعاني الفساد ما يؤدي إلى إعاقة الجهود الخاصة بتجاوز مشاكلها الاقتصادية، كما أقرت منظمة التجارة العالمية إنشاء وحدة عمل خاصة لمراقبة الشفافية في التبادلات الحكومية في الدول الأعضاء، وكان أن تكللت هذه الجهود جميعها بإعداد الأمم المتحدة أول اتفاقية لمكافحة الفساد على المستوى الدولي، وذلك بتاريخ 31/10/2003. وعيّنت الجمعية العامة أيضاً يوم 9 كانون الأول/ديسمبر يوماً دولياً لمكافحة الفساد، من أجل إذكاء الوعي بمشكلة الفساد وبدور الاتفاقية في مكافحته ومنعه. ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ في كانون الأول/ديسمبر 2005.