ما قالت الريح لليّل ٠٠ للشاعرة لهيب عبد الخالق٠

الشعب نيوز:-

( الشعر طقوس للممارسة الحياتية اليومية)٠
سليم النجار٠٠
لنفترض انك مضيت متنزهًا في غابة٠ وتهت فيها بعد أن ضللت الطريق، فسلكت دربًا أفضى بك إلى مستنقعات موبوءة بالذباب والبعوض والأفاعي، وأصبحت مهددًا ومحاصرًا ٠٠٠ فما الذي يمكنك أن تفعله؟!
الحل المعقول الذي أمامك قراءة ” ما قالت الريح لليّل” للشاعرة لهيب عبد الخالق، ديوان شعر جديد للشاعرة عبد الخالق الصادر عن دار الأهلية للنشر والتوزيع عمّان ٠


وبما أن الأنسان عاقل ٠٠٠بوصلته عقله وزاده الخيال ٠٠٠ فالخيال هو الذي يميز الإنسان عن سائر الكائنات، والخيال هو زاد ومدد العقل الذي يخلق به الإنسان في المكان والزمان٠٠٠ ينقله في المكان بغير سفر ويستحضر به أزمة مرت، ويتصور به الغيب ويستشرف من خلاله المستقبل، دون أن يفارق اللحظة التي يعيشها٠ فالخيال، هو قطعة من وعي الإنسان ودوره الأساسي في حياة كل منا٠ ولهيب عبد الخالق الشاعرة سردت” ما قالت الريح لليّل” على أمل معرفة حياتنا اليومية بشكل أكثر وعيًا ليعيشها بسعادة أكثر٠ فكان خطابها الشعري دعوة للخروج عن المألوف، عبر تحسين قيمة إيجابية هي قيمة الذاكرة، وتقبيح قيمة سلبية هي الطين، ولقبول هذه المفارقة والخروج عن المعتاد للقول، لجأت إلى استدراج المتلقي عبد الألفاظ وبنائها في تراكيب النص، كما تمكنت في قصيدتها ” لحظةٌ غائمةَ” ، ومن ذلك قول الشاعرة:
تحملُ ذاكرةظمأى، وملاحَ شطتْ من طينٍ غابر٠
كلماتُ وداع باردةٍ وحكايات تتلاشى في غربتنا الأخرى ٠٠٠٠ ص١٥ ٠
وتتجلى قيمة الرحيل في خطابها الشعري بقيمة سلبية عبر حجة واقعة قائمة على سبب ونتيجة، وهذه الحجة المبنية على سبب ونتيجة انتجت معنيين: معنى ظاهرًا يدل على تقبيح الرحيل، ومعنى خفيٌَا يدل على تحسين المقابل للوطن الذي يسبب ببقاء كرامة الإنسان وحفظها من الضياع، وبالتالي تحوَّلت قيمة الرحيل السلبية في هذا الخطاب من قيمة سلبية إلى قيمة إيجابية، وهي حجة صغرى ، تقابلها حجة كبرى صرحت بها الشاعرة، وهذا قولها في قصيدتها ” ما قالت الريح لليّل ” ميلودراما”:
أنْ نمَتَطي سَرجَ الرحيل
مُدَفّعِينَ بحُزننا وشَتَائناِ
وبلا سماءِأوَ وطنْ
ص٢٢ ٠
استطاعت الشاعرة أن تحشد أكثر من تقنية حجاجية، حيث بدأت استخدام اسلوب الأستراجاع ” سفينة غرقى” وأعقبتها بالاسترجاع ” ونأي في الترحالِ صوته ٠٠٠ ” ص٣٦، ثم كررت الاسترجاع المتضمنة صورة بلاغية بعنوان قصيدتها( مطرٌ ٠٠ وسنابكُ قهوةٍ) ، وهي صورة استعاربة حيت استعارت صفة المطر وهي صفة للشيء المحسوس، وهي صورة تتجلى عبرها تجسم مدى الأثر والمعاناة التي عاينتها من يكتم الأسرار، وهذا تحسين قيمة القبيح “وسنابك قهوة”٠
مهدت الشاعرة عبر إثارة هوى الآخر، وهوى كره التعبير للوجع لأن في ذلك تحولاً عن القيم الأخلاقية المتعارف إلى صورة درامية تتجلى بصورة فاجعة، وكأنها تُحاكي حاضرنا وما آلت له أخلاقنا اليوم، كما أن في هذا استرجت المتلقي لتقبُّل الخطاب الشعري للهيب بصورة درامية قاتلة، والذي يروم إلى تحسين صورة الغياب، وقد لجأت في بناء ذلك إلى إكمال عملية تقنية رسم صورة الخيال، ومن قول ذلك في قصيدتها” ترتيلة الغياب” :
أشلاءَ أخلية
تناهت
في ترانيم الغياب ٠٠ ص ٧٤ ٠
وبهذا يتبين للشاعرة قد لجأت إلى إكساب خطابها الشعري لإزداوجية تحسين صورة نصها الشعري، وكأنه يعيش معها في الفيافي والقفار ، فأننج هذا الرحيل فاعلية تأثيرية نابعة من فنية الإمتاع التي تضمنت نقل معاناة الذات إلى الآخر المتلقي بكل تفاصيله، من قول الشاعرة في قصيدتها ” انتَظار”٠٠
على حُرف بَنوءُ
بما عليه
أراوغُ الأحلامَ
لاشيءٌ سوى
بَغضِ الجرَيد ص٩٠ ٠
تضمت قصيدتها ” همس النخيل” السواد للألفاظ المنطوقة لنص القصيدة متضادة( البياض/ السواد) ، وهذا التقابل العام، وهو تقابل قد تجاوز صورة الألم إلى تحول هذه الصورة إلى أكثر قتامة وبذلك تندرج هذه الصورة في مخلية الشاعرة التي انطقت هذا الخيال لصراع بين الألم والسواد لقيمة قد تبدو قيمة أيجابية للمتلقي، ومن ذلك قول الشاعرة في قصيدتها” همس النخيل” :
أوجاعنَا
وطفولتَنا،
وصياحُ النوارسِ،
وأغنيةُ العائدينَ
من الحقلِ. ص١٠٢ ٠
أكملت الشاعرة ذاتها من خلال قصيدتها” شظا يا وتَر” عبر صورة وأساليب الأشتياق التي تتضمن قيم الحياء والترفع عن اللوم، الذي وصفته الشاعرة بالشيء الأيجابي الذي بحمل في طياته بين الأمتاع والإقناع، وعن ذلك قول الشاعرة: كي أفيءَ
وأغفو،
لتلك الحكايات ص ١١٣ ٠
وإستنادًا إلى هذه الفجيعة التي صورتها الشاعرة لهيب عبد الخالق في صورة متناقضة ومتقاربة في ذات الوقت، الأمر الذي جعل من نصوصها الشعرية جدلية متحاورة بين الواقع والخيال، وهذا لخصته في قصيدتها” قارعة اليوم السابع”، فكأن في فاعليتها الجدلية صوّرت الحالة الإنسانية كلوحة موجعة تجمع بين الألم والنسيان ، في اختصارها، عن ذلك قول الشاعرة:
في حُضنِ قتيلٍ
ماذا أبقيت سِوانا ص١٢٣ ٠

استطاعت الشاعرة لهيب عبد الخالق في ديوانها” ما قالت الريح لليّل ” إيصال فكرتها للمتلقي وإقناعه بها، ما بين سرد حكائي ووصف وتمثيل، شكّل فاعلية في التاثير للمتلقي، الذي يبحث عن الصور الشعرية المخفية بين ثنايا اللغة، والسؤال هل نجحت الشاعرة لهيب تضمين غربتها شعرًا ؟

قد يعجبك ايضا