سقوط الانظمة وواقع الاقتتال الطائفي في الشرق العربي إلى أين ؟ كريستين حنا نصر

الشعب نيوز:-

من مخلفات الربيع العربي تداعياته خاصة على الانظمة التي سقطت، وبشكل أخص في العراق، وكذلك في سوريا وتحديداً بعد سقوط نظام البعث الحاكم فيها، حيث كان هذا النظام يتمثل بحكم البعث والحزب الواحد ، وبعد سقوط نظام الاسد البائد وتولي الحكم للمرحلة الانتقالية من قبل الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، نلاحظ تزايد في المشاكل المتراكمة على اثر حكم ال الاسد، والذي استمر لاكثر من 55 سنة، وهنا نلاحظ أنه نظام ترك إرثاً من الخراب في المجتمع السوري، تمثل في التقسيم العرقي والطائفي، خاصة عندما انقسم المجتمع السوري الى العديد من الاقسام، منها قسم مدعوم من ايران وحزب الله، يدعم الاقلية الحاكمة ذات المكون العلوي، والقسم الآخر للمكون السوري السُني الذي دعمته تركيا والمتمثل بالمعارضة السورية، حيث كان دعم وتسليح الجيش السوري الوطني، وللاسف هذا الامر خلق شرخ كبير بين المكونين في الوطن الواحد، خاصة في ظل اقصاء للمكونات الاخرى من قبل المكون الحاكم، والذي استفرد بالسلطة وسيطر على مقدرات البلد على حساب تهميش المكون الآخر.
وللاسف بعد سقوط نظام بشار الأسد والى الآن، فإن الجميع كان يتوقع أن تدخل سوريا مرحلة جديدة من بناء الدولة ، أي سوريا الجديدة، وما يمكن أن أطلق عليها المرحلة الأفضل للملمة الجراح القديمة بعد سنوات من الثورة، وذلك بهدف الوصول الى مرحلة جديدة من بناء دولة تعددية وديمقراطية آمنة ومستقرة، وللأسف فإن البديل خاصة في هذه المرحلة الانتقالية للحكم، كان الدخول في مشهد الدولة السورية والذي يمكن وصفه بالعصيب والمتأزم، أي مرحلة الانقسام والاقتتال الطائفي، والتي تزايدت وتيرتها يوماً بعد يوم، حتى أصبحنا نرى مشاهد اقتتال طائفي من شأنها تفجير وتدمير في نسيج المجتمع السوري، وتفكيك الوحدة الوطنية بين مكونات الدولة الواحدة، فعلى سبيل المثال ما جرى من الاقتتال الطائفي في مناطق الساحل السوري ذات الاغلبية العلوية، والتي حكمت سوريا الأسد، كذلك المجازر الطائفية في طرطوس واللاذقية ، حيث شاهدنا حالة الشرخ الواضح والتدمير النفسي والسياسي والاجتماعي وازدياد في الاقتتال الطائفي وانتشار مظاهر الطائفية في الدولة، وللأسف هي بلاشك من مخلفات الحكم البائد، اذ تدخل سوريا الآن مرحلة الاقتتال الطائفي الانساني بما فيه واقع دموي بين مكونات الوطن الواحد، على أساس الاختلاف في الدين والعقيدة والثارات القديمة الموروثة، وهذه المجازر التي ارتكبت بحق المكون العلوي في الساحل السوري، اتضح أن سمتها هي الانتقام الجماعي من المكون العلوي المرتبط بنظام الاسد البائد.
وأيضاً شهدت الشام وضواحيها حالة اندلاع للمواجهات الدامية، وتحديداً في ضاحية جرمانا ذات الأغلبية الدرزية، وبلدة اشرفية صحنايا التابعة ادارياً لريف دمشق، حيث تزايد في هذه المناطق عدد الضحايا جراء مظاهر الاقتتال والاشتباكات الطائفية ، وللأسف فان الصراع الآن في سوريا ليس صراعاً عسكرياً أو سياسياً، بل هو صراع طائفي وجودي، سمته الغالبة هي تخوين الآخر المختلف، وتزايد في نفسية ودوافع الانتقام والقتل بين المكونات المختلفة في الوطن الواحد، وهنا نجد أن المجتمع بدلاً من أن يكون متماسك، فإنه يفقد تماسكه وتتلاشى فيه حالة احترام التعددية في البلد الواحد، وينعدم فيه أيضاً السلام والعيش المشترك، وتستخدم فيه ذرائع واهية فارغة للأقتتال الطائفي، وللأسف فإن كل هذا هو من مخلفات حكم الاسد البائد، والذي كان له دور في تعميق مبدأ الاقصاء والتمييز بين المكونات المختلفة للمجتمع، والاستفراد من قبل النظام بحكم اقصائي يبطش بالاخرين.
وهنا نجد أن سوريا الآن تدخل في صراع تعمقت معه الطائفية المقيتة المتزايدة، بدلاً من تهدئة الوضع لهذا المجتمع السوري المنهك أساساً من الحرب، والتي دامت لأكثر من 14 سنة، وأصبح بسببها الشعب منهك مادياً واقتصادياً واجتماعياً وأمنياً وسياسياً.
وللاسف فإن من عوامل تعميق الاقتتال الطائفي هو وجود الميليشيات الأجنبية المسلحة القادمة من دول الجوار، وعلى ما يبدو فإن هدفها هو عدم نجاح الحكومة الانتقالية الجديدة في ارساء حالة الأمن ، بل العمل على اشغالها في بسط الأمن ووقف الاقتتال الداخلي ، بدلاً من التفرغ لبناء الدولة السورية الجديدة، لذلك يجب ابعاد الفصائل والمقاتلين الاجانب من الأراضي السورية ، والآن في سوريا من الواضح أنه لا يوجد مصالحة وطنية بين مكونات الوطن الواحد، حيث أصبحنا نشهد مفهوم الدولة الضيقة ، بمعنى فقدان الشعور بمبدأ حالة التسامح بين مكوناتها العرقية المختلفة، ويجب على الدولة أن تكون دولة قوية وذلك بمكوناتها المختلفة المتماسكة ، والتي يغلب عليها طابع الوحدة الوطنية القوية.
والسؤال هنا، متى ستُبنى الأوطان في بلدان الشرق العربي، والتي تشهد الحروب؟ ومتى ستتفكك البُنية الطائفية لهذه الدول والمجتمعات؟، ومتى سيترسخ مكانها بنية وطنية قوية وسيفرض حكم مدني عادل لكامل مكونات الدولة المختلفة؟، أي متى سنكون أمام نموذج دولة قوية آمنة متعددة لا تقوم على الطائفية ومبدأ الانتقام والاقتتال بين مكونات الشعب المختلفة، ومتى سوف ينبني عقد اجتماعي هدفه المواطنة، وليس الاقتتال الطائفي ، ولا الأفكار الفوقية الضيقة، ومتى سينجح المجتمع في انشاء حوارات وطنية شاملة ، لتوحيدهم وتحقيق مطالبهم الموحدة أيضاً، الى جانب النجاح في تحصين المجتمع من عوامل الانهيار، الى جانب الوصول الى النجاح في بسط السلم الاهلي ومنع الانهيار الداخلي.
الجواب، هو عدم وجود الاستغلال من قبل أي دولة ذات نفوذ خارجي ومن خلال جيش موالي مرتبط بها ، تستغله للأسف في تأجيج الوضع الداخلي واحداث حالة اقتتال طائفي، وذلك لتحقيق اهدافها الخارجية التي ستحققها من خلال إحداثها حالة الفوضى الداخلية في الدول، من أجل تحقيق مكاسب لقوى خارجية لا يهمها المواطن والوطن بل هدفها الاساسي هو اضعاف الدول والمجتمعات للهيمنة عليها، واحتلالها، والسيطرة على مقدرات الوطن وتقسيمه اجتماعياً وجغرافياً.

قد يعجبك ايضا