إسرائيل الأداة التي تحرق يد صاحبها المحامية هبة أبو وردة

الشعب نيوز:-

المصالح الدولية، دائما ما تبنى بتوظيف أدوات تصاغ وفقا لموازين المرحلة، إلا أن إسرائيل هي أغرب ما ابتكرته القوى العظمى من أدوات؛ كيانا كاملا بإسم دولة شرعية، لكنه لم تكن يوما إلا “أداة استراتيجية”، زرعت في قلب الشرق الأوسط، لتحقيق التفوق الغربي فيه، وضمان تفكيك أي مشروع إقليمي مستقل.
وعلى الرغم من ذلك، إلا إنه كان الأداة المدللة لدى الولايات المتحدة الأمريكية؛ لما اختصرته من مشروع كامل للهيمنة على المنطقة، ومن هذا المنطلق ألبسته ثوب “الحليف الصديق التاريخي”، كما أن بعض الرؤساء السابقين، يتعاملون مع إسرائيل على أنها “امتداد طبيعي للمصالح الأمريكية” في الشرق الأوسط، وبين التماهي السياسي والتنسيق الإستراتيجي الكامل، تشكل في المشهد السياسي الكبير أن هذا التحالف عهد أخلاقي تاريخي، يجمعه مصير مشترك.
بعد عقود من هذا التحالف الأعمي، وضع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو واشنطن أمام مفترق طرق؛ بين المشروع التي تعول عليه لإبقاء النظام الأمريكي العالمي على قيد الحياة، وبين الحليف الذي أصبح عبء استراتيجي وأخلاقي؛ يهدد صورة أمريكا بالكامل، في الداخل والخارج.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بدهائه الغريزي، قرأ المشهد سريعا، مما جعله يبدأ بسياسة الإشارات رمزية تدريجية، خلال اللقاء الثاني الذي جمعه بنتنياهو في دورته الحالي؛ فمن لون ربطة عنقه، إلى اللقاء المغلق، وصولا لإلغاء المؤتمر الصحفي، جميعها كانت تحمل رسائل واضحة، عكست للمجتمع الدولي أن نتنياهو بات عبء بصورة حليف.
إستمرار نتنياهو بالتصعيد، بعد هذا اللقاء، دفع ترامي للجوء إلى أساليب تحذيرية أكثر وضوحا، عبر التصريح عن رغبته في إنهاء الحرب على القطاع تمهيدا لوقف إطلاق النار ثم الحل السياسي، مقيدا نتنياهو بمهلة زمنية محددة، تخللها إحاطة الإعلام الأمريكي برواية جديدة تقول إن نتنياهو لم يعد حليفا، وبات ورقة انتهت صلاحيتها، لكن نتنياهو لم يلتقط الرسائل، أو ربما التقطها، لكنه تجاهلها تحت ضغط الخوف من المصير الفردي.
حيث بات واضحا للعين السياسية، أن نتنياهو يخض حربا ضد الزمن، ضد المحاكمة وضد السقوط، وكل جولة تصعيد يشعلها، متزامنة مع مواعيد مفصلية في محاكمته، ما هي إلا محاولة لتأجيل الحساب، بالتالي وقف الحرب يعني عودة الملفات الثلاثة إلى طاولة المحاكمة، استئناف مثوله أمام القضاء.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يواجه ثلاث لوائح إتهام رسمية، صادرة عن المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية، الملف 1000 لما تلقي هدايا فاخرة من رجال أعمال، والملف 2000 بشأن التفاوض لتحسين تغطية إعلامية من صحيفة “يديعوت أحرونوت”، والملف 4000 المتعلق بتقديم امتيازات ضخمة لشركة “بيزك” مقابل تغطية إعلامية إيجابية، غير أن جميع هذه المحاكمات معلقة لحين وقف الحرب، لأسباب أمنية أو سياسية.
وعلى هامش الملفات التي تنتظر على طاولة المحكمة، تقف ملفات أخرى في طابور التحقيق، تشمل شبهات بإساءة إستخدام المنصب، وتجاوزات مالية وإدارية، وأخرى تتعلق بطريقة إدارة الحرب والتجاوز الصلاحيات باتخاذ قرارات أمنية دون العودة للجيش أو الكبينت المصغر، جميعها لم تفتح رسميا بعد، لكنها موضوعة بعناية في خانة “الإستدعاء القادم”،
في ظل أن هذه الملفات الجنائية، تهدد نتنياهو بفقدان أهليته السياسية، بموجب قوانين الداخل الإسرائيلية، إلا أنه ما ينتظره دوليا أكثر خطورة وتعقيدا، ولن تسعفه الذرائع التي يسوقها بأن التصعيدات الدموية التي قام بها جاءت ضمن “ضرورات أمنية، تماما كما لم تقنع المؤسسات العسكرية الإسرائيلية.
لكن، حتى وإن تمكن نتنياهو من إثبات الضرورات الأمنية المشروعة، التي دفعته لهذه التصعيدات، القانون الدولي لا يحاسب على الدوافع، إنما على الآثار والوسيلة المستخدمة؛ فالحرب له قواعد نبيلة، لم يعرها أي أهمية، حيث أسقط “مبدأ التمييز الدولي” تماما؛ فجميع مباني القطاع هدف مؤجل، وأذاب الحدود بين المقاتلين والمدنيين؛ فجميع العائلات والأطفال والشيوخ مسقط رأس صاروخ قادم، وأعدم “مبدأ التناسب الدولي” شنقا حتى الموت؛ فالصواريخ بدائية الصنع لا يمكن أن تبرر محو قطاع كامل عن الخارطة، ناهيك عن استهداف الصحفيين والمراكز الإعلامية ومرافق الإغاثة، مما يضعه تحت دائرة “جرائم حرب” و “جرائم ضد الإنسانية”، وفقا لنظام روما الأساسي.

قد يعجبك ايضا