غزة تموت جوعاً.. لم ينجح أحد في اختبار الإنسانية والضمائر الحية

الشعب نيوز:-
د. جمال حرفوش: الإنسانية تُنتهك بغزة حيث يسقط المزيد من الضحايا في جريمة يُستخدم فيها الطعام والدواء كسلاحٍ باردٍ لقتل الأبرياء ببطء

نور عودة: تجويع سياسي لا يواجَه بالبكاء والشجب بل بتحركات مدروسة تجعل استمرار جرائم إسرائيل عبئاً عليها وثمناً باهظاً تدفعه

محمد جودة: “حماس” مطالبة باتخاذ قرار فوري بتعليق المفاوضات حتى تلتزم إسرائيل بإدخال المساعدات وإغاثة السكان كأولوية

د. أمجد بشكار: مشهد التجويع القائم في قطاع غزة يمثل لحظة مفصلية واختباراً مصيرياً لإرادة الأمتين العربية والإسلامية

سامر عنبتاوي: العالمان العربي والإسلامي قادران على تهديد المصالح الاقتصادية لإسرائيل وأمريكا إذا توفرت الإرادة السياسية

عدنان الصباح: الحل الحقيقي هو تحرك شعبي جماعي للمواطنين في قطاع غزة لمواجهة الموت ووضع الجميع أمام مسؤولياته

في الوقت الذي تتصاعد فيه عمليات القتل والإبادة في قطاع غزة قصفاً وقنصاً وتجويعاً، يجد أكثر من مليوني فلسطيني أنفسهم عالقين في حصار خانق يُستخدم فيه الطعام والدواء كسلاح إبادة جماعية بطيئة.

يقول كتاب ومحللون سياسيون ومختصون وأساتذة جامعات، في أحاديث منفصلة مع “ے”، إن المشهد الإنساني في غزة لم يعد مجرد صور لأطفال نحفاء أو مرضى بلا دواء، بل بات عنواناً لجريمة مكتملة الأركان تُرتكب يومياً أمام أعين العالم الذي يكتفي بالصمت أو الإدانات الشكلية، فيما تتحول المساعدات الإنسانية إلى حلم بعيد المنال، وتغلق المعابر أمام شاحنات الإغاثة بينما تتفشى الأمراض وسوء التغذية في الأحياء والمخيمات المحاصرة.

ومع كل ساعة تمر، تتزايد أرقام الضحايا بين أطفال ونساء وشيوخ يواجهون سياسة تجويع متعمدة تهدف إلى كسر إرادة الناس وتفكيك نسيجهم الاجتماعي.

أمام هذا الواقع، يؤكد الكاتب والمحللون والمختصون وأساتذة الجامعات أن المطلوب موقف فلسطيني موحد يكسر الانقسام، وتحمل الأطراف العربية والإسلامية عبء المطالبة بفتح المعابر وإنهاء الحصار فوراً، فيما يبقى المجتمع الدولي مطالباً بخطوات حقيقية تتجاوز التصريحات والبيانات لإنقاذ من تبقى في غزة من موت محتوم لم يعد أمامه الكثير من الوقت، بل ذهب البعض لمطالبة حركة “حماس بالانسحاب من المفاوضات إلى حين إدخال المساعدات وإنهاء معاناة الغزيين.

جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان

ويقول أستاذ مناهج البحث العلمي والدراسات السياسية في جامعة المركز الأكاديمي للأبحاث في البرازيل، د. جمال حرفوش، إن ما يتعرض له أطفال ونساء وشيوخ غزة اليوم لا يمكن وصفه بمجرد أزمة إنسانية عابرة، بل هو جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان، تجري على مرأى ومسمع العالم الذي يواصل صمته المريب.

ويوضح حرفوش أن الحصار غير الإنساني الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي يمنع وصول الغذاء والدواء والمساعدات الإنسانية إلى أكثر من مليوني فلسطيني، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف التي تلزم أطراف النزاع بضمان الاحتياجات الأساسية للمدنيين.

ويعتبر حرفوش أن الوضع المأساوي في غزة اليوم يؤكد أن الإنسانية تُنتهك في كل لحظة، حيث يسقط المزيد من الضحايا بسبب التجويع المتعمد، في جريمة يُستخدم فيها الطعام والدواء كسلاحٍ باردٍ لقتل الأبرياء ببطء.

وفي ظل استمرار هذه الجريمة، يدعو حرفوش إلى تحرك جاد على ثلاث مستويات أساسية: فلسطيني، عربي، ودولي.

فعلى المستوى الفلسطيني، يشدد حرفوش على أن اللحظة تتطلب إنهاء الانقسام الداخلي وتوحيد الصفوف بين جميع الفصائل والقوى الفلسطينية لمواجهة العدو المشترك بصف موحد.

ويؤكد حرفوش أن المناكفات السياسية تُضعف قدرة الشعب الفلسطيني على الصمود والمواجهة، داعياً إلى توجيه الجهود نحو تفعيل المسارات القانونية والسياسية لملاحقة الاحتلال في المحاكم الدولية، بما في ذلك محكمة الجنايات الدولية، وتحميل إسرائيل كامل المسؤولية عن الجرائم المرتكبة بحق المدنيين.

أما عربياً، فيشير حرفوش إلى أن هناك مسؤولية تاريخية تتحملها الدول العربية اليوم لدعم الحقوق الفلسطينية، معتبراً أن البيانات والتصريحات وحدها لم تعد كافية أمام مشهد الموت اليومي في غزة.

ويطالب حرفوش باتخاذ خطوات عملية تبدأ بفتح المعابر الإنسانية ورفع الحصار عن القطاع بشكل عاجل، إضافة إلى توفير دعم لوجستي ومادي مباشر للمؤسسات الإنسانية العاملة في الميدان.

مطلوب موقف عربي موحد يرقى إلى مستوى الكارثة

ويدعو حرفوش إلى تحركات دبلوماسية قوية وسريعة من خلال جامعة الدول العربية لتفعيل موقف عربي موحد يرقى إلى مستوى خطورة الكارثة الإنسانية المستمرة.

وعلى الصعيد الدولي، يوضح حرفوش أن الاحتلال الإسرائيلي يستمر في جرائمه مستنداً إلى دعم غير مشروط من قوى كبرى مثل الولايات المتحدة وأوروبا، التي تغلّب مصالحها السياسية على القيم الإنسانية.

ويشدد حرفوش على ضرورة فرض ضغوط حقيقية على هذه القوى لتغيير سياساتها، داعياً إلى تفعيل العقوبات الدولية على إسرائيل ومحاسبة مسؤوليها أمام القانون الدولي، بدلاً من الاكتفاء بإدانات شكلية لا توقف المجزرة الجارية.

ويؤكد حرفوش أن الوقت لم يعد يحتمل المراوغة أو الانتظار، فالأطفال في غزة يموتون جوعاً ومرضاً كل يوم، والمطلوب اليوم من الجميع أن يدرك أن غزة ليست مجرد قضية فلسطينية بل قضية إنسانية كونية تستدعي تحركاً عاجلاً.

ويشدد حرفوش على أن العمل لا بد أن يكون متكاملاً بين الفلسطينيين والمجتمعين العربي والدولي، لإجبار إسرائيل على رفع الحصار وضمان وصول المساعدات وحماية المدنيين وإنهاء هذه الجريمة المستمرة بحق الإنسانية كلها.

ليست مجاعة بل تجويع ممنهج بقرار سياسي

من جانبها، تقول الكاتبة والمحللة السياسية المتخصصة في الشؤون الدبلوماسية والعلاقات الدولية نور عودة إن ما يتعرض له الشعب الفلسطيني اليوم من حرمان من الغذاء والدواء ليس مجاعة طبيعية، بل سياسة تجويع ممنهجة بقرار سياسي، محذرة من التعامل مع الأمر وكأنه مجرد أزمة إنسانية عابرة يمكن حلها ببعض الطعام أو إدخال بعض المساعدات.

وتشدد عودة على أن إسرائيل تمارس هذه السياسة بوحشية منفلتة، وأن المطلوب اليوم ليس فقط إدخال الطعام والدواء والوقود وهي أمور بديهية وحقوق أساسية، بل اتخاذ خطوات سياسية واقتصادية عملية تجعل من هذه الجرائم مكلفة على دولة الاحتلال.

وتوضح عودة أن هذا التجويع سياسي لا يمكن مواجهته بالبكاء أو الشجب، بل بتحركات مدروسة تجعل استمرار هذه الجرائم عبئاً وثمناً باهظاً تدفعه إسرائيل أمام المجتمع الدولي.

وتدعو عودة إلى مراجعة السؤال الجوهري “كيف وصلنا إلى هنا؟”، في إشارة إلى موجة التجويع الجديدة التي تضرب أكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة في وقت تبدو فيه الحياة وكأن شيئاً لم يحدث في بقية أنحاء فلسطين.

وتشير عودة إلى أن انشغال الناس بصغائر الأمور بينما يضطر أبناؤهم في غزة لأكل أوراق الشجر، يعكس حالة بائسة سيسجلها التاريخ كسطر أسود في حق الجميع.

وتوضح عودة أن المطلوب، إلى جانب التعبير عن القهر والغضب، مكاشفة حقيقية ومحاسبة وطنية بعد انتهاء هذه المقتلة، ولو كانت محاسبة أدبية على الأقل تحفظ في كتب التاريخ كيف فشل الجميع سياسياً وأخلاقياً.

ضرورة مقاطعة إسرائيل باعتبارها “دولة مارقة”

وتحث عودة على تحركات دولية وعربية فاعلة تبدأ من مقاطعة إسرائيل باعتبارها “دولة مارقة” وفرض عقوبات اقتصادية وعسكرية عليها، ووقف التغطية على جرائمها وعدم التعامل معها ككيان طبيعي أو مقبول في المجتمع الدولي حتى تلتزم بالقانون ويحاكم قياداتها على الجرائم والفظائع غير المسبوقة في التاريخ المعاصر.

وتشير عودة إلى أن هناك خطوات عملية كثيرة يمكن أن تتخذها الدول لإيلام إسرائيل، مثل القرارات التي تبناها اجتماع بوغوتا في كولومبيا حيث أظهرت بعض الدول أنها قادرة على الفعل الحقيقي وفرض عقوبات وقطع التعاون العسكري ومنع بضائع المستوطنات ومنع تحليق طائرات إسرائيلية فوق أجوائها التزاماً بمذكرات الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنياهو وغالانت.

وتؤكد عودة على أهمية أن تبدأ الموانئ العربية برفض مرور السفن التي تحمل أسلحة إسرائيلية أو تزويدها بالوقود، واصفة ذلك بأنه “أضعف الإيمان” في مواجهة هذه الجرائم.

وتشدد عودة على أن قوة أي حراك دولي تجاه إسرائيل ترتكز بشكل أساسي على قوة الموقف الفلسطيني نفسه وقدرته على تحريك الأمور بالاتجاه الصحيح.

وتضيف: ” فلسطينياً، لا بد له من تجاوز حالة الانفصام والهذيان السياسي لصناعة موقف وطني موحد قادر على التأثير على الموقف الدولي.

سياسة مقصودة تهدف إلى إخضاع السكان

بدوره، يؤكد الكاتب والمحلل السياسي محمد جودة أن مأساة الجوع في قطاع غزة لا يمكن اختصارها في صور أطفال هزالَى أو بطون خاوية فحسب، بل هي جزء من منظومة متكاملة تستخدم الجوع كأداة مركزية ضمن استراتيجية مركبة تجمع بين القوة العسكرية وأدوات السيطرة الاقتصادية والسياسية.

ويوضح جودة أن ما يحدث في غزة ليس أثراً جانبياً لحرب أو حصار عابر، بل سياسة مقصودة تهدف إلى إخضاع السكان عبر تدمير البنية التحتية الصحية والاقتصادية وفرض قيود مشددة تجعل استمرار الحياة شبه مستحيل.

ويشير جودة إلى أن أدوات هذه المنظومة تتنوع بين الحصار الخانق، وإغلاق المعابر، والقيود البنكية التي تخنق حركة الأموال، مما يشل قدرة الناس على تأمين أبسط مقومات حياتهم اليومية.

وبحسب جودة، فإن الجوع في غزة تحوّل إلى سلاح سياسي بامتياز، مدعوم بترسانة من الإجراءات الاقتصادية التي تفكك النسيج الاجتماعي وتجعل الحياة اليومية معركة مفتوحة ضد البقاء.

ويؤكد جودة أن الشهادات اليومية من أطباء ومراسلين ميدانيين تكشف عمق الكارثة، حيث ينهار النظام الصحي بشكل غير مسبوق وسط شح حاد في الغذاء والماء النظيف والأدوية، ما يؤدي إلى تفشي الأمراض وسوء التغذية بنسب صادمة.

ويشدد جودة على أن هذه المأساة تحوّل الحرمان من الطعام إلى “دواء قاتل” يستخدم بدم بارد كسلاح لإضعاف قدرة المجتمع على الصمود.

الموقف الدولي عاجز ويقتصر على الإدانات الشكلية

ورغم وضوح هذه السياسة على مرأى ومسمع المجتمع الدولي، يرى جودة أن الرد الرسمي العالمي بقي عاجزاً ومشلولاً، لا يتعدى حدود الإدانات الشكلية التي لا توقف آلة التجويع والإبادة.

ويلفت جودة إلى أن محطات الإغاثة التي يُفترض أن تكون ملاذاً آمناً للمدنيين تحولت إلى مناطق خطرة، حيث يتعرض الفلسطينيون للخطر عند محاولتهم الوصول إليها للحصول على فتات المساعدات.

ويوضح جودة أن إسرائيل لم تكتفِ بالحصار العسكري بل تغلغلت في عمق المجتمع من خلال تحفيز “تجار الحروب” ووكلاء محليين مرتبطين بها على سرقة المعونات وإعادة بيعها بأسعار باهظة، مما يعمق الانقسامات الداخلية ويفاقم الأزمة الإنسانية بشكل متعمد.

ويؤكد جودة أن قطاع غزة لم يعد مجرد ساحة حرب عادية، بل تحول إلى مختبر سياسي واجتماعي لاختبار حدود الصبر الإنساني، حيث يوظَّف الجوع كوسيلة لإرغام الناس على الاستسلام إما بالموت جوعاً أو بالقتل أو بالرحيل القسري.

ويعتقد جودة أن كل الأطراف اليوم تتحمل جزءاً من هذه الجريمة، موضحاً أن إسرائيل تمضي قدماً في سياساتها بدعم واضح من الولايات المتحدة التي تمنحها ضوءاً أخضر لتفعل ما تشاء في غزة دون رادع حقيقي. ويوضح جودة أن هذا التواطؤ الأميركي يفوق قدرة المجتمع الدولي على فرض حلول أو شروط توقف هذه السياسة اللاإنسانية.

تصريحات عربية خجولة وإدانات لا تسمن ولا تغني من جوع

أما على الصعيد العربي، يعتبر جودة أن الدول العربية تحولت إلى أدوات منفذة للسياسات الأميركية والإسرائيلية، مكتفية بتصريحات خجولة وإدانات لا تسمن ولا تغني من جوع. ويشدد جودة على أن غياب الموقف الجاد يعكس ارتهان القرار العربي للمصالح الأميركية الإسرائيلية، مما يجعل بيانات الإدانة مجرد غطاء للعجز.

وفيما يخص الجانب الفلسطيني، يصف جودة الوضع بأنه أكثر مأساوية، إذ إن القضية الفلسطينية تعيش حالة تشرذم وانقسام أفقدت الأطراف الرسمية وزنها وقدرتها على لعب أي دور فعال يوقف الكارثة الممتدة منذ أكثر من 21 شهراً.

وينتقد جودة بشكل خاص موقف حركة حماس التي تواصل إدارة المفاوضات من فنادق الدوحة في رفاهية بعيدة عن جوع غزة ومعاناتها اليومية، داعياً الحركة إلى اتخاذ قرار فوري بتعليق المفاوضات حتى تلتزم إسرائيل بإدخال المساعدات وإغاثة السكان كأولوية.

ويشدد جودة على أن سياسة التجويع في غزة ليست فعلاً معزولاً بل هي تكتيك متعمد يدمج الحصار العسكري مع السيطرة الاقتصادية والسياسية بهدف تفكيك المجتمع الفلسطيني. ويؤكد جودة أن مواجهة هذه السياسة تتطلب تحركاً عربياً وإسلامياً ودولياً يتجاوز الإدانات إلى فرض آليات ضغط حقيقية على إسرائيل، وضمان وصول المساعدات الإنسانية بأمان، وحماية السكان والمؤسسات الإغاثية من الاستهداف.

حصار وتجويع وإبادة لم يسبق لها مثيل في التاريخ الحديث

من جهته، يعتبر أستاذ العلوم السياسية د. أمجد بشكار أن مشهد التجويع القائم في قطاع غزة اليوم يمثل لحظة مفصلية واختباراً مصيرياً لإرادة الأمة العربية والإسلامية، مؤكداً أن ما يحدث من حصار وتجويع وإبادة جماعية للنساء والأطفال والشيوخ في غزة لم يسبق له مثيل في التاريخ الحديث.

ويشدد بشكار على أن ما ينقص ليس الأدوات أو الوسائل، بل غياب الإرادة الحقيقية لاستخدامها، مشيراً إلى أن الدول العربية والإسلامية تمتلك أوراق ضغط موجعة وقادرة على إيقاف الحرب وكسر الحصار لو أرادت.

ويوضح بشكار أن اللجنة المشتركة بين جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، والتي تضم نحو 52 دولة، كان يمكنها أن تلعب دوراً محورياً في وقف المجزرة لو أعلنت أنها لم تعد قادرة على الصمت أمام الإبادة الجماعية والتجويع.

وقال بشكار : لو أن كل دولة عربية وإسلامية أرسلت عشر سفن مساعدات إنسانية إلى غزة، فإن إسرائيل لا تجرؤ على قصف 500 سفينة إنسانية من خمسين دولة.

ويشدد بشكار على أهمية دور مصر في ملف معبر رفح، الذي يجب أن لا يبقى مغلقاً أمام قوافل الإغاثة الدولية، حيث تمتلك مصر القدرة على فتح المعبر وإدخال المساعدات، لأن إغلاق المعبر يسهم عملياً في استمرار المجاعة ويمس بالدور المصري في هذه اللحظة الحرجة.

ويلفت بشكار إلى أن أكثر من 900 شهيد وستة آلاف جريح سقطوا حتى الآن في مراكز توزيع المساعدات في غزة، محذراً من أن هذه المواقع تحولت إلى “مصائد موت” وليست نقاط إغاثة إنسانية حقيقية، في ظل استمرار استهداف قوات الاحتلال لمن يحاول الوصول إليها.

دعوة مصر وقطر للانسحاب من الوساطة

ويشدد بشكار أن على الوسطاء في ملف التفاوض، مصر وقطر، يتوجب عليهما إعلان موقف واضح بأن ما يحدث في غزة ليس وسيلة ضغط تفاوضي بل إبادة جماعية مكتملة الأركان، داعياً إلى انسحابهما من أية مسارات تفاوضية تغطي جرائم الاحتلال بمسمى الوساطة.

ويطرح بشكار تساؤلاً كبيراً حول الدور الغائب لمنظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية، مؤكداً أنه إذا لم يكن لهاتين المؤسستين موقف فاعل اليوم، فمتى سيكون لهما دور حقيقي في أي بقعة عربية أو إسلامية أخرى؟

ويطالب بشكار الأحزاب القومية والإسلامية واليسارية بتحريك الشارع العربي والإسلامي للضغط على الحكومات واتخاذ خطوات عملية توقف المجزرة.

ويشدد بشكار على أن إسرائيل تجاوزت كل حدود الأخلاق الإنسانية في الحرب والسلم.

كما يتساءل بشكار عن غياب الجهد الحقيقي من السفراء الفلسطينيين في أوروبا والدول العربية والإسلامية، معتبراً أن الوقت قد حان لتحرك سياسي وإعلامي موحد يواجه الإبادة ويضع حداً لمشهد التجويع الكارثي.

ما يجري في غزة غير مسبوق في التاريخ الحديث

الكاتب والمحلل السياسي سامر عنبتاوي يؤكد أن ما يجري في قطاع غزة اليوم يمثل حالة غير مسبوقة في التاريخ الحديث، إذ يُحاصر أكثر من مليونَي إنسان بوسائل الإبادة الجماعية والتجويع الممنهج، بهدف جعل البيئة في القطاع غير صالحة للحياة ودفع الناس قسراً إلى الهجرة.

ويوضح عنبتاوي أن إسرائيل استنفدت كل وسائلها ضد الفلسطينيين في غزة، بدءاً من القتل المباشر والتهجير وحتى التجويع المقصود الذي بلغ ذروته مؤخراً، مؤكداً أن أطفالاً ونساء وشيوخاً يموتون فعلاً بسبب الجوع وانعدام القدرة المادية على شراء الغذاء إن توفر أصلاً.

ويشير عنبتاوي إلى أن العالم كله يرى هذه الجرائم بوضوح، لكن من العار أن يظل صامتاً أو عاجزاً عن إيقاف هذه المجزرة التي أدت لاستشهاد نحو 60 ألفا بينهم أكثر من 18 ألف طفل و10 آلاف امرأة حتى الآن، مع استمرار عمليات القصف والاستهداف حتى لمن يحاول جلب المساعدات الغذائية.

ويلفت عنبتاوي إلى أن سياسة الاحتلال تهدف بشكل صريح إلى إفراغ القطاع بالكامل من سكانه، وهو ما أكده رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يصر على استمرار الحرب لتحقيق هذا الهدف.

ويبين عنبتاوي أن ما يجري في غزة مرتبط بما يحدث في الضفة الغربية من تضييق اقتصادي واعتداءات متكررة من المستوطنين والجيش الإسرائيلي، بهدف جعل الضفة بدورها بيئة طاردة للحياة.

مخطط إسرائيلي طويل الأمد لتصفية القضية الفلسطينية

ويؤكد عنبتاوي أن ذلك يثبت وجود مخطط إسرائيلي طويل الأمد لتصفية القضية الفلسطينية من جذورها.

وعن الحلول الممكنة، يشدد عنبتاوي على أن البداية يجب أن تكون من الداخل الفلسطيني، عبر توحيد الصفوف وتمتين الجبهة الداخلية وتشكيل قيادة وطنية موحدة تتبنى مشروعاً وطنياً جامعاً لمواجهة المشروع الصهيوني.

ويدعو عنبتاوي إلى بناء اقتصاد وطني مقاوم وتفعيل المقاومة الشعبية داخل القرى والمناطق المهددة بالاعتداءات.

ويطالب عنبتاوي بتحرك عربي وإسلامي فعّال، يتجاوز بيانات الإدانة، وصولاً إلى فرض عقوبات ومقاطعة الاحتلال وسحب الاستثمارات وقطع العلاقات الدبلوماسية، بما يشبه الإجراءات التي أُخذت ضد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا سابقاً.

ويشدد عنبتاوي ضرورة الضغط على الحكومات لاتخاذ مواقف أكثر قوة، مؤكداً أن العالمين العربي والإسلامي، الذي يضم نحو ملياري إنسان، قادران على تهديد المصالح الاقتصادية لإسرائيل والولايات المتحدة إذا توفرت الإرادة السياسية.

ويحذر عنبتاوي من أن إسرائيل تستخدم التجويع وسيلة ضغط لفرض شروطها في المفاوضات، تمهيداً لتهجير سكان غزة قسرياً، وهو ما يتطلب مواجهة دولية واسعة تفضح هذه السياسات وتضغط لوقف المجزرة بحق الشعب الفلسطيني.

قضية مركبة تحمل أبعاداً سياسية وإنسانية

بدوره، يؤكد الكاتب والمحلل السياسي عدنان الصباح أن أزمة التجويع في قطاع غزة ليست مجرد قضية إنسانية عابرة، بل هي قضية مركبة تحمل أبعاداً سياسية إنسانية معاً.

ويوضح الصباح أن الحلول الإنسانية وحدها لم تعد كافية، مشيراً إلى أن المجتمع الدولي، بعد عامين من الأزمة، قد أدار ظهره كلياً لغزة ولم يعد يكترث لما يحدث فيها، مما يجعل انتظار حلول خارجية أمراً غير واقعي أو منتظراً.

ويرى الصباح أن الحل الحقيقي والعملي الوحيد يكمن في تحرك شعبي جماعي داخلي داخل غزة، لمواجهة الموت ووضع الجميع أمام المسؤولية لإنهاء ما يجري.

ويقول الصباح: “إن على جميع فئات الشعب الفلسطيني في قطاع غزة– من أطفال ونساء وشيوخ ورجال – أن يصطفوا معاً ككتلة واحدة موحدة تواجه الاحتلال”.

ويوضح الصباح أن رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، إيال زامير، سبق وأن أكد أن الجيش لا يستطيع مواجهة مليوني شخص يتحركون ككتلة واحدة.

ويؤكد الصباح أن هذه المواجهة الشعبية الجماعية هي السبيل الوحيد لكسر الصمت الدولي وتحميل الاحتلال المسؤولية.

وبحسب الصباح، فإن الغزيين قد تُركوا وحدهم، وقد خذلهم الجميع، حتى الفلسطينيين أنفسهم، مشدداً على أن لا مبرر لأي إنسان على وجه الأرض لصمته أو تخاذله أو انتظار موت غزة وأطفالها.

العالم أغلق أذنيه وأغمض عينيه

ويقول الصباح: “العالم أغلق أذنيه وأغمض عينيه، ولم يعد يريد أن يرى أو يسمع، وبالتالي فإن الغزيين مطالبون بحماية أنفسهم بأنفسهم”.

وحول الدور العربي والدولي، يؤكد الصباح ضرورة وجود مبادرات جماعية مؤسساتية وليست فردية، مشيراً إلى أن تحركات الأفراد وحدها لا تملك القدرة على إحداث تغيير تاريخي.

ويشدد الصباح على أن على الأحزاب والقوى السياسية والمنظمات والفعاليات في الوطن العربي والعالم الإسلامي أن تتحرك، وأن يكون هناك دعم جماهيري ملموس في الساحات العربية والعالمية عبر تحركات تضامنية تشمل الجوع والضغط السياسي.

ويطرح الصباح فكرة أن خروج الملايين في الساحات العالمية وأن يظهروا جوعهم بجانب غزة سيكون له أثر قوي على حكومات هذه الدول، مما يدفعها للاستجابة لمطالب شعوبها ووقف معاناة القطاع، ما قد يشكل ضغطاً حقيقياً لتحقيق نتائج ملموسة.

ويؤكد الصباح أن الوقت لم يعد يسمح بالانتظار أو الصمت، وأن حياة الملايين في غزة أصبحت على المحك، ما يستدعي وقفة جدية ومسؤولة من الجميع.القدس العربي

 

facebook sharing button
twitter sharing button
snapchat sharing button
whatsapp sharing button
messenger sharing button
telegram sharing button
print sharing button

شارك برأيك

غزة تموت جوعاً.. لم ينحج أحد في اختبار الإنسانية والضمائر الحية

المزيد في فلسطين

قد يعجبك ايضا