في حضرة العزف النقي: سامر غوشة ورسالة الفلوت

الشعب نيوز:-

عاطف ابوحجر
في عالمٍ يضجّ بالضجيج ويزدحم بالإيقاعات المتسارعة، يظهر صوت ناعم، نقي، كأنّه قادم من حافة الحلم، لا يطلب سوى أن يُصغى إليه… لا ليُسمع فقط، بل ليُحس. ذلك الصوت هو صوت الفلوت، وتحديدًا حين يكون في يد فنان مثل سامر غوشة، الذي لا يعزف آلة، بل يعزف وجدانًا، ويبوح بما تعجز عنه الكلمات.
سامر غوشة ليس مجرد موسيقي، بل هو صاحب رسالة فنية تمتد أبعد من النغمة وأعمق من الأداء. فنان أردني تفرّد بأسلوبه العذب في العزف على آلة الفلوت، واستطاع أن يمنحها بُعدًا جديدًا يمزج بين الشفافية الصوتية والمخزون العاطفي. لقد بدأ رحلته الموسيقية منذ سنوات طويلة، فصقل موهبته وأخلص للصوت الخفي الذي يسكن في الفلوت، ليجعل منه وسيلة تواصل مع أرواح الناس لا مع آذانهم فقط.
لم تكن مسيرة غوشة سريعة أو محاطة بالأضواء، بل كانت نضجًا هادئًا، أشبه بتدرج الضوء في الفجر. بدأ بالعزف في الفنادق الراقية، مثل فندق “شيراتون عمّان” حيث قدّم عروضًا مميزة، ثم امتد حضوره إلى الحفلات الرسمية، والمناسبات الاجتماعية الكبرى، ومهرجانات الثقافة والفنون، داخل الأردن وخارجها.


يعزف سامر غوشة بتركيبة فريدة من الموسيقى: فهو يدمج بين التراث العربي والأنغام العالمية، ويقدم موسيقى تُحاكي الذوق المعاصر دون أن تتخلى عن الأصالة. الفلوت في يده ليس أداة مصاحبة، بل بطل رئيسي يُحرّك المشهد الموسيقي كله.
ورغم أن آلة الفلوت نادرًا ما تتصدّر في الساحة الموسيقية العربية، فإن سامر أعاد رسم حضورها، وجعل لها مكانة لا تقل عن أي آلة تقليدية رائجة. لا يحتاج إلى مؤثرات بصرية أو صوتية ضخمة؛ يكفيه ميكروفون وسماعة ومُكسر صوت بسيط ليخلق أجواءً ساحرة تتغلغل في قلوب الحضور.
سامر غوشة لا يكتفي بالعزف، بل يخلق حالة فنية كاملة. هو أقرب إلى شاعر لا يكتب بالحبر، بل بالهواء والصدى. وفي كل حفلة، يقدّم أكثر من مقطوعة: يقدّم تجربة، ورسالة، وذاكرة. كل نغمة لديه تحكي قصة، وكل صمت بين نغمتين يروي شيئًا من روحه.
تجربته الفنية ليست استعراضًا تقنيًا، بل دعوة للتأمل. عزفه يُشبه تأملًا موسيقيًا، يفتح في النفس أبوابًا نُسيَت، ويهمس للذاكرة بأن الحنين ما زال ممكنًا، وبأن الجمال لا يُشترى… بل يُعاش

 

قد يعجبك ايضا