
رابط نتائج التوجيهي – عاطف أبو حجر
الشعب نيوز:-
في زمنٍ كان فيه الحنين لغةً ناطقة، والفرح يُقاس بعدد دقات القلب، لا بعدد الإعجابات والمشاهدات، كانت لحظة إعلان نتائج التوجيهي تمثل عيدًا مصغّرًا في كل بيت أردني.
لم تكن مجرد أرقام تُعرض على شاشة، بل كانت رواية تُروى، ومشهدًا يُنتظر على أحرّ من الجمر.
قديمًا، كان الناس يتجمهرون أمام مبنى جريدتي الرأي والدستور، ينتظرون طباعة الجريدة بشغف، وفي البيوت يتجمعون حول الراديو لسماع أسماء الأوائل والناجحين.
كان النجاح يُولد بين سطور الجريدة، وعلى موجات الراديو، وتحت ضوء القمر الذي كان يراقب الأمهات وهنّ يُجهزن القهوة، والآباء في طريقهم لشراء “توفي الناشد” و”السلفانة”.
اليوم، تغيّر كل شيء.
باتت النتائج تأتيك خفية، على شاشة صغيرة في راحة يدك، بلا ضجيج، بلا رائحة قهوة، بلا تجمعات.
تغيّرت الطقوس، تبدّلت العادات، وانقسم الزمن بين “زمان” كان ينتظر النتيجة بقلوب ترتجف، و”اليوم” الذي يستقبلها بكبسة زر ووجه جامد خلف شاشة باردة.
فما الذي تغيّر؟ وأيّهما كان أصدق فرحًا؟
رحلة المقارنة تبدأ الآن…
زمان، كانت الأمهات يُعددن القهوة السادة في الدلال النحاسية، ويغلين الشاي في أبريق كبير لا يهدأ على النار. وكان الآباء يشدّون الرحال إلى “البلد”، يشترون توفي الناشد والسلفانة والمخريش، فـ”الحلوان” جزء لا يتجزأ من الفرحة.
وكانت أخبار النجاح تنتقل من بيتٍ إلى بيت، وتُقرع الطبول، وتُطلق الزغاريد، وكأن العائلة كلها نالت الشهادة.
أما اليوم، في عصر الإنترنت والمواقع الذكية، صارت النتيجة تأتيك بكبسة زر، أو تصل لهاتفك برسالة قصيرة، كلّفتك دينارًا لكنها وفّرت عليك السهر والانتظار.
لم تعد هناك حاجة للجريدة، ولا لمتابعة الراديو. فقط ادخل على موقع الوزارة، وإذا لم ينهَر من الضغط، تجد نتيجتك هناك!
لكن التغيير لم يقف هنا.
حتى “الحلوان” تغيّر. لم نعد نرى السلفانة والمخريش والقضامة.
يوم النتائج، تجد المناسف حبطرس، وسدور الكنافة لأبو موزة، وأصبحت هدايا النجاح تصل إلى حدود الخيال: سيارات، هواتف، ساعات ذكية، ذهب، وحتى “نقوط” بخمسينات ومئات!
كان مبلغ العشرة دنانير يُعدّ كنزًا، أما اليوم، فإن لم تكن ورقة الخمسين، “بتحس حالك ناقص”، على حدّ تعبير البعض.
صور الماضي كانت بسيطة، ولكن دافئة.
كانت البيوت تحتفل، ليس لأن أحدهم نجح فقط، بل لأن روح الجماعة كانت أقوى من كل شيء.
اليوم، بالرغم من سرعة الوصول للمعلومة وسهولة نشرها، فقدنا تلك اللمسة الحميمة، وذلك الشعور الجماعي بالفرح والترقّب.
نعم، “كل شي تغيّر”، كما نقول.
من طريقة إعلان النتيجة، إلى طقوس الاحتفال بها. تغيّر الزمن، وتغيّرت العادات،
لكن الذكرى باقية، تُذكّرنا بأيامٍ كان الفرح فيها أكثر دفئًا، وأبسط… لكنه أصدق.