
“التعليم بين أيدي التجار… حين يختطف إعلان موسمي مجد عقداً ونيّف من الجهد المدرسي”
الشعب نيوز:-
للكاتب والمحلل الأمني د. بشير الدعجه
في كل موسم نتائج للثانوية العامة… تتكرر الظاهرة… إعلانات لامعة… صور مبتسمة… وشعارات منمقة تملأ الفضاء الإلكتروني… تتفاخر بأسماء طلبة ناجحين… وتربط قصصهم ببطاقة تعليمية اشتروها من منصة إلكترونية قبل أشهر قليلة… وعلى الرغم من أن المشهد يبدو في ظاهره احتفالاً بالإنجاز… إلا أن ما يجري في خلفيته يثير أسئلة عميقة عن معنى التعليم… وعدالة نسب الفضل… وأخلاقيات التسويق في ميدان يفترض أنه رسالة قبل أن يكون تجارة…
لأكثر من 15 عاماً… والمدارس الأردنية—الحكومية والخاصة—تقوم بالمهمة الأصعب… صناعة الإنسان قبل صناعة العلامة…
* المعلم الذي يشرح ويفسر ويعيد الشرح حتى يستوعب الطالب…
* الإدارة التي تتابع أدق تفاصيل الحضور… والواجبات… والانضباط…
* الأنشطة المدرسية التي تصقل شخصية الطالب وتعلمه العمل الجماعي… وتحفزه على التفكير النقدي…
* الامتحانات التجريبية التي تجهزه لرهبة اليوم الكبير… وتكشف له مكامن قوته وضعفه…
هذه الرحلة التعليمية الطويلة ليست مجرد حصص وكتب… إنها بيئة متكاملة تبني الطالب علمياً ونفسياً وسلوكياً على مدى سنوات… حتى يصبح مستعداً لخوض امتحان الثانوية العامة بثقة وكفاءة…
ثم… وفي لحظة إعلان النتائج… يظهر إعلان تجاري موسمي يختزل كل هذا التاريخ في جملة: “نجاح الطالب بفضل بطاقتنا”… وكأن جهد السنين محض خلفية باهتة… بينما الإنجاز الحقيقي في بطاقة بيعت في الأشهر الأخيرة قبل الامتحان…
منصات التعليم الإلكتروني—مع ما تقدمه من محتوى قد يكون مفيداً في بعض الحالات—تتحمل اليوم مسؤولية الالتزام بالشفافية والأمانة… وعدم المبالغة في تسويق دورها إلى حد تهميش كل ما سبق شراء البطاقة… فالتفوق ليس وليد لحظة… وليس نتيجة منتج رقمي بمفرده… بل حصيلة تراكمية لرحلة تعليمية كاملة…
واللافت أن هذه الحملات الإعلانية تُظهر أسماء الناجحين وتتجاهل تماماً من لم يحالفهم الحظ رغم شراء نفس البطاقات… ما يترك انطباعاً غير متوازن لدى الجمهور… ويعزز فكرة أن التعليم بات سلعة موسمية… يُسوق لها في مواسم النتائج مثل أي منتج آخر…
إن وزارة التربية والتعليم مطالَبة اليوم بوضع أطر تنظيمية واضحة لقطاع التعليم الإلكتروني… تضمن الاعتراف بجهود جميع الأطراف… وحماية الطالب وولي الأمر من أي صورة تسويقية توحي بأن النجاح يمكن شراؤه كبطاقة… التعليم رسالة ممتدة الجذور… لا صفقة آنية… والتفوق ثمرة شجرة زرعتها المدارس ورعتها لسنوات… لا بذرة سريعة تُلقى في موسم الحصاد…
وفي الختام… التعليم هو الركيزة التي تبنى عليها الأوطان… والمدرسة هي الميدان الحقيقي الذي يتشكل فيه وعي الطالب وأخلاقه ومهاراته… أما المنصات فهي أدوات مساعدة يجب أن تكون مكملة لا بديلة… وعلى المجتمع أن يساند المعلم والمدرسة كما يساند الطالب… وأن يحافظ على قيمة التفوق كنتاج جهد حقيقي لا كسلعة تسويقية… فالمستقبل لا يُبنى بالإعلانات… بل بالعلم المتجذر في قلوب وعقول أبنائنا…وللحديث بقية.
#د. بشير _الدعجه