في زمن الأزمات… هل نُحسن الاختلاف؟محسن الشوبكي

الشعب نيوز:-

 

في زمن تتكاثر فيه التهديدات وتتقلص فيه المساحات الآمنة، لم يعد الاختلاف في الرأي ترفًا فكريًا، بل ضرورة وطنية. فالحوار ليس رفاهية، بل هو خط الدفاع الأول في مواجهة الانقسام الداخلي الذي قد يكون أخطر من أي تهديد خارجي. الجميع يحب وطنه، لا خلاف على ذلك، ولكن الخلاف الحقيقي يكمن في الوسائل، في فهم اللحظة، في ترتيب الأولويات، وفي الجرأة على طرح الأسئلة الصعبة دون أن يُتهم صاحبها بالخيانة أو التآمر ، حين يتحول الرأي إلى تهمة، يتحول الوطن إلى ساحة صراع لا إلى بيت مشترك.

الأردن اليوم يقف في قلب إقليم ملتهب، تحيط به أزمات لا تهدأ، من الجنوب إلى الشمال، ومن الشرق إلى الغرب. الضغوط الاقتصادية ليست مجرد أرقام في تقارير دولية، بل هي وجوه الناس في الأسواق، وقلق الشباب في طوابير البطالة، وتآكل الثقة في المستقبل. أما التهديدات السياسية والأمنية الخارجية ، فبعضها معلن وبعضها مبطن، خاصة تلك القادمة من الكيان الصهيوني الذي لا يخفي أطماعه في المياه والحدود والهوية والتوسع الجغرافي . كل ذلك يحدث في وقت تتراجع فيه الإمكانيات، ويزداد فيه العبء على الدولة والمجتمع معًا.

ورغم هذا المشهد المعقد، يملك الأردن ما لا يُشترى: مؤسسات قادرة على الاستيعاب، على إدارة التحديات، على حفظ التوازن، حتى وإن كانت تعمل تحت ضغط هائل وبإمكانيات محدودة. هذه المؤسسات ليست مجرد هياكل إدارية، بل هي ذاكرة وطنية، وخطوط تماس مع الواقع، وركائز للتماسك الاجتماعي والسياسي. لكنها لا تستطيع أن تعمل وحدها، ولا أن تنجح في بيئة مشحونة بالتخوين والتشكيك والاحتقان.

ما يحتاجه الأردن اليوم ليس فقط خططًا اقتصادية أو تحالفات إقليمية، بل إعادة تعريف العلاقة بين المواطن والدولة، بين الرأي العام وصناع القرار، بين النقد والولاء. المطلوب هو خطاب وطني جديد، لا يُقصي المختلف، ولا يُكافئ المصفق، بل يُحفز التفكير، ويحتوي الغضب، ويحول التنوع إلى مصدر قوة لا إلى سبب انقسام. المطلوب هو حوار لا يخاف من الحقيقة، ولا يهرب من الأسئلة، ولا يختبئ خلف الشعارات.

وإذا كان الخارج يراقب، فإن الداخل هو من يقرر: هل نكون مجتمعًا يواجه التهديدات بوحدة صلبة، أم نتحول إلى جزر معزولة تتقاذفها الاتهامات؟ الأردن لا يُخترق من الخارج بسهولة، ولكن يمكن أن يُستنزف من الداخل إذا فقد القدرة على إدارة اختلافاته. وما بين الحب المشترك والخلاف المشروع، تبقى الوحدة الوطنية هي السلاح الأقوى، لا في مواجهة الأعداء فقط، بل في مواجهة أنفسنا حين ننسى أن الوطن لا يُبنى إلا بكل أبنائه، لا ببعضهم فقط.

قد يعجبك ايضا