
من سنغافورة إلى عمّان… حزب عزم بين وهم الشعارات وواقع الاقتصاد الأردني
الشعب نيوز:-
خاص
أطلق مركز حزب عزم للدراسات الاستراتيجية دراسة بعنوان “ليبرالية الاقتصاد الأردني والتنمية الشمولية”، استعرضت التجارب العالمية في تطبيق السياسات الليبرالية، ثم حاولت إسقاطها على الواقع الأردني. ورغم الطابع الأكاديمي للدراسة، فإنها تطرح تساؤلات جدية حول مدى واقعية الطموحات التي عرضتها.
بين النظرية والخطاب الحزبي
خصصت الدراسة حيزًا واسعًا للتجارب العالمية: من تشيلي وكوريا الجنوبية إلى سنغافورة وألمانيا. غير أن الانتقال إلى البرنامج الأردني كان مفاجئًا ومشحونًا بلغة حزبية مباشرة، مما أضعف التماسك بين التنظير والواقع. بدا النص مزيجًا من محاضرة جامعية وخطاب انتخابي، لا خطة عملية قابلة للتنفيذ.
ليبرالية انتقائية
يطرح الحزب نفسه بوصفه مؤمنًا بالليبرالية الاقتصادية، لكنه يرفض الليبرالية الاجتماعية. هذا الفصل الانتقائي يثير تساؤلات؛ فالليبرالية منظومة متكاملة، اقتصادية وسياسية واجتماعية. الاقتصار على جانب واحد يفرغ الفكرة من مضمونها ويجعلها أقرب إلى شعار سياسي أكثر من كونها رؤية متكاملة.
طموحات بأرقام خيالية
تطمح الدراسة إلى مضاعفة الاستثمارات الأجنبية إلى أكثر من 3 مليارات دولار بحلول 2030، ورفع الدخل السياحي إلى 20 مليار دينار بحلول 2035. لكن الأرقام الحالية تكشف واقعًا مغايرًا: استثمارات أجنبية لا تتجاوز 0.4% من الناتج المحلي، ودخل سياحي يراوح عند حدود 7–8 مليارات دينار. القفز من هذا الواقع إلى الأهداف المعلنة يبدو أقرب إلى الأمنيات من الخطط الواقعية، خصوصًا مع بقاء البيروقراطية والفساد وضعف الثقة بالمؤسسات.
الخصخصة… غموض في الموقف
انتقدت الدراسة الخصخصة الأردنية بوصفها “مشوهة وغير شفافة”، لكنها لم تحدد ما إذا كان الحزب سيعيد النظر في خصخصة الكهرباء والبوتاس والاتصالات والفوسفات، أم سيكتفي بالنقد النظري. هذا الغموض يعكس محاولة للتماهي مع الرأي الشعبي الغاضب، دون التزام واضح بخطوات إصلاحية مؤلمة.
غياب البعد السياسي
كل التجارب الناجحة التي أشار إليها النص، من كوريا إلى إستونيا، لم تعتمد على الاقتصاد وحده، بل على مؤسسات سياسية قوية وحوكمة صارمة. أما الدراسة فقد تجاهلت هذا البعد، وكأن الاقتصاد الأردني يمكن إصلاحه دون إصلاح سياسي. وهذا اختزال يضعف مصداقية الطرح.
لغة الهوية والقيم
تكررت في الدراسة عبارات مثل “صون الهوية الوطنية” و”البنية القيمية للمجتمع”، لكنها بقيت بلا توضيح كافٍ. هل المقصود رفض إصلاحات اجتماعية مثل تعزيز الحريات الفردية وحقوق المرأة، أم مجرد لغة عامة لطمأنة المحافظين؟ الغموض هنا يفتح الباب لتأويلات متناقضة.
خلاصة
تقدم دراسة حزب عزم محاولة جادة لإعادة صياغة النقاش حول الليبرالية الاقتصادية في الأردن، لكنها تبقى أقرب إلى إطار نظري مطعَّم بالشعارات. الأهداف الطموحة لم تُرفق بخطط عملية قابلة للتنفيذ، والخلل الأكبر يبقى في تغييب الإصلاح السياسي والمؤسسي الذي يمثل شرطًا أساسيًا لنجاح أي إصلاح اقتصادي.
الطريق إلى نهضة اقتصادية حقيقية لا يمر عبر استنساخ التجارب العالمية أو إطلاق وعود كبرى، بل عبر مواجهة التحديات البنيوية بجرأة: محاربة الفساد، إصلاح الإدارة، تعزيز استقلالية القرار الاقتصادي، والاستثمار في الإنسان قبل الأرقام.