
القبيلة والغنيمة والعقيدة، كيف تراقص إسرائيل العقل العربي؟ كتب: يزن عيد الحراحشة
الشعب نيوز:-
خط المفكر العربي الراحل محمد عابد الجابري عنوانا عريضا أسماه (محددات العقل العربي) وقد صاغها على شكل ثالوث خانق ممثل بالقبيلة والغنيمة والعقيدة، وبين باستفاضة تطور المجتمعات العربية في توائم تام مع هذه المحددات، وكان هذا قبل البعثة وبعدها، فالسلوك الجمعي العربي –حسب الجابري على أقل تقدير- ينطلق من هذه المحددات في تعامله مع الآخر، بل وساهمت المحددات هذه في بناء الدول والحضارات في المنطقة، فهو يرى أن القبيلة تحدد الانتماء والسلطة الاجتماعية، والعقيدة تضبط القيم والسلوك الجماعي، والغنيمة تمثل المحرك الاقتصادي والسياسي للصراعات داخل القبائل وبينها، في هذا المقال أهدف إلى تبيان أوجه مغازلة الماكينة الإعلامية للكيان المحتل لهذه المحددات بغية الوصول إلى السيطرة على الوعي الجمعي في المنطقة تسهيلا لتنفيذ مشاريعها، بالإضافة لسرد شواهد حية على هذا.
بعد المقدمة الكاشفة، يثور تساؤل مُلح: كيف لعبت إسرائيل على الأوتار أعلاه في عدوانها المستمر؟
توظيف العقيدة: الناظر في سلوكنا الجمعي وتفاعلنا تجاه الأزمة المستمرة سيلاحظ سذاجة الطريقة التي ثُوّرَت فيها عواطفنا الدينية بأشكال صب معظمها لصالح الصهيونية في المنطقة، فتجد الجماهير العربية تارة تبتهج بتفكيك محور الإسناد شيئا فشيئا، هذا الابتهاج تم صبغه بصبغة دينية بحت، بقصر شكل المحور بكونه “ذراع شيعي طويل” متناسين أن تفكيكه كان ويكون لتضاربه مع المصالح الإسرائيلية لا لسبب أصولي أبدا، ونفس الآلة الدعائية نجحت –صراحة وضمنا- في تصوير اليهودية بكونها ديانة سماوية أقرب للإسلام “السني” من الفرق الإسلامية الاخرى، حتى بلغ الأمر ببعض المعاتيه من متصدري الشاشات بإجازة الزواج من اليهوديات وتحريمه من الطوائف الأخرى –بما فيها الأشاعرة مثلا-.
وبعيدا عن الشق التطبيقي أعلاه وما له من عشرات الشواهد نجد نظريا المشروع الكبير المعنون بالإبراهيمية، وهو بأبسط أشكاله مشروع امبريالي يهدف إلى تذويب المسلمين والمسيحيين الشرقيين في قالب كبير مصمم بمواصفات عبرية بحت، ولن يكون هذا مستصعيا إذا ما درسنا الأديان الثلاث أصوليا، هذا المشروع المرعب دليل دامغ على الجهد المستمر للآلة الصهيونية فكريا.
أما عن الغنيمة: فنجد إسرائيل تمارس وبشكل موسع وللأسف عن طريق أذرع عربية –في كثير من الأحيان- حالة من الابتزازات والرشاوي، فتحرص دائما على وجود دول الطوق في حالة عوز اقتصادي، أو الحرص على تمويل الجماعات الهادفة دوما لإسقاط أي محاولات نهضوية أو مناوئة في مختلف دول العالم العربي، عداك عن الضغط الدائم بملفات الاستثمارات وشراء الذمم وتوجيه وسائل الإعلام، والمخفي أعظم.
لقد وضح العدوان الأخير ما يمثله الكيان اقتصاديا، وفضح العلاقات الوطيدة مع عدد من الشركات العابرة للقارات والشركات التكنولوجية، ومطالعة بيانات مؤسسات الدعوة للمقاطعة تكفي للحصول على هذه الإثباتات، والشبكة الكبيرة هذه دائمةوالتوظيف للصالح الصهيوني دون تردد، ويمكنني عد منع أمريكا لأي “معادٍ للسامية” من دخول حلمها الاقتصادي كمثال مباشر على استغلال المحدد الاقتصادي للعقلية العربي، فالشباب الطامح مضطر لأن يكون مستكينا متماشيا بصمت مطبق.
وفي القبيلة: إذا ما نظرنا بعين الحقيقة فسنجد أن العدوان الأخير تضمن أعلى مستويات اللعب على وتر القبيلة، فبداية من القطاع المدمر نفسه والتي استمر الكيان في تحريض مكوناتها العشائرية الأصلية وتمويل المطبع منها ليمارس أدوارا ميليشياوية، وزحفا إلى محاولاته لشراء الذمم في الضفة الغربية وخصوصا في مدينة الخليل التي غرر الاحتلال بشخصيات عشائرية فيها لتتحول إلى إمارة قبلية مطبعة، وكاد هذا أن ينجح لولا تنبه شرفاء العشائر فيها، وخارج الضفة نجد أنها نجحت في تكوين روابط قوية مع عدد من المكونات القبلية في عموم الأرض المحتلة، ليغدو الفردي العربي -البدوي- جنديا في صفوف المحتل لبلده.
أما خارج فلسطين فنجد عدة نجاحات لآلة الدعاية الهصهيونية بتأليب عدة مكونات قبلية أو أفراد مختلين منها في مختلف الدول العربية ضد القضية الفلسطينية برمتها، وهذا بعدة طرق تقوم على تنشيط العصبية وحصر الخصال العربية في معانٍ ضيقة جدا، ونقاسي أردنيا حملات مكثفة من هذا الباب مؤخرا، فبعيدا عن جهود وحدة 8200 في منصات التواصل الاجتماعي، فقد فوجئنا قبل أسبوعين بزيارة نائب ليكودي في الكنيست بصبغة عشائرية لفعالية اجتماعية بشكل قائم على التغرير الهادف لتطبيع العلاقات، كما يعج الفضاء العام بزيارة مختل منفي ينسب نفسه إلى قبيلة بني حسن -الأبرز أردنيا- إلى الكيان والقيام بطقوس “عشائرية” مثل تلبيس العبي وإعلان المؤازة تضفي شرعية على الاحتلال مع تضخيم هائل من وسائل الإعلام الصهيونية للحدث، ولكن المجتمع الأردني نجح بعفوية تامة وحرارة عالية بإفشال دعوته ووضعها في مكانها الطبيعي، كما استطاع الرأي العام المحلي ردع وإفشال صورة زيارة البرلماني متبعا إياها بعدة بيانات إدانة واعتذار من المستضيفين.
في الختام، في المقال أعلاه حاولت بأكبر قدر من التكثيف والإيجاز شرح استغلال الكيان لمحاور رئيسة في العقل العربي، ولا نكون ضمن مهوسي نظرية المؤامرة إن ادعينا أن اللعب على هذه المحاور دقيق مدروس، فالكيان متروس بالمراكز البحثية وعشرات المتفرغين في تحليل المجتمعات العربية، والدور الأكبر على الجماهير العربية بقيادة طليعتها المثقفة على إفشال هذه المخططات وتعريتها.