
هل تلفريك عمّان هو حقاً ما تحتاجه العاصمة اليوم؟
الشعب نيوز:-
شاكر خليف
ما أن أُعلن عن مشروع تلفريك جبل القلعة حتى انقسم الشارع الأردني بين متفائل بحل سحري يضع عمّان على خريطة السياحة العالمية، ومتشائم يرى فيه مشروعاً لامعاً آخر يُبنى على أنقاض أولويات أكثر إلحاحاً ، وعلى الرغم من أن الكلفة التقديرية للمشروع تبلغ 8 ملايين دينار (حوالي 11.3 مليون دولار) و للوهلة الأولى، قد يبدو هذا الرقم معقولاً، لكن عند وضعه في سياق المشاريع المماثلة، تبدأ علامات الاستفهام بالظهور واذا ما كان الرقم المعلن هو تكلفة المرحلة الأولى فقط؟ هل يشمل تكاليف الاستملاك والدراسات المعقدة والأثرية؟ أم أننا أمام تقديرات أولية متفائلة !!!
من منظور معماري وتراثي، نحن لا نتحدث عن مجرد تركيب أعمدة وكوابل، بل عن تدخل جراحي في قلب عمّان التاريخي ، فهل يمكننا تخيل منظر الكوابل الفولاذية وهي تمر فوق المدرج الروماني، أو منظر الأبراج المعدنية وهي تنافس هيبة جبل القلعة؟
إن الخطر لا يكمن فقط في “التلوث البصري”، بل في تحويل هذه المواقع من فضاءات للتأمل والتاريخ إلى مجرد خلفية لرحلة ترفيهية سريعة وان التحدي الأكبر يكمن في كيفية إدخال بنية تحتية حديثة وضخمة كالتلفريك في نسيج أثري حساس دون المساس بقيمته التاريخية وسلامته البصرية. فجبل القلعة والمدرج الروماني ليسا مجرد معالم، بل هما قلب عمان التاريخي الذي يروي قصة حضارات متعاقبة.
المشكلة الأكبر في المشروع المقترح تكمن في فلسفته الأساسية: إنه مصمم كمشروع سياحي بحت، وليس كجزء من منظومة نقل عام متكاملة تخدم سكان المنطقة ،و هذا التوجه يجعله مشروعاً ذا نفع محدود ويفوّت فرصة ذهبية لحل مشكلة حقيقية.
تخيلوا معي لو أن التلفريك صُمّم منذ البداية كجزء من شبكة نقل عام شاملة لوسط عمّان، بحيث يستطيع سكان المنطقة استخدامه بأسعار رمزية مدعومة للتنقل اليومي، بينما يدفع السياح سعراً أعلى لتجربة المشهد البانورامي ،هنا في هذا السيناريو سيتحول المشروع من “لعبة سياحية” إلى بنية تحتية حقيقية ذات جدوى اقتصادية واجتماعية أكبر بكثير.
هذا التصور سيحول التلفريك إلى أداة نقل حقيقية، ويضاعف من جدواه الاقتصادية والاجتماعية، ويبرر تكلفته بشكل أكبر. لكنه يتطلب تفكيراً استراتيجياً ورؤية شاملة، وليس مجرد “نسخ ولصق” لتجارب قد لا تناسب سياقنا.
والسؤال الذي يطرح نفسه :
ماذا لو تم استثمار هذا المبلغ في مشاريع ذات أثر أوسع وأكثر استدامة؟
مثال :
* إحياء ممر عمّان التراثي
بدلاً من التحليق فوق المشهد، يمكننا الغوص فيه. يتضمن هذا المشروع برنامج تطوير شامل ومتكامل للمسار الذي يربط جبل القلعة بالمدرج الروماني وجبل اللويبدة، ليصبح مساراً سياحياً ثقافياً متكاملاً يمكن للسائح والمواطن أن يعيشه ويتفاعل معه.
ترميم واجهات المباني التراثية على طول المسار، وتوحيد اللافتات، وتحسين الإضاءة المعمارية التي تبرز جماليات المكان ليلاً بالاضافة لإنشاء مسارات مشاة آمنة ومريحة، وتبليط الأزقة، وتطوير ساحات عامة صغيرة، وزراعة أشجار محلية تضيف لمسة خضراء للمكان ويمكن ان تطرح الحكومة فكرة لصندوق قروض بفائدة منخفضة لدعم سكان المنطقة في تحويل أجزاء من بيوتهم إلى بيوت ضيافة، أو فتح محلات حرفية ومقاهٍ ثقافية صغيرة.
الأولويات المنسية
عمان تحتاج إلى إصلاح بنيتها التحتية المتهالكة، وهي لا تحتاج إلى حلول ترفيهية معزولة بقدر ما تحتاج إلى حلول مستدامة ومتكاملة لمشاكلها المزمنة ، وإن مشروع تلفريك عمّان، كما هو مطروح حالياً، هو مثال على الانفصال بين المشاريع الحكومية “اللامعة” والاحتياجات الحقيقية للمدينة وسكانها فهذا المشروع وإن كان يغلّفه طموحاً سياحياً مشروعاً، لكنني أعتقد أنه جاء في توقيت خاطئ، وبأولويات خاطئة .
ختاما ، نأمل أن يعيد صانعو القرار النظر في هذا المشروع، ليس لإلغائه بالضرورة، بل لإعادة تصوره بطريقة تخدم المواطن قبل السائح، وتحترم التراث قبل الاستعراض، وتحل مشاكل حقيقية بدلاً من خلق مشاكل جديدة ، فالأولوية اليوم هي أن نهتم بـالمدينة وسكانها، قبل أن نحلم بـ “التحليق” فوقها .
