اتركوا دائرة المخابرات العامة تقوم بواجبها الوطني فالمؤسسات الأمنية ليست مادة للنقاش . د. زهور غرايبة تكتب

الشعب نيوز:-

 

في خضم النقاشات والحملات التي تعصف على مواقع التواصل الاجتماعي، كلما خرج مسؤول سابق أو حالي — وأدلى بتصريح حول عمل المخابرات أو العلاقة بين مؤسسات الدولة — يصبح المشهد وكأننا نعيد فتح ملفّ الصراع بين السلطة التنفيذية والأجهزة الأمنية، بدلًا من أن ننتقل إلى ميدان التركيز على المواطن والسلامة الوطنية والتنمية.
هنا، أرى أنه حان الوقت لأن نقول: دعوا من يعمل أن يعمل، ودعوا من يفهم الأمانة أن ينفّذها، ودعونا نحن كمواطنين ومراقبين نركّز على الأسئلة الجدّية والملموسة، لا على بيانات موسمية يطلقها البعض طلبًا للظهور أو المزايدة.

كلما هدأت الساحة الأردنية واستقرت الأوضاع، يخرج بين الحين والآخر مسؤول سابق أو حالي بتصريحات عن دائرة المخابرات العامة، وكأنها موضوع للجدل أو مادة لتقدير المواقف بين المؤسسات، فيبدأ الشارع بانقساماته المعتادة: فريق يعلّق، وآخر يهاجم، وثالث يبرّر… بينما الحقيقة الثابتة أن هذه المؤسسة الأمنية الوطنية يجب أن تبقى بعيدة عن التجاذبات والتصريحات الإعلامية، لأنها تؤدي دورها في صمت، وتخدم الوطن من مواقع لا تحتاج إلى أضواء.

دائرة المخابرات العامة تأسست بموجب القانون رقم (24) لعام 1964، لتكون الدرع الحامي للأمن الوطني الأردني داخليًا وخارجيًا، وهي لا تعمل ارتجالًا أو عبر الأهواء، بل وفق منظومة دقيقة من المهام والاختصاصات القانونية التي تشمل:
جمع وتحليل المعلومات وتقديمها لصانع القرار، مكافحة الإرهاب والتخريب والتجسس، حماية المجتمع من محاولات الاختراق، وتنفيذ المهام التي يكلفها بها رئيس الوزراء بأوامر خطية.
وهي بذلك تمثل أحد أعمدة الأمن الوطني الشامل الذي تقوم عليه الدولة الأردنية.

ولأن هذه الدائرة انطلقت من إدراك عميق لمفهوم الأمن الوطني المتكامل بأبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فقد جعلت من المواطن الأردني غايتها ووسيلتها، فالأمن عندها رؤية شاملة للحياة، غايتها أن يبقى المواطن الأردني آمنًا في كرامته، مطمئنًا في وطنه، في ظل دولة القانون والعدالة والمساواة.

من يتحدثون عن المخابرات في الإعلام عليهم أن يدركوا أن فيها نشامى ونشميات أقسموا بالله العظيم على حفظ أمن الوطن وولائهم للقيادة الهاشمية، يعملون في الخفاء، لا يسعون إلى الشهرة أو التصفيق، وإنما إلى حماية الأردن من كل تهديد.

فقد تمكنت الدائرة على مدار العقود الماضية من إحباط عشرات العمليات الإرهابية والتخريبية والتجسسية التي استهدفت استقرار المملكة، وأفشلت محاولات تهريب أسلحة ومتفجرات، وضبطت شبكات كانت تخطط لزعزعة الأمن، ووفّرت لصانع القرار المعلومة الدقيقة في الوقت المناسب.
كم من عملية إرهابية أُحبطت قبل أن تقع؟
وكم من شبكة تجسس تفككت قبل أن تُهدّد أمننا؟
وكم من مخططٍ خبيث جرى وأُجهض في سريّةٍ تامة دون أن يسمع به أحد؟

هذه ليست مجرّد أسئلة، إنما شواهد على أن عيون الوطن لا تنام، وأن في هذه الدائرة نشامى ونشميات أقسموا بالله العظيم أن يصونوا أمن الوطن وولاءهم للقيادة الهاشمية، حيث أن هذه الإنجازات لا تحتاج لمن يتحدث باسمها، ولا لمن يُقارنها أو يُقزّم دورها.

إن من يتصدرون الشاشات ليتحدثوا عنها إنما يسيئون – عن قصد أو عن جهل – إلى مؤسسات الدولة وإلى هيبة العمل الأمني الأردني الذي اشتهر بالاحتراف والانضباط والالتزام بالقانون، فالأمن الوطني ليس موضوعًا للنقاشات الموسمية ولا للمقارنات الشخصية بين مسؤول وآخر، لكنه أكثر من ذلك، هو عقد ثقة بين الدولة ومواطنيها، تقوم عليه جميع المؤسسات، ويشكل جلالة الملك عبد الله الثاني المرجعية العليا في حفظ توازنه وانسجامه.

فكل مؤسسة في الدولة – من الحكومة إلى الأجهزة الأمنية – تؤدي دورها في منظومة واحدة، تكمل فيها كل جهة الأخرى، دون تفاضل أو منافسة.
كفانا جدلاً حول المخابرات العامة، ودعونا نتركها تمارس واجبها الوطني بصمت وكفاءة كما عهدناها.

فالأمن الوطني وسيادته كمنظومة كاملة لا يُصنع أمام الميكروفونات، ولا يُحافَظ عليه بالتصريحات، إنما بالعمل المخلص والانتماء الحقيقي، من حيث كل مواطن ومواطنة في موقعهم.

ومن واجبنا، كمواطنين وإعلاميين وسياسيين، أن نصون هذه المؤسسة ونحترم دورها، لا أن نحولها إلى عنوانٍ للجدل أو مجالٍ للمزايدات الإعلامية التي لا داعِ لها.

قد يعجبك ايضا