
الإخوان بعد التصنيف الأمريكي: أزمة بقاء لا أزمة نفوذ.. محسن الشوبكي
الشعب نيوز:-
خبير أمني واستراتيجي
يمثّل التصنيف الأمريكي لفروع من جماعة الإخوان المسلمين كتنظيمات إرهابية خطوة تعكس تحوّلًا واضحًا في مقاربة واشنطن لملف الإسلام السياسي، من إدارة المخاطر إلى تعطيل البنى التي تمنحه القدرة على الحركة والتمويل. فالقرار لا يستهدف الخطاب الأيديولوجي للجماعة بقدر ما يضرب شبكاتها المالية والتنظيمية المنتشرة في منطقة الشرق الاوسط ، الأمر الذي يعيد فتح النقاش حول مستقبلها كتنظيم عابر للحدود، ومدى قدرتها على الصمود في بيئة أمنية أصبحت أكثر تشددًا. وفي هذا السياق، تتباين التداعيات من دولة إلى أخرى، لكن القاسم المشترك يتمثل في أن الضغط الأكبر قد يقع على الجماعة نفسها، التي تواجه خطر التآكل الداخلي وفقدان مركزية القرار تحت وطأة القيود الدولية المتصاعدة.
وينطلق القرار من تقدير أمني أمريكي يهدف إلى قطع خطوط الدعم المالي واللوجستي التي قد تشكل تهديدًا للمصالح الأمريكية والإقليمية. ويعكس هذا التوجّه رغبة واضحة في تجفيف الحواضن التي تستغل وجودها العلني أو السياسي لتسهيل التمويل أو الدعم غير المباشر، بما يعزز الإجراءات الأمنية القائمة في المنطقة.
ويتجاوز الأثر القانوني والمالي للقرار حدود الولايات المتحدة ليصل إلى النظام المصرفي العالمي؛ إذ تجد البنوك والمؤسسات المالية نفسها تحت ضغط شديد لوقف أي تعامل مع الكيانات المصنفة، خوفًا من فقدان القدرة على التعامل بالدولار، ما يخلق عزلة مالية شبه كاملة ويهدد شريان التمويل الدولي للجماعة. وينعكس هذا التصنيف أيضًا على حركة حماس، التي تُعد من أبرز الفروع المرتبطة بالإخوان، إذ يزيد من صعوبة وصولها إلى التمويل الخارجي ويعزز العزلة الدولية المفروضة عليها، بينما يمنح إسرائيل غطاءً أوسع لتبرير عملياتها ضد الحركة باعتبارها تنظيمًا مصنفًا إرهابيًا من قبل واشنطن. ومع ذلك، لن يكون للقرار أثر مباشر على معظم دول المنطقة باستثناء لبنان، حيث إن هذه الدول تحظر التنظيمات الإخوانية وتحاربها أمنيًا وماليًا واجتماعيًا قبل القرار الامريكي بوصفها شكلت تهديدًا للأمن الوطني لديها، وهو مسار داخلي مستقل لا يرتبط بالقرار الأمريكي.
وفي الأردن، يواجه حزب جبهة العمل الإسلامي تحديًا وجوديًا رغم وضعه القانوني كحزب مرخص. فالدولة تتابع منذ حظر الجماعة أي ارتباطات محتملة بين الحزب والتنظيم المحظور، ما يضعه أمام ضرورة اتخاذ إجراءات قوية وواضحة لعزل نفسه تنظيميًا وسياسيًا عن الإخوان على مختلف الصعد. كما سيجد الحزب نفسه مضطرًا لمعالجة أي ثغرة قد تطرأ في الحاضر أو المستقبل، لضمان استمرار نشاطه وتجنب أي تبعات قانونية قد تضعف حضوره السياسي والاجتماعي في الساحة الأردنية.
أما في لبنان، فيركز القرار على عزل الجماعة الإسلامية عمليًا وأمنيًا داخل بيئة طائفية معقدة، إذ يستهدف قطع خطوط الإمداد والدعم اللوجستي، خصوصًا في الأنشطة العسكرية عبر الحدود. كما يدفع القوى السياسية الأخرى إلى قطع أي علاقات مع الجماعة، تجنبًا للعقوبات الثانوية التي قد تفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد.
ورغم ذلك، فإن الأثر المالي المباشر قد يبقى محدودًا؛ فالجماعة تمتلك خبرة طويلة في استخدام شبكات وطرق ، قادرة على الالتفاف على القيود المالية الدولية . كما قد تلجأ إلى إعادة التموضع السياسي عبر التركيز على الخطاب الدعوي والاجتماعي لتقليل المخاطر القانونية .
ورغم أن القرار يمثل تصعيدًا واضحًا في المواجهة مع جماعة الإخوان المسلمين، فإن أثره العملي قد ينعكس على التنظيم ذاته أكثر من انعكاسه على خصومه. فمع تاريخ الجماعة الطويل في العمل السري مقابل محدودية الوجود العلني، قد تدفع الضغوط المتزايدة بعض شبكاتها إلى مزيد من التشظي والانكفاء التنظيمي الداخلي. وهذا المسار يُضعف قدرتها على ضبط هياكلها، ويعرض مجموعات منفلتة منها لضربات أمنية مباشرة، كما يهدد تماسكها التاريخي كتنظيم مركزي عمره نحو قرن من الزمن، وهو درس تؤكده التجربة المصرية في السنوات الأخيرة. وبذلك قد يصبح التحدي الأكبر الذي تواجهه الجماعة هو الحفاظ على وحدتها وبقائها، أكثر من قدرتها على المناورة أو التأثير في المشهد السياسي.