الشعب نيوز:-
ما يصلح من سياسات وآليات لمعالجة الأزمات في عام 2008 قد لا يصلح في عام 2019، وما طبقته البنوك المركزية العالمية للحدّ من تداعيات الأزمة المالية الحادة التي اندلعت في كل أسواق العالم في 2008 قد لا يصلح لمواجهة أزمة اقتصادية عالمية مرتقبة قد تفوق حدتها تأثيرات كل الأزمات السابقة.
في الأزمة المالية الأخيرة التي اندلعت قبل 11 سنة، اندفعت البنوك المركزية الكبرى نحو اتباع أساليب تقليدية للعلاج، مثل خفض سعر الفائدة، وخفض تكلفة الأموال والقروض لتشجيع الاستثمار، وضخ مليارات الدولارات في الأسواق لمعالجة أزمات نقص السيولة، وتطبيق برامج التيسير النقدي.
كما شملت الحلول تدخل الحكومات والبنوك المركزية لإنقاذ البنوك والمؤسسات المالية والتأمينية الكبرى من مخاطر التعثر المالي، ومنع الجهات الرقابية البنوك من توزيع أرباح على المساهمين، بل والضغط عليهم لضخ سيولة طازجة في القطاع المالي وتقوية رؤوس أموال المؤسسات التي يساهمون بها.
كذلك تم إعطاء أولوية قصوى من قبل السلطات الرقابية لمعالجة ملف الديون المتعثرة والمشكوك في تحصيلها داخل القطاع المصرفي، ومعالجة الأخطاء الناجمة عن مضاربات البنوك المحمومة في أسواق العملات والصرف والمعادن والتي كبدتها خسائر تقدر بعشرات المليارات من الدولارات .
كما تم احتواء أزمات مالية خطيرة، منها فضيحة ”مادوف” التي خسر خلالها القطاع المالي والمصرفي العالمي نحو 50 مليار دولار. وكذا فضيحة السمسار السابق في بنك “سوسيتيه جنرال” جيروم كيرفييل الذي قام بعمليات تزوير سببت خسارة للبنك بقيمة 4.9 مليارات يورو وأحدثت ذعرا في القطاع المصرفي الفرنسي.
ورغم كل هذه الخطوات، إلا أن تداعيات الأزمة المالية العنيفة التي اندلعت في 2008 استمرت لسنوات بعد أن أطاحت بنوكاً كبرى ومؤسسات كانت سمعتها مثل “الجنيه الذهب”، ولها وجود قوي في كبريات الأسواق المالية، مثل ليمان براذرز وميريل لينش وبنك أوف نيويورك وفورتيس وبير ستيرنز وغيرها.
الآن، بات العالم على موعد مع أزمة اقتصادية طاحنة بدأت مؤشراتها تظهر في الاقتصاديات الكبرى، خاصة الأميركي والألماني والصيني وغيرها، إذ بدأت هذه الاقتصاديات تعاني من أزمة ركود دفعت ألمانيا إلى تخصيص 55 مليار دولار لمعالجته، كما اندفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي نحو خفض سعر الفائدة والتلويح بتخفيضات أخرى قبل نهاية 2019، وضخ 150 مليار دولار في الأسواق خلال يومين فقط.
لكن هذه الأساليب التقليدية قد لا توقف زحف الأزمة الاقتصادية المقبلة، وهو ما عبّر عنه الرئيس التنفيذي لمصرف “دوتشيه بنك” الألماني، كريستيان سيوينج، الذي حذر قبل يومين من أن البنوك المركزية استنفدت أدواتها المالية إلى حد كبير وبدأت تنفد خياراتها للتخفيف من تأثير المخاطر الاقتصادية العالمية التي تؤثر على أوروبا.
بل ذهب المصرفي الألماني البارز لأبعد من ذلك حينما قال إن البنك المركزي الأوروبي ونظيره الأميركي وغيرهما ليست لديهم إجراءات تقليدية متبقية لتخفيف حدة حدوث أزمة اقتصادية حقيقية.
المخاطر المالية والجيوسياسية تتزايد في العالم الذي يواجه وضعاً اقتصادياً حرجاً من الصعب التنبؤ بمستقبله، فمنظمة أوبك أبدت أمس مخاوفها من تباطؤ الاقتصاد العالمي، وهناك الحرب التجارية الشرسة بين الصين وأميركا، والمأزق الشديد الذي يواجهه رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بشأن خروج بلاده من الاتحاد الأوروبي “بريكست”.
وهناك مخاطر متصاعدة في منطقة الخليج بسبب الخلاف الخليجي الإيراني، والأميركي الإيراني، وهناك تداعيات ضرب منشأتي النفط السعوديتين على دول المنطقة واسواق النفط العالمي والتي قد تتطور إلى حرب في الخليج إذا ما ثبت أن إيران هي من تقف خلفها، كما تواجه أوروبا مرحلة ركود اقتصادي كبير يسعى البنك المركزي الأوروبي لاحتوائها عبر أدوات تقليدية، منها خفض الفائدة وحزم التيسير النقدي.
وهناك توتر شديد في الأرجنتين وهونغ كونغ وليبيا وفنزويلا واليمن، وجديد الأزمات بدء الكونغرس إجراءات عزل ترامب.
كل ذلك يقول إننا أمام أزمة اقتصادية من نوع خاص، أزمة يصعب احتواؤها بالطرق التقليدية من قبل الحكومات والبنوك المركزية.