كلمة رئيس جمهورية الصين الشعبية شي جينبينغ في مؤتمر إحياء الذكرى الـ50 لاستعادة المقعد الشرعي لجمهورية الصين الشعبية في الأمم المتحدة

459
الشعب نيوز:-

أمين عام الأمم المتحدة السيد أنطونيو غوتيريش المحترم،

أصحاب السعادة السفراء وممثلو المنظمات الدولية لدى الصين،

السيدات والسادة،

الأصدقاء والرفاق:

في نفس اليوم لما قبل 50 عاما، اعتمدت الدورة الـ26 للجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة القرار رقم 2758 الذي ينص على استعادة كافة الحقوق لجمهورية الصين الشعبية في الأمم المتحدة والاعتراف بأن ممثل حكومة جمهورية الصين الشعبية هو الممثل الشرعي الوحيد للصين في الأمم المتحدة. وذلك يعد انتصارا للشعب الصيني وشعوب العالم!

في هذا اليوم الخاص، نجتمع تحت سقف واحد لاستعراض التاريخ واستشراف المستقبل، الأمر الذي يكتسب مغزى خاصا.

تعتبر استعادة المقعد الشرعي لجمهورية الصين الشعبية في الأمم المتحدة حدثا كبيرا في العالم وفي الأمم المتحدة على حد سواء، وجاء ذلك نتيجة للجهود المشتركة من قبل جميع الدول المحبة للسلام والتي تقف إلى جانب العدالة، ويرمز ذلك إلى عودة الشعب الصيني الذي يشكل ربع سكان العالم إلى مسرح الأمم المتحدة، لذا فيكتسب أهمية بالغة وبعيدة المدى بالنسبة للصين وللعالم.

هنا، يطيب لي أن أتقدم نيابة عن الصين حكومة وشعبا، بخالص الشكر والامتنان إلى كافة الدول التي طرحت وأيدت القرار رقم 2758 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبفائق الاحترام والتقدير إلى كافة الدول والشعوب الداعمة للعدالة!

السيدات والسادة والأصدقاء والرفاق!

كانت السنوات الـ50 التي مضت على استعادة المقعد الشرعي لجمهورية الصين الشعبية في الأمم المتحدة، 50 عاما من التنمية السلمية للصين وخدمتها للبشرية.

خلال هذه السنوات الـ50، ظل الشعب الصيني يتمسك بروح الكفاح في سبيل تقوية الذات، ويتحكم في توجه التقدم للصين في ظل التغيرات والتقلبات، مما سجل ملحمة عظيمة لتطور الصين والبشرية. على أساس ما تم تحقيقه في البناء والتنمية منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية، فتح الشعب الصيني مرحلة تاريخية جديدة للإصلاح والانفتاح، حيث نجح في إطلاق وتطوير الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، وعمل على تحرير وتطوير القوى الإنتاجية الاجتماعية ورفع مستوى المعيشة باستمرار، وحقق اختراقا تاريخيا متمثلا في تحويل الصين من التخلف النسبي من حيث القوى الإنتاجية إلى أن تحتل المركز الثاني في العالم من حيث حجم اقتصادها الإجمالي. وحقق الشعب الصيني بيديه وبفضل نضاله الشاق هدف بناء مجتمع رغيد الحياة على نحو شامل في الصين، وحقق انتصارا في حرب مكافحة الفقر، وحققنا نجاحا تاريخيا في التخلص من الفقر المدقع، مما أطلق مسيرة جديدة نحو بناء دولة اشتراكية حديثة على نحو شامل وفتح آفاق مشرقة للنهضة العظيمة للأمة الصينية.

خلال هذه السنوات الـ50، ظل الشعب الصيني يتضامن ويتعاون مع شعوب العالم لصيانة العدل والإنصاف الدوليين، وقدم مساهمة جليلة للسلام والتنمية في العالم. يحب الشعب الصيني السلام ويدرك قيمة السلام والأمان، ويتمسك دوما بالسياسة الخارجية السلمية والمستقلة ويقف إلى جانب الحق والعدالة، ويرفض رفضا قاطعا الهيمنة وسياسة القوة، ويدعم الشعب الصيني بكل ثبات النضال العادل للدول النامية الغفيرة في سبيل صيانة سيادتها وأمنها ومصالحها التنموية. ويعمل الشعب الصيني على تدعيم التنمية المشتركة، من أمثلة ذلك “السكك الحديدية بين تنزانيا وزمبيا” ومبادرة “الحزام والطريق”، ويقدم الشعب الصيني ما في وسعه من المساعدات إلى الدول النامية ويقوم بتوفير فرص جديدة للعالم عبر التنمية الصينية. في الوقت الصعب الذي اجتاحت فيه جائحة فيروس كورونا المستجد العالم، كانت الصين تعمل على تقاسم خبراتها لمكافحة الجائحة مع العالم، وقدمت كميات كبيرة من المواد الوقائية واللقاحات والأدوية إلى دول العالم، وأجرت التعاون العلمي على نحو معمق في تتبع منشأ الفيروس، وظلت تبذل جهودا حثيثة وصادقة من أجل هزيمة الجائحة للبشرية بشكل نهائي.

خلال هذه السنوات الـ50، ظل الشعب الصيني يحافظ على مصداقية الأمم المتحدة ومكانتها، وينفذ تعددية الأطراف، حيث يتعمق التعاون بين الصين والأمم المتحدة يوما بعد يوم. وتضطلع الصين بأمانة بالمسؤولية والرسالة اللتين تحملهما كدولة دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، وتعمل على صيانة مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة والدور الجوهري للأمم المتحدة في الشؤون الدولية. وتدعو الصين بنشاط إلى حل النزاعات سياسيا عبر الطرق السلمية، وقد بعثت أكثر من 50 ألف فرد للمشاركة في عمليات حفظ السلام للأمم المتحدة، وأصبحت ثاني أكبر مساهم في ميزانية الأمم المتحدة وثاني أكبر مساهم في ميزانية حفظ السلام. وحققت الصين قبل غيرها الأهداف الإنمائية للألفية التابعة للأمم المتحدة، وبادرت في تنفيذ أجندة الأمم المتحدة 2030 للتنمية المستدامة، وتجاوزت المساهمة الصينية 70% في الجهود العالمية لمكافحة الفقر. وظلت الصين تلتزم بميثاق الأمم المتحدة وما ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتتمسك بدمج عالمية حقوق الإنسان مع الظروف الواقعية الصينية، وشقت طريقا تنمويا لحقوق الإنسان يتماشى مع تيار العصر ويتميز بالخصائص الصينية، مما قدم مساهمات هامة لتقدم حقوق الإنسان الصينية والقضية الدولية لحقوق الإنسان.

السيدات والسادة والأصدقاء والرفاق!

يتقدم تيار العصر بدون توقف، من يواكبه يزدهر، ومن يعاكسه يعثر. على الرغم من التغيرات والتقلبات التي طرأت على الأوضاع الدولية خلال السنوات الـ50 الماضية، يحافظ  العالم على الاستقرار بشكل عام بفضل الجهود المشتركة من قبل شعوب العالم، حيث ينمو الاقتصاد العالمي بسرعة، ويشهد الابتكار العلمي والتكنولوجي تطورا متسارعا، ويتطور ويتنامى عدد كبير من الدول النامية، إضافة إلى تخلص أكثر من مليار نسمة من الفقر وتقدم مليارات الأشخاص نحو التحديث بشكل متواصل.

في الوقت الراهن، تتطور التغيرات التي لم يشهدها العالم منذ مائة سنة تطورا متسارعا، وتتنامى قوة السلام والتنمية والتقدم بشكل مستمر. في هذا السياق، يجب علينا مواكبة الزخم العام للتاريخ والتمسك بالتعاون والانفتاح والمنفعة المتبادلة والكسب المشترك ونبذ المواجهة والانغلاق واللعبة الصفرية، والرفض القاطع للهيمنة وسياسة القوة بكافة أشكالها، والرفض القاطع لأحادية الجانب والحمائية بكافة أشكالها.

— علينا تعزيز الجهود في تكريس القيم المشتركة للبشرية التي تتمثل في السلام والتنمية والإنصاف والعدالة والديمقراطية والحرية، وذلك من أجل تقديم رؤية توجيهية صائبة لبناء عالم أجمل. يمثل السلام والتنمية قضيتنا المشتركة، ويمثل الإنصاف والعدالة مثلنا العليا المشتركة، وتمثل الديمقراطية والحرية سعينا المشترك. إن العالم متنوع ومتعدد الألوان، والتنوع يولد روعة الحضارة البشرية ويشكل منبع الحيوية والقوة الدافعة للتنمية العالمية. صدق المثل الصيني: “من المستحيل تكوين خصائص فريدة دون الاستفادة من مزايا الآخرين”. ليست هناك أفضلية أو تفوق لحضارة على حضارة أخرى، ولسيت هناك اختلاف بين الحضارات إلا من حيث خصائصها وانتمائها الجغرافي، ولا يمكن تحقيق التقدم إلا من خلال الاندماج، ولا يمكن تحقيق الانتماج إلا من خلال التواصل. إن المقياس الأساسي لتقييم مدى نجاح الطريق الذي تنتهجه دولة ما، هو ما إذا كان هذا الطريق يتناسب مع ظروفها الوطنية ويتماشى مع تيار العصر ويساهم في التنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي والتحسين المعيشي والاستقرار الاجتماعي، وما إذا كان يحصل على الدعم والتأييد من قبل الشعب ويقدم مساهمة في قضية تقدم البشرية.

— علينا التعاون يدا بيد في الدفع ببناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية، والعمل سويا على بناء عالم يسوده السلام الدائم والأمن العالمي والازدهار المشترك والانفتاح والتسامح والنظافة والجمال. تعيش البشرية في مجتمع واحد، ويعد كوكب الأرض دارها المشتركة. فلا يمكن لأي شخص أو أي بلد النأي بنفسه عن الآخرين، فيجب على البشرية التعاضد والتساند والتعاون والتعايش بالتناغم، والمضي قدما بخطوات مطردة نحو إقامة مجتمع المستقبل المشترك للبشرية، والعمل سويا على خلق مستقبل أفضل. إن الدفع بإقامة مجتمع المستقبل المشترك للبشرية لا يستهدف استبدال نظام بنظام آخر، أو استبدال حضارة بحضارة أخرى، بل يسعى إلى تقاسم المصالح والحقوق والمسؤولية في الشؤون الدولية بين دول العالم بغض النظر عن الاختلاف فيما بينها من حيث الأنظمة الاجتماعية والتاريخ والثقافات والمستويات التنموية، بما يشكل قاسما مشتركا أكبر للتعاون في بناء عالم جميل.

— علينا التمسك بالمنفعة المتبادلة والكسب المشترك، والعمل سويا على دفع التنمية الاقتصادية والاجتماعية لخدمة الشعب على نحو أفضل. كما يقول الصينيون القدامى: “يكمن أساس الحوكمة في ضمان معيشة الشعب، وتكمن معيشة الشعب في الرخاء”. تمثل التنمية والرخاء تطلعا مشتركا لشعوب كافة الدول. ولا جدوى للتنمية إلا من أجل الشعب؛ لا قوة دافعة للتنمية إلا بالاعتماد على الشعب. فيجب على دول العالم الالتزام بوضع الشعب في المقام الأول، والعمل جاهدة على تحقيق تنمية بجودة أعلى وكفاءة أكبر، وعلى نحو أكثر إنصافا واستدامة وأمنا. ومن الضروري حل مشكلة عدم التوازن وعدم الكفاية للتنمية، وزيادة التوازن والتناسق والشمولية للتنمية. ومن الضروري تعزيز قدرة الشعب على التنمية، وتهيئة بيئة تنموية يشارك فيها الجميع ويستفيد منها الجميع، وبناء معادلة تنموية من شأنها أن تعود التنمية بالنفع على كل دولة وكل شخص بقدر أكبر وبشكل أكثر إنصافا. وطرحتُ مؤخرا في الدورة الـ76 للجمعية العامة للأمم المتحدة “مبادرة التنمية العالمية” التي تدعو كافة الدول إلى بذل جهود مشتركة لتجاوز التداعيات الناجمة عن جائحة فيروس كورونا المستجد على التنمية العالمية، وتسريع وتيرة تنفيذ أجندة 2030 للتنمية المستدامة، وإقامة مجتمع المستقبل المشترك للتنمية العالمية.

— علينا تعزيز التعاون لمواجهة التحديات المختلفة والقضايا الكونية التي تواجه البشرية. في وجه النزاعات الإقليمية والإرهاب وتغير المناخ والأمن السيبراني والأمن البيولوجي وغيرها من القضايا الكونية، لا يمكن للمجتمع الدولي مواجهتها بشكل فعال إلا من خلال تكوين حوكمة عالمية أكثر شمولية وآليات متعددة الأطراف أكثر كفاءة وتعاون إقليمي أكثر فعالية. إن تغير المناخ هو بمثابة جرس الإنذار الذي تدقه الطبيعة للبشرية. فيجب على دول العالم اتخاذ إجراءات عملية لحماية الحدود الأمنية للطبيعة، وتشجيع الانتعاش الأخضر والإنتاج الأخضر والاستهلاك الأخضر، والدفع بتكوين نمط متحضر وصحي للحياة، وتكوين معادلة تتعايش فيها البشرية والطبيعة بالتناغم، بما يجعل البيئة الإيكولوجية المتميزة منبعا لا ينضب للتنمية المستدامة.

— علينا الحفاظ  بكل حزم على مصداقية الأمم المتحدة ومكانتها، والعمل سويا على تطبيق تعددية الأطراف الحقيقية. إن إقامة مجتمع المستقبل المشترك تتطلب أمم متحدة قوية، وتتطلب إصلاح وبناء منظومة الحوكمة العالمية. فيجب على دول العالم صيانة المنظومة الدولية التي تكون الأمم المتحدة مركزا لها والنظام الدولي القائم على أساس القانون الدولي والقواعد الأساسية للعلاقات الدولية القائمة على أساس مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة. لا يمكن وضع القواعد الدولية إلا بالتشاور بين  الدول الأعضاء الـ193 في الأمم المتحدة، بدلا من قلة قليلة من الدول أو مجموعات الدول، ويجب على كافة الدول الأعضاء الـ193 في الأمم المتحدة الامتثال للقواعد الدولية بدون استثناء ولا يجوز أن يكون هناك استثناء في هذا الخصوص. وينبغي أن تعامل دول العالم الأمم المتحدة كعائلة كبيرة وتقوم باحترامها ورعايتها وحمايتها، ولا يجوز بتاتا استغلالها عندما تكون مفيدة وتركها عندما تكون غير معجبة، وذلك من أجل تفعيل دور اللأمم المتحدة الأكثر فعالية في القضية السامية لتعزيز السلام والتنمية للبشرية. إن الصين على استعداد للتمسك بمفهوم التشاور والتعاون والمنفعة للجميع مع دول العالم واستكشاف أفكار للتعاون وابتكار أنماط جديدة له وتنويع تجارب تعددية الأطراف في ظل الظروف الجديدة.

السيدات والسادة والأصدقاء والرفاق!

إن مشاهد الحاضر تذكّرنا بأيام الماضي، وإن تجارب الماضي تضيئ طريق المستقبل. إن الصين وهي عند نقطة انطلاق جديدة في التاريخ، ستتمسك بالسير على طريق التنمية السلمية وتصون دوما السلام العالمي؛ وستتمسك بالسير على طريق الإصلاح والانفتاح وتساهم دوما في التنمية العالمية؛ وستتمسك بالسير على طريق تعددية الأطراف وتدافع دوما عن النظام الدولي.

“التلال الخضراء تشهد نفس السحابة والمطر، والقمر يضيء البلدات مهما تتباعد بعضها عن البعض”. لنعمل يدا بيد ونقف إلى الجانب الصحيح للتاريخ وإلى جانب تقدم البشرية، ونبذل جهودا دؤوبة في سبيل تحقيق التنمية المستدامة والسلمية للعالم وإقامة مجتمع المستقبل المشترك للبشرية.

شكرا لكم.

قد يعجبك ايضا