أهو مَوت السياحة الداخلية وقَبر أدلاء السيَاح؟! يلينا نيدوغينا*
الشعب نيوز:-
يلينا نيدوغينا*
المرافق السياحية والخدمية وغيرها الكثير، باتت أرواحها تتحشرج جراء الإغلاقات الشاملة وتوقّف الحِراك السياحي وأعمال أدلاء السيَاح، الذين أعدادهم كبيرة، والتزاماتهم المالية اتجاه عائلاتهم أكبر، فلم تَعد الكتلة الرئيسية منهم تستطيع دفع فواتير الماء والكهرباء ولا الإيفاء بغيرها من الالتزامات اليومية من مطلبية مؤسساتية وعائلية واجتماعية، ويبدو أننا كأدلاء سننقطع قريبًا عن أقاربنا وشعبنا والعالم أجمع، فلم يبقَ لدينا حتى نقود لا في جيوبنا ولا “تحت البلاطة” لشحن أجهزتنا الخلوية، ناهيكم، أيها القراء الأعزاء، عن انعدام إمكانياتنا لشراء أقل الطعام والشراب والأدوية لمَن يُعاني من داء دواؤه بعيد المَنال، بات كأنه يَقبع في (آلاسكا) القصية ومجاهل سيبيريا الجليدية ينتظر موته البطيء.
“برنامج الأردن جنّة” كان ناجحًا بامتياز، وحاز على جماهيرية طاغية وشهرة غير مسبوقة لأنشطته السياحية، فقد تم تنظيمه بذكاء ووعي كبيرين فنجح نجاحًا باهرًا شمل المملكة بأكملها، وكان عاملًا رئيسيًا في انفراج أحوال عددٍ واسع من أدلاء السياح والنهوض بمرافق سياحية وخَدمية كثيرة، في زمن تتلاحَق فيه الجوائح الطارئة على وطننا الأردن والبشرية.
نشعر، أن مَن يتمتع بمَكَانِهِ في عمله ولم ينقطع عنه ويواصلُ نشاطه فيه ويتلقى راتبًا ثابتًا، لا يشعر بألمِ وصُدَاع وعَذَاب أولئك أصحاب المهن “الموسمية”، الذين توقفوا عن أعمالهم فجأة وبغير رغبة منهم، ولم يجدوا عملًا بديلًا، وليس في الأفق عندهمُ أي بصيص نورٍ في عمل مُقبِل، ولا لدنو نشاط سياحي ما في (عصر الهجوم الكوروني الفالت من عقالهِ)، بخاصة في زمن شُحِّ الإمكانيات، وقلّة الفُرص، أو لنقل انعدام الفرص تمامًا!
هل تُدرك شركات الخدمات المختلفة أنها عندما تُعلن عن نيّتها قطع خدماتها عن المشتركين، في حال عدم تسديدهم فواتيرها الشهرية الكبيرة ولو لمرة واحدة إنما تزيد الأعباء المُلقاة عليهم قسرًا بسبب الجائحة، فليس كل مَن يتأخر عن دفع قيمة الفاتورة الشهرية لا يريد الدفع، أو يرفض الدفع، بل هنالك أعدادًا “غير قليلة” لا تملك في جيوب بناطيلها أية نقود، إذ قد “يَهل” يوم يَفرض علينا العيش في العراء، في مغرٍ صحراوية وتجاويف جبلية، لنعود إلى كهوف الإنسان الأول الذي كان يبحث عن طريدة ما تسد جوعه في زاوية من بطنه.
في الفلسفة والعلوم الاجتماعية، مَن يَأكل ويَشرب، يعتقد أن الجميع يشبهونه، يأكلون ويشربون ويرقصون ويتمايلون سعادةً وبهجةً وحَكيًا ورَقصًا مثله تمامًا، ومَن يُبعثر نقوده يُمنةً ويُسرى أُسبوعيًا في مطاعم وفنادق وعلى شواطئ البحرين الميت والأحمر، يَرى الناس، كل الناس، بعينيه هو السعيدتين دومًا، ونضرع لله العلي القدير أن يديمهما عليه هكذا دومًا وأبدًا، فالخير يجب أن يَعم الجميع، وندعو المولى أن يوفق الكل، إذ أن جميعنا أبناؤه البررة، وأرواحنا مُلكٌ له وحده، يتحكّم هو وحده بها، فهو الرب المُعين والمُعيل، وهو خالق الأرواح والأجساد ويومنا الحاضر وزمن المُستقبل، وما حياتنا هذه إلا انتظارًا لحُكمِهِ العادل على أفعالنا ونوايانا على هذه الأرض الفانية التي قد تنقلب في ثانية واحدة، لا إثنتين، إلى لا شيء بقنبلة هيدروجينية واحدة لتتناثر أشلاء أجسادنا فنصبح نسيًا منسيًا، وتنتهي ثقافاتنا وحضاراتنا الأرضية، وينتهي الأغنياء مع الفقراء، والقادة والمُعدمين، المجانين والعُقلاء ما بين مجرات الكون اللانهائي.
*كاتبة ورئيسة تحرير (الملحق الروسي) سابقًا بالاردن، ودليل سياحي.