الرداد يكتب: الأحزاب والحزبية الجديدة في الأردن والنزول عن الشجرة

6٬793
الشعب نيوز:-
الدكتور عمر الرداد

رغم كل ما يمكن ان يقال” وهو كثير” حول انطلاقة مسار التحديث في شقه السياسي، الا ان الحراك الحزبي بصورته الجديدة، بعد عمليات التصويب أصبح حقيقة مؤكدة، لا سيما مع التغطيات الإعلامية الواسعة، والتي ربما لا تعكس الأوزان والحجوم التأثيرية الحقيقية للأحزاب التي تم الإعلان عنها او التي تواصل استعداداتها لذلك، اذ تشير كثير من الاحصائيات الى ان عدد المسجلين بهذه الأحزاب بحدود الثلاثين ألفا فقط، وهو رقم متواضع جدا، قياسا بما كان مأمولا، يطرح تساؤلات على الأحزاب جميعها، حول قدراتها على الاستقطاب، وهو ما يعد من أبرز التحديات التي تواجهها.

من الواضح ان هناك مساحات كبيرة من “الشكوك” تشهدها أوساط واسعة من سياسيين، ينتمون الى المعارضة ” المؤقتة او الدائمة” بالتزامن مع كتلة اجتماعية ضخمة تشكل اكثر من ثلثي الأردنيين، وهي كتلة “عابرة” تحجم عن المشاركة في اية انتخابات، بما فيها البرلمانية، لأسباب مختلفة، ولعلّ من ابرز اسباب هذا الاحجام: ان المشهد الحزبي الجديد، وعبر قياداته ورموزه ، لم يقدم لا وجوها ولا برامج ولا أفكار جديدة، بل ان غالبية الأحزاب لا تعرف الا بحزب “فلان وعلان”، ناهيك عن انشغالات وضغوط الحياة لدى الناس، مما يجعل موضوع الحزبية برمته” على الأقل من وجهة نظر الغالبية”  نوعا من الترف وشانا يعني نخبا سياسية طامحة بالاحتفاظ او العودة الى السلطة، ورغم ذلك هناك مساحة اقل لفئة ترى ان هناك بوادر جدية في الحزبية الجديدة، بما في ذلك الدعم الملكي لها، والاشتراطات الجديدة على الأحزاب لا سيما بخصوص مشاركة الشباب والمرأة.

ربما تفسر “الشخصنة” التي تبلورت حتى اليوم هذا التعدد في أسماء الأحزاب، دون ابراز الوجوه الشابة والجديدة المنخرطة في العمل الحزبي، والتي ربما تكون موجودة ولم تتح لها فرص الظهور، فغالبية القيادات وجوه معروفة ما بين “قادة أحزاب تاريخيين، وزراء واعيان ونواب” يبدو انهم لم يتمكنوا تحقيق مقارباتهم في التحديث والتطوير خلال وجودهم في مواقعهم السابقة.

ومع ذلك فان هذه الأحزاب تتقاطع في افكارها وايدولوجياتها، وتبدو الفروق بينها محدودة، اذ تنقسم ما بين احزاب تنتمي للإسلام السياسي بأطيافه، واخرى قومية ويسارية، تحولت من السلفية اليسارية والقومية الى عناوين اجتماعية ومدنية، وأحزاب وسطية تنتمي لتيارات الدولة العميقة، تختلط مفاهيمها بين مرجعيات قومية ويسارية وأخرى تنتمي لفضاءات الإسلام السياسي وابرزها “الاصالة والمعاصرة”.

ليس المقصود من هذا الوصف رسم صورة سلبية للحزبية والأحزاب، فلا بد من النظر للنصف الاخر من الكاس، وكاتب السطور ممن يراهنون على المصداقية والنوايا الحسنة تجاه  الحزبية الجديدة ،رغم العثرات والتحديات الذاتية والموضوعية، لكن المطلوب من الأحزاب ان تدرك حجم التغيرات والتحولات، وتبدا بنفسها بالنزول عن “الشجرة” فالمعارضات العربية تاريخيا ” فشلت” لأنها كانت اقصائية ، لم تطرح مفهوم التشاركية مصطلحا ومفهوما، وربما أسست لمقولات من ليس معي فهو ضدي وعدوي، وهو ما يتجلى اليوم في حوارات عنوانها شيطنة الاخر والتهويل والتهوين، في وقت يفترض تركيز جهودها على استقطاب الناس لبرامجها وليس لشخوصها.

ربما هذا التصور مثالي، ولا يناسب المجتمعات المتحولة، وتكال الاتهامات من هنا وهناك لمن يقوله، لا باس، لكن ما يجب ادراكه لدى كل الأحزاب انه يجب دوما فحص سردية كل حزب فحصا ذاتيا، ما نتحدث به اليوم رغم هز الرؤوس، ربما لا يحظى بقبول عند كثيرين، ولا يتجاوز تأثيره حدود اللحظة التي يقال فيها.

ولان النكتة السياسية توجز الكثير من الروايات سأورد اثنتين من تاريخنا الأردني القريب، الأولى: استأجر حزب اردني عريق صاحب حنجرة مجلجلة، وقيل له نريد صوتك لتهتف لدستور عام 1952 في مسيرة حاشدة، ففعل الرجل، وفي منتصف الطريق توقف عن الهتاف وسال الداعي، هل في دستور 52 زيادة راتب، فقال له الداعي ما هذا …اية زيادة؟!، فانسحب صاحب الهتاف المجلجل من المسيرة” والثانية: يروي المرحوم ليث شبيلات انه كان خطيبا في مهرجان بمجمع النقابات ضد التطبيع، فبكى وبكى معه الجمهور، وقال للجموع: قاطعوا أمريكا وصناعاتها فأموالكم تذهب طائرات للعدو الإسرائيلي تقتل أهلنا في فلسطين، فبكى الجمهور أكثر، وبعد انتهاء المهرجان حدثت ازمة بسبب الزحام أمام فروع مطاعم أمريكية”.

قد يعجبك ايضا