هل تشكّل زيارة الأسد للصّين مسماراً صينياً آخر في نعش النّفوذ الروسي؟
الشعب نيوز:-
علي حماده
طغت على التعليقات السياسية بخصوص زيارة الرئيس السوري بشار الأسد الجوانب المتعلقة أولاً بحالة النظام المزرية سياسياً، اقتصادياً ومالياً، وثانياً بالصراع والتنافس بين الصين ومشروعها المعروف بـ“مبادرة الطريق والحزام” أو “طريق الحرير الجديد”. وبين الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، على خلفية إطلاق مشروع “الممر الاقتصادي” بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا المعروف بـ“طريق التوابل الجديد”. لكن ما غاب عن المراقبين أن الأمر لم يتوقف عند مسألة إنقاذ النظام السوري، وإن نظرياً، من الانهيار المالي والاقتصادي كما روّج، من خلال تفعيل برنامج الشراكة مع الصين في إطار “مبادرة الطريق والحزام ” التي انضمت إليها دمشق العام الماضي.
من دون أن تحقق حتى الآن أي ترجمة على الأرض. فلمن يتمعّن بالنظر إلى الخريطة الجيوسياسية لسوريا أن يكتشف أمراً مذهلاً، ألا وهو أن زيارة الأسد للصين والتوقيع على اتفاقات في إطار الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، هو خطوة صينية جديدة نحو إحكام بكين السيطرة على إرث موسكو الجيوسياسي الذي يتعرض للتآكل السريع منذ أن شنت الأخيرة حرباً على أوكرانيا في 24 آذار (مارس) 2022.
يكفي أن يلقي المراقب النظر بعين فاحصة وعارفة إلى التراجع الخطير الذي تعرضت له روسيا ولا تزال على مستوى النفوذ الخارجي، لا سيما في المدى الحيوي والجوار الأقرب لروسيا الذي يكاد يخرج كلياً من دائرة نفوذها الفعال.
ففي الأشهر القليلة التي تلت شن الحرب على أوكرانيا، كان لافتاً الاصطفاف الحاسم خلف كييف الذي تقدمته بشكل رئيسي الدول التي كانت جزءاً من دائرة النفوذ السوفياتي بين 1945 و1989. وتجلى ذلك بتصلب دول أوروبا الشرقية بمواجهة روسيا، بدءاً من بولندا، وصولاً إلى رومانيا مروراً بجمهوريات البلطيق الثلاث. هذا بالتزامن مع تراجع كبير في القدرة على ترجمة النفوذ التاريخي في كل من جورجيا في القوقاز، وصربيا في البلقان. أما أرمينيا فخرجت كلياً من الدائرة، وتأكد الأمر نهائياً قبل أيام على إثر العملية العسكرية الأذرية التي انتهت بحسم معركة السيطرة على مقاطعة ناغورني كاراباخ المتنازع عليها.
في مكان آخر، تراجع كبير في النفوذ الروسي في جمهوريات آسيا الوسطى السوفياتية السابقة. فقد فشلت روسيا هناك في إبراز نفوذها السابق وإدامته بعدما تعثرت الحرب ضد أوكرانيا، وظهرت ملامح الضعف البنيوي الروسي على مختلف المستويات.
كل ما سبق مهد للصين الطريق لكي تعمل بسرعة على ملء الفراغ الذي تركته روسيا، بدءاً من دول آسيا الوسطى التي عملت كلها على إعادة النظر في سياساتها الخارجية متخلصة من عبء روسيا. وفتحت الباب أمام رفع مستوى الشراكة مع الصين والولايات المتحدة في آن معاً. وبذلك أطلقت الصين سباقاً محموماً مع الأميركيين لوراثة النفوذ الروسي في آسيا الوسطى، أو أقله لتقاسم الترِكة الروسية المتداعية.
إن من ينظر إلى الخريطة النفوذ الروسي السابق بعد حرب أوكرانيا، يكتشف ما يلي: أن الصين انقضت على الإمبراطورية الروسية في آسيا الوسطى تزامناً مع مسارعة أميركا إلى اقتناص حصتها. وفي القوقاز نلاحظ دخول تركيا من خلال أذربيجان المنتصرة بمساعدة أنقرة في حربها مع أرمينيا على خط التركة الروسية، توازياً مع اختراقات تركية في جمهوريات آسيا الوسطى أيضاً بهدف انتزاع ما أمكن من الحصة الروسية المتداعية. أما أرمينيا التي خسرت في النزاع مع أذربيجان المتحالفة مع تركيا، فابتعدت من موسكو لتدخل في دائرة التحالف مع واشنطن.
ما سبق جولة سريعة على ما آلت إليه التركة الروسية في مناطق نفوذها التاريخية للقول إن الانخراط الصيني في سوريا، وبدل أن يأتي على حساب النفوذ الأميركي الفاعل في سوريا والعراق، سينتهي بالقضاء على النفوذ الروسي نهائياً في المدى المتوسط لأسباب عدة: أولها أن روسيا مجبرة على أن تنكفئ في سوريا. والأرض بيد الإيرانيين. ثانيها أن روسيا لا تمتلك القدرات المالية لتشكل رافعة اقتصادية لمنع النظام من الانهيار. وثالثها أن الصين تمتلك أوراقاً إقليمية ثمينة مع إيران والدول الخليجية الفاعلة كالسعودية والإمارات تمكنها ربما من لعب دور فاعل لإطلاق وساطة جدية لإنهاء الأزمة السورية، مع النظام أو من دونه مستقبلاً.
النهار العربي