قصاصات صورة ممزقة.. سعيد ذياب سليم

366
الشعب نيوز:-

حمزة ابن عامين الطفل الوحيد الذي بقي حيا من أسرته ، أخرجوه من تحت الردم ، كانت يد الله تمنع عنه الهلاك، بدا بوجهه الأسمر النحيل و الدهشة تطل من عينيه كأنه انتبه من كابوس، سألوه عن اسمه و أخته ، كان يرتجف لكنه لم يكن يبكي ، يجلس على الردم في انتظار أن تخرج أمه و أبوه و أخته لكنهم تأخروا !
أحد المنقذين يمسح الغبار عن شعره الطويل وآخر يسأل الردم: “في حدا عايش؟ ”
ثم يكرر بصوت أعلى :”في حدا عايش ؟”
لم يجب أحد كأنهم رحلوا و الدار تهالكت على نفسها من شدة الحزن ! غدا ينهض بها حمزة حاملا بندقية و معول.
يُعد أحد “الأضرار الجانبية” التي لا يمكن أن تتجنبها الآلة العسكرية، هذا ما يتشدق به وزراء حرب إسرائيل وبلينكن أيضا بلهجة إنسانية متحضرة جدا !
يا للخديعة ! كم ظننا أننا – تحت مظلة الأمم المتحدة- متساوون في الحقوق و الإنسانية و الحريات العامة لنكتشف أن هتلر ما زال يحكم العالم -بأيدي ضحاياه- و أن هناك عرق متفوق على البشر كافة له ما لآلهة الإغريق القديمة يلهو بأحزان الأطفال يسرق الدفء من أحضانهم ويحطم لعبهم الصغيرة و يعبث بأحلامهم.
بين مجزرتين يلعب الأطفال لعبتهم الأخيرة يغيب بعضهم عن اللعبة القادمة وربما كلهم و وزراء الحرب متفقون أنه لا يمكن تجنب “الأضرار الجانبية” وهم يعلمون -والعالم يعلم- أن قذائفهم الذكية تختار بدقة أكبر ثقل من الأسى الدامي و أن قذائفهم الغبية تصنع المجازر بعشوائية مقصودة .
طفل آخر نحيل له اسم و أسرة و يحمل نصيبه من الجوع و إناء صغيرا ،يقف ينتظر دوره في طابور طويل أمام وعاء الطبخ في ساحة “الأونروا” يَعِدُ نفسه و يأمل أن يحصل على وجبة ساخنة حتى إذا وصله الدور نفذ ما في الوعاء، يقف واجما مذهولا محزونا وقفة ينفطر لها القلب ،هل يعود لأمه بلا شيء؟ وقد تضاعف جوعه بعد أن اشتم رائحة الطعام.
يخرجه من ذهوله صوت أحدهم يدعوه ويسكب في إنائه القليل من حصته- فهم يتحاملون الجوع معا- ،يبتهج قلبه الصغير و يركض باتجاه البيت صارخا: ” ماما حطٓولي ..ماما حطٓولي ” .
ربما يرى الليلة حلما ورديا وليل غزة لا يعلمه إلا الله!
تسمع و أنت ترى هذه المشاهد أصواتا مختلطة دعاء وحوقلة و عويل ، وصوت الريح ونعيق ديك حبش استفزه تحليق طائرة الأباتشي ما هذا الطائر الدخيل؟ يرتفع ضجيجها تقنص الأحياء من بعيد يلعنها الحجر و الشجر و التراب .
تطير حولها المسيرّات وتعلوها طائرات شبحية كشياطين جهنم تلهو بأشلاء الأبرياء .
على الأرض يجتمع حول الشهيد أقاربه جيرانه و أحباءه يودعونه و يحمّلونه تحياتهم لمن سبقوه و أحزانهم و أنهم ينتظرون .
غزة الفتاة الوادعة أصبحت صورة ممزقة يلهو الريح بقصاصاتها المدمٓاة.
أمام هذا كله لا نقول إلا كما قال يعقوب :
( وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ )يوسف (87)
سعيد ذياب سليم

قد يعجبك ايضا