التدخين: بين المرض وإدراك خيارات أفضل

2٬717
الشعب نيوز:-

 

عندما تم التعرف على مخاطر تدخين السجائر في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، افترض الأطباء أن التبغ سيُعامل مثل أي مادة بيئية سامة أخرى، وأنه سيتم سحبه تدريجياً من الأسواق، كما حدث مع مواد مثل الرصاص أو الأسبستوس. اليوم، لا يمكن شراء أنابيب الرصاص أو البنزين المحتوي على الرصاص أو مواد تحتوي على الأسبستوس، لكن بالرغم من ذلك، فإن السجائر التقليدية لا تزال متوفرة في المتاجر المحلية في مختلف دول العالم.
تشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أن استهلاك التبغ يتسبب في أكثر من 8 ملايين حالة وفاة سنوياً، كما أن عدد مستهلكي التبغ من مدخني السجائر التقليدية، ينخفض ببطء شديد، وفقاً للأرقام المسجلة التي تبين انخفاضاً من 1.36 مليار مدخن في عام 2000 إلى 1.25 مليار مدخن فقط في عام 2022، وذلك بالرغم من عقود من العمل المتواصل على مكافحة التبغ.
هنا، يطرح التساؤل نفسه، ما هو الخطأ الذي يتواصل حدوثه لتحقيق مثل هذه النتائج المخيبة؟ وما هي المجالات التي يمكن تحسينها لتحسين النتائج.
يبين عدد من الأطباء أن إضفاء الطابع الطبي على علاجات التدخين يعتبر أحد الأسباب التي تجعل الكثير من الناس يستمرون في التدخين، فيما سيكون الإقلاع عن التدخين أسهل إذا تم اعتباره خياراً استهلاكياً بالأساس، وليس إجراء طبياً.
وفي هذا السياق، فقد ابتكر بعض الأطباء حالة طبية تسمى “اضطراب تعاطي التبغ”، والتي تتراوح أعراضها ما بين: الرغبة المستمرة في الإقلاع عن التدخين، أو الجهود غير الناجحة للتوقف عن استهلاك التبغ، أو الفشل في الوفاء بالالتزامات الحياتية الرئيسية بسبب استهلاكه، أو الاستمرار في الاستهلاك رغم العلم بوجود مشكلة جسدية أو نفسية قد تكون ناجمة عن التبغ أو تفاقمت بسببه.
هذا التصنيف الطبي لاستهلاك التبغ يسمح للأطباء بتصنيف الأشخاص الذين يستهلكون منتجات التبغ التقليدية القابلة للاحتراق كمرضى يحتاجون إلى علاج طبي، ويعتبرونهم أحياناً مدمنين غير قادرين على السيطرة على سلوكهم. في سياق متصل، وفقاً لمركز الإدمان والصحة العقلية في تورنتو الذي يدير عيادة للإدمان على النيكوتين، فإن الاعتماد على النيكوتين (المعروف أيضاً بإدمان التبغ) يشمل عوامل جسدية ونفسية تجعل من الصعب التوقف عن استهلاك التبغ، حتى لو أراد الشخص المدخن الإقلاع، كما أن الأدوية والاستشارات السلوكية يشكلا نوعان رئيسيان من علاج الإقلاع عن التدخين، وكلما زاد الوقت الذي يقضيه الشخص في الاستشارات، زاد احتمال نجاحه في الإقلاع.
مثل هذه التصنيفات والتصريحات تبدو وكأنها تعزز الشعور بفقدان الاستقلالية، وتخلق اعتماداً طويل الأجل على الرعاية الطبية.
الواقع، أن إحدى مشكلات العلاج الطبي للإقلاع عن التدخين هي ما يتطلبه الأمر من المدخنين من حيث اعتبار أنفسهم مرضى يحتاجون لمشورة من متخصصين. كثير من المدخنين لا يعتبرون أنفسهم مرضى، ويشعرون بعدم الارتياح مع الأطباء، وهو شعور تزيد شركات الأدوية في تحفيزه، كونها تشجع الأطباء على وصف أدويتهم من خلال تمويل مؤتمرات الإقلاع عن التدخين.
يخلق هذا النظام فرص عمل للعاملين في الرعاية الصحية وارباحاً لشركات الأدوية، لكن فعالية العلاج والأدوية في مساعدة الناس على الإقلاع عن التدخين محدودة للغاية.
وفقاً لتقارير كوكرين، إذا حاول 100 شخص الإقلاع عن التدخين دون استخدام أية أدوية أو منتجات نيكوتين، سينجح فقط 6 منهم. أما عند استخدام الأدوية، فيتراوح معدل النجاح بين 12-16% مع الفارينيكلين (Champix)، وبين 10-18% مع السيتيسين، وحوالي 9% مع البوبروبيون(Wellbutrin) . وتأتي بعض هذه الأدوية بآثار جانبية غير مرغوبة. أما العلاجات البديلة للنيكوتين مثل اللصقات والعلكة، فتشير تقارير كوكرين إلى أن نسبة النجاح بالإقلاع باستخدامها تتراوح بين 8-9% فقط عند استخدام نوع واحد من العلاج، بسبب توفيرها لكميات قليلة من النيكوتين ببطء شديد.
هذا ويمكن أن تكون السجائر الإلكترونية، مثل غيرها من خيارات الحد من مخاطر التبغ، متاحة لجميع البالغين في متاجر البيع بالتجزئة، مما يسمح بالوصول إليها على نطاق واسع.
وتشير أبحاث أخرى إلى أن العلاج ببدائل النيكوتين يوفر فقط 30% إلى 75% من كمية النيكوتين التي يمكن الحصول عليها من التدخين التقليدي، ومع ذلك، يوصي بعض الخبراء بالاستمرار في تثبيط استخدام أنظمة توصيل النيكوتين الناشئة مثل السجائر الإلكترونية.
هذا أمر مثير للفضول، لا سيما عندما وجدت مؤسسة كوكرين البحثية في عام 2023 أدلة قوية تؤكد أن السجائر الإلكترونية التي تحتوي على النيكوتين، هي أكثر فعالية من بدائل النيكوتين التقليدية في مساعدة الناس على الإقلاع عن التدخين، مقابل ما وجدته دراسات أخرى بأن السجائر الإلكترونية أكثر فعالية بمرتين تقريباً مقارنة ببدائل النيكوتين الأخرى.
غالباً ما يكون تقييم معدلات الإقلاع عن التدخين محيراً، حيث تختلف المعايير المتعلقة بالامتناع أو الإقلاع عن التدخين بين الدراسات ومدة الامتناع التي يتم قياسها وكيفية التحقق من هذا الامتناع. ومع ذلك، تشير تقارير كوكرين إلى أن نسبة النجاح في الإقلاع لدى التحول للسجائر الإلكترونية تتراوح بين 10-19%، وهي نسبة ليست أعلى بكثير من بعض الأدوية.


ومع ذلك، يجب ألا نغفل نقطة أساسية، تتمثل في إمكانية بيع السجائر الإلكترونية، مثل الخيارات الأخرى التي تقلل المخاطر وتوفر النيكوتين بأمان أكبر، في متاجر التجزئة على نطاق واسع، بعكس الأدوية التي تتطلب وصفة طبية ومواعيد مع الأطباء.
بدلاً عن معاملة المدخنين كمرضى، ماذا لو اعتبرناهم مستهلكين واعين لخياراتهم؟ في مثال على ذلك، تجربة المملكة المتحدة، حيث تحول 2.7 مليون شخص بحلول عام 2023 من السجائر التقليدية إلى المنتجات البديلة (السجائر الإلكترونية)، والتي يمكن شراؤها من محطات الوقود أو محلات السوبر ماركت. لم تتمكن أية أدوية للإقلاع عن التدخين من تحقيق تأثير مشابه.
ماذا لو تعاملنا مع المدخنين كمستهلكين واعين دون تضليل بشأن الخيارات المتاحة؟ هذا عكس ما تسعى إليه منظمة الصحة العالمية، حيث دعت إلى حظر السجائر الإلكترونية أو معاملتها كأجهزة طبية في بعض البلدان.
الصحيح اتباعه، أن يتم تجاهل هذه الدعوات، فهناك العديد من البدائل التي تعد أكثر أماناً للتدخين والتي يمكن أن تكون مرضية ومتاحة على نطاق واسع ليختار الناس منها دون تدخل طبي. وفي سياق متصل، فإن الاختيار الأفضل يعتمد على سبب تدخين الشخص وما يبحث عنه من استراحة التدخين، فإذا كان المدخن يدخن بسبب العادة مع فرصة للاستنشاق، فإنه يمكنه التحول إلى السجائر الإلكترونية، التي تعد أكثر أماناً بنحو 20 مرة من التدخين التقليدي، أما إذا كان يحب رائحة وطعم التبغ ويسعى للحصول على طقوس التدخين التي تستغرق 5 دقائق للسيجارة، فيمكنه التحول لمنتجات تسخين التبغ، وهي أكثر أماناً بنحو 10 مرات. وأما إذا كان يريد الحصول على التأثيرات النفسية للنيكوتين، فإن منتجات النيكوتين الفموية مثل أكياس النيكوتين أو التبغ الرطب (السنوس) قد تكون الخيار الأفضل، وهي أكثر أماناً بنحو 100 مرة من التدخين.
يبدو أن الأطباء يعارضون هذه المنتجات التي تعد بدائل أفضل، ربما لأنها تنافس البرامج الطبية أو لأسباب أخلاقية. لقد سمحت دول عديدة بتبني السجائر الإلكترونية أو منتجات التبغ المسخن أو المنتجات الفموية، مما أدى إلى انخفاض ملحوظ في معدلات التدخين، ومع ذلك، يظل هناك معارضة غير منطقية لهذه المنتجات، ربما لأنها تتنافس مع البرامج الطبية للإقلاع عن التدخين.
في عام 2023، عندما أصبحت Zonnic أول منتج لأكياس النيكوتين يباع في كندا، ركزت مجموعات مكافحة التبغ على ثغرة قانونية سمحت للقاصرين بشراء المنتج دون الإشارة للفوائد الصحية التي يمكن للبالغين الذين تحولوا إليها الحصول عليها.
التنظيم الحالي لهذه المنتجات يعتمد على السياسة وليس العلم. في عالم عقلاني، يجب أن تتوفر السجائر الإلكترونية وأجهزة التبغ المسخن والمنتجات الفموية على نطاق واسع، إلى جانب إتاحة المعلومات الصحيحة التي تسمح للمستهلكين باتخاذ قراراتهم بناءً على مزايا كل منتج.
في كندا، يحظر القانون الإشارة إلى أن السجائر الإلكترونية أكثر أماناً من التدخين، وهو حظر غير منطقي يساهم في إزهاق المزيد من الأرواح. بمعلومات دقيقة، يمكن لـ 1.25 مليار شخص يدخنون حالياً اتخاذ خطوات للتحكم في صحتهم والتحول إلى منتجات النيكوتين الأقل ضرراً، مما سيساهم في منع ملايين الوفيات.

قد يعجبك ايضا