صرخة الحرية”سعيد ذياب سليم
الشعب نيوز:-
كنت أظن أن جنوب افريقيا بعيدة عنا، يفصل بيننا صحاري وجبال وغابات ورحلات سفاري قرأنا عنها في كتابات روائيين مثل “ويلبر سميث” ، لكن ما حُفر في الذاكرة ما كتبه “جون برايلي” عندما خط سنة 1987 سيناريو فيلم صرخة الحرية “Cry Freedom” الذي يتحدث عن “ستيفن بيكو” المناهض للتفرقة و التمييز العنصري و صداقته مع الصحفي “دونالد ودز”. “بيكو” الذي أسس حركة الوعي الأسود التي عوّضت الفراغ السياسي بعد اعتقال قادة المؤتمر الوطني الافريقي. على ظهر تلك الأرض اجتمع خليط بشري؛ أغلبية سمراء و أقلية بيضاء من أصول أوروبية هولندية انجليزية برتغالية و نسبة آسيوية هندية صينية و ملونون من أعراق مختلفة، و ثقافات و أديان عديدة و لغات قد يصل تعدادها إلى اثنتي عشرة لغة ، انفرد البيض بالحقوق كافة واتبعوا سياسة الفصل العنصري منذ أن فاز الحزب الوطني في الانتخابات سنة 1948 تلك السنة التي أقامت فيه الحركة الصهيونية الكيان الإسرائيلي على أرض فلسطين المغتصبة. الوقت الذي كانت فيه حكومة الفصل العنصري تهاجم فيه التجمعات العشوائية حول “كيب تاون” والمبنية من الصفيح و الأخشاب و الكرتون والتي كان يقيمها السود لإيواء عائلاتهم القادمة من المناطق البعيدة للبحث عن عمل يستغلهم فيه النظام العنصري كأيدي عاملة رخيصة في ظروف غير إنسانية ويلاحق أبناءهم الذين بدأ يتشكل لديهم الوعي ورفضهم تفوق العنصر الأبيض والمطالبة بحقوقهم بالمساواة و المشاركة في الانتخابات الدستورية التي كانت وقفا على البيض فقط و إطلاق سراح الوطنيين من أمثال “نيلسون مانديلا”، كانت تصلهم عبر المذياع أنباء الصراع في الشرق الأوسط وكانوا يتوقفون قليلا لسماع آخر أخبار المجازر التي لحقت بالفلسطينيين من قبل الدولة العنصرية إسرائيل التي أقيمت غصبا على أرض فلسطين. لا بد أن أخبار المجازر كانت تثير فيهم مشاعر الأخوة الإنسانية و التقارب بينهم و بين ذلك الشعب الذي يكابد نفس العناء الذي يواجهون. في سنة 1991 بدأ الحزب الوطني بتفكيك سياسة الفصل العنصري لتصل جمهورية جنوب افريقيا إلى ماهي عليه اليوم دولة حديثة ترفع هامتها بكل فخر و وعي سياسي تشارك فيه و من خلال الأمم المتحدة و جمعياتها و منظماتها بل و تمد يدها للشعوب مهضومة الحقوق. مصادفة تاريخية أخرى بما تحمله سنة 1991 من دلالة ، في تلك السنة بدأت المفاوضات السرية بين منظمة التحرير الفلسطينية و إسرائيل فيما يسمى معاهدة أوسلو التي تم توقيعها سنة 1993 في نيويورك والتي أسفرت فيما بعد عن غزة أريحا أولا …و أخيرا . و أسفرت أيضا عن سلطة فلسطينية تلعب بها إسرائيل كالدمية و تراها بمعزل عما يحدث في الشارع الفلسطيني. ليأتي العدوان الأخير على غزة و ما تواجهه من إبادة جماعية تمثل بقتل للمدنيين و تدمير للمنشآت السكانية و البنية التحتية و المرافق الحيوية لدفع السكان للهجرة التي لم تنجح فيها إسرائيل حتى الآن. في الوقت الذي وقف فيه الأعراب مشدوهين في انتظار هِبة أمريكية لإدخال المساعدات الإنسانية بادرت جنوب افريقيا بتقديم شكوى أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي متهمة إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية لفلسطينيي غزة .الدعوة التي وصفت فيها. “بلين ني غرالاي” المحامية الإيرلاندية و إحدى أعضاء الفريق القانوني قائلة: أول إبادة جماعية في التاريخ يتم بثها في الوقت الفعلي(على الهواء). أيدت جنوب افريقيا في دعوتها عدد من دول العالم من بينها جامعة الدول العربية و منظمة التعاون الاسلامي وبعض دول أمريكا اللاتينية و افريقيا و أسيا في الوقت الذي رفضتها الولايات المتحدة و بريطانيا و الاتحاد الأوروبي و سارعت ألمانيا بالدفاع عن اسرائيل بما تحمله على كاهلها من إبادة لليهود في الوقت الذي صمتت فيه روسيا و الصين. وقضية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل ذات شقين: فهي تريد من المحكمة أن تتهم إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية وأن تصدر حكما بإنهاء حملتها العسكرية في غزة. ربما تحتاج المحكمة سنوات لمناقشة قضية الإبادة الجماعية و أما أن تستجيب إسرائيل للمحكمة -إذا صدر- بوقف الحرب فهذا يحتاج منا أن ننتظر لنرى! لكن لأول مرة تشارك إسرائيل في جلسات محكمة العدل الدولية بفريق يقوده نائب المدعي العام في وزارة العدل الاسرائيلي “غيلاد ناعوم ” ، خوفا لربما من زوال المظلمة التي سمحت بقيام إسرائيل بعد ما تعرض له اليهود من إبادة من قبل النازيين. هل سنسمع الشارع الفلسطيني صارخا ” أماندلا نويثو” Amandla! Ngawethu القوة ! لنا! تلك الصرخة التي استخدمتها الجموع السوداء في تظاهراتها ضد التمييز العنصري أم نقرنه بندائنا الله أكبر ! فلعل و عسى أن يفعل ذلك فعل السحر في المستقبل القريب و يجلب الحرية؟