شعبُ لبنان منقسم.. بين ساحتي الحرب والسهر

5٬979
الشعب نيوز:-
بالتوازي مع الأحداث المأسوية التي تشهدها المنطقة الجنوبية،وسط استهدافٍ طال المدنيين مع خرق العدو الإسرائيلي لقواعد الإشتباك، تشهد المناطق البعيدة عن الجنوب اللبناني مشهدية أخرى، تتمثل بحفلات فنية أشعلت شوارع العاصمة، بدءًا من عيد الحب، وصولاً إلى الحفلات الفردية التي يحييها الفنانون العرب، طمعًا بالإدارة اللبنانية المهنية، التي غالبًا ما تؤمن للأعمال الفنية قاعدة انطلاق استثنائية.

وخلال الأيام القليلة الماضية، اشتعلت مواقع التواصل الإجتماعي بردود فعل عنيفة، تعليقًا على اللامبالاة التي وصل إليها قسم من الشعب اللبناني،الذي وبحسب الناشطين، لم يقدّر هؤلاء التضحيات التي يقدمها أهالي الجنوب، خصوصًا بعد مجزرة النبطية، التي راح ضحيتها 7 شهداء جلّهم من النساء والأطفال، واصفين إيّاهم بأنّهم يتواجدون على كوكب آخر كليًا.
حلبة الإنتقادات، والمناوشات بدأت شرارتها تحديدًا خلال سهرة رأس السنة، وارتفعت حماوتها مع عيد الحب، وذلك خلال إحياء عشرات الحفلات التي كانت شبه مكتملة بالعديد من المناطق، لتنفجر ساحة مواقع التواصل الإجتماعي منذ 4 أيامٍ تقريبًا، عقب إحياء فنّان سوريّ صاعد حفلاً في وسط بيروت، حضره الآلاف من المعجبين، إذ اتهم الناشطون عبر منشورات لهم الفنان والإدارة التي نظّمت الحفل بعدم إعطائهم أي أهمية لما يحدث في الجنوب، لحدّ أن وصلت الأمور إلى تقسيم لبنان إلى لبنانين، وكأنّ البلد يحمل المزيد من التقسيم؛وأبدى هؤلاء عتبهم الأكبر على الحضور، الذين من المفترض أن يكونوا إلى جانب أهلهم في الجنوب، وتقدير دماء الشهداء التي تسقط على الجبهة، خاصة الشهداء المدنيين الأبرياء بدل الإحتفال علناً، حيث تم توجيه رسائل العتب بشكلٍ خاص إلى “البلوغرز”، أي المؤثرين عبر مواقع التواصل، إذ أُجبر العديد من المشاهير منهم على حذف منشورات كانوا قد ظهروا بها خلال تواجدهم بالحفل من صفحاتهم الخاصة؛ لا وبل عمد البعض منهم إلى تدارك الأمر، ونشروا مقاطع فيديو توجهوا من خلالها بالإعتذار إلى شعب الجنوب، خاصةً وأن حادثة النبطية لم تلتئم جراحها بعد..

المتعهدون: هذا مصدر رزقنا

في مقابل مشهدية الإنتقاد، يدافع المتعهدون عن أعمالهم، التي بحسب تعبيرهم تعتبر مصدر رزقهم الوحيد، إذ لا إمكانية للقضاء على قطاع كامل طالما أن الوضع الأمني يسمح بذلك.

بهذا السياق يقول أحد المتعهدين : أن “لبنان يُعتبر معقل الحفلات العربية، إذ بظل المنافسة القوية التي برزت مؤخرًا في الدول الخليجية، يرى الفنانون العرب في لبنان ساحة مستقلة، ومختلفة تمامًا عن أي ساحة أخرى، نظرًا إلى النجاحات الإستثنائية التي حققوها في هذا البلد، أو لناحية التنظيم، والجمهور الذي يعتبر من أوفى الجماهير للفنانين العرب”.

ويضيف:” لا نستطيع في الوقت الحاضر أن نتخذ قرارًا يقضي على أكثر من 20 ألف عائلة تعتاش من هذا القطاع، وهذا الأمر يعتبر كسلسلة مترابطة، تبدأ من الفنان، وتنتهي بأصغر عامل يكون متوجدًا على أرض الحدث ويساهم بإنجاحه.

ويشدّد المتعهد على أن الفنان يتواجد على الأرض كي ينقل الرسالة، ولا ضيم بالقول أن رسالته في العديد من الأحيان، خاصة خلال الفترة السابقة، كانت تسلط الضوء على المجازر التي ترتكب بحق أهلنا داخل فلسطين.. ومنبره قد يكون له اليد الطولى بالتأثير أكثر من أي صورة من صور التضامن الأخرى”.

ولا يخفي في الوقت نفسه خوف الفنان المستقبلي لناحية علاقته مع الشركات المنظمة، إذ يحرص على ضمان استمرار الهدوء بالعلاقة التي تجمعه بها، هذا عدا عن البنود الجزائية التي تكون مفروضة ضمن العقود، والتي تضع الفنان أمام خيار صعب في حال ازداد الضغط عليه.

الحياة ستستمر

من جانبها، ترى المرشدة الإجتماعية أماني ظاهر أن ما يحصل على أرض الواقع هو نتيجة طبيعية لشعوب تعيش وسط الحرب، ولشعوب أخرى لا تكترث لما يحصل، أقلّه لأنّها تحمّلت الكثير، حسب تعبيرها.

وترى ظاهر، بأنّ هؤلاء، أي الطرف الذي يؤيّد إقامة الحفلات خلال فترات الحرب، هم على الأرجح يحاولون أن يبتعدوا عن الواقع بطريقة أو بأخرى، إذ إنّهم يعمدون إلى طمس ذاكرة نهر الدماء الجارف الذي رأوا أبشع صوره خلال الأشهر الماضية، وهذا ما قد يدفعهم للإنتقال من حالة الواقعية التي يعيشونها إلى حالة إنكار الواقع، وإن لساعات قليلة تهيمن عليها الموسيقى، والضجة، والفرح..”.

وعلى خطّ الموازنة بين التضامن، وضرورة إتمام العمل، تؤكّد ظاهر أنّ هذه الإشكالية لن يتم فكّ لغزها، إذ إن الصراع بين المتضادات سيستمر، ومهما برّر الفنان موقفه، فإن حلبة الصراع هذه ستبقى مشتعلة دائمًا؛ مع العلم أن أغلب الفنانيين قدموا أرباح حفلاتهم بشكل كامل لإغاثة سكان غزة، كرسالة تضامن من رحم مهنتهم.
وعليه، ما حصل خلال الأيام الماضية في لبنان يختصر جملة الإنتقادات التي طالت الفنانين الذين أحيوا حفلاتهم في كافة البلاد العربية.. منهم من أعطى رأيه بشكل مباشر وقال “أنني مضطر”، ومنهم من وجّه رسائله بشكل غير مباشر عبر تبرّعه بأرباح الحفل، ومنهم من اكتفى بتوجيه رسالة تضامن سريعة في بداية الحفل، واستكمل ليلته بشكل عاديّ.. إلا أن السؤال الأكبر يبقى: هل يجب أن نتفهم حقوق الفنان وضرورة الحفاظ على مصدر رزقه ورزق الآلاف معه، أم يجب أن يضحي في سبيل التضامن مع الأحداث المفصلية الحاصلة.. وهل من واجب الفنان أن يتحمل وحده وزر بثّ أجواء الرفاهية وسط السوداوية التي نعيشها؟!
نعتقد أّنّه في كلّ شيء جواب إلا في هذا السؤال!

قد يعجبك ايضا