في ربع قرن.. السياستان النقدية والمالية ركيزتا استقرار الاقتصاد الوطني

2٬435
الشعب نيوز:-

لم يكن الأردن بمعزل اقتصادي عن الطوارئ التي تضرب الاقتصاد العالمي أو عن الأزمات التي تهب في دولة وتبرد بدولة مجاورة في الإقليم، لكن كان  للفلسفة العتيدة للسياستين النقدية والمالية دورًا وقائيًا أضفى منعة حمائية على الاقتصاد الوطني.

وكان الأردن قد حقق إنجازًا هامًا لم يتحقق منذ عقدين ماضيين؛ تمثل برفع وكالة موديز التصنيف الائتماني السيادي للأردن من B1 إلى Ba3 مع نظرة مستقبلية مستقرة، في وقت تلاحق فيه أنياب الأزمات العالمية والإقليمية اقتصادات الدول لتقضم ملاءتها المالية وتزعزع استقرارها الاقتصادي.

التدخل الاستباقي البنك المركزي والحكومة وهما ركيزتا الاستقرار النقدي والمالي، وقد حافظا على استقرار الاقتصاد وعبرتا فيه إلى بر الآمان؛ من أزمات جائحة كورونا وارتفاع أسعار الطاقة والغذاء عالميًا، إلى جانب تحديات الصراع العسكري.

نهج السياسات النقدية والمالية قد لا يتناسب مع تطلعات الشارع، لكنه عمليًا تفوق بقياس ثقل الضربات التي هزت اقتصادات كبرى الدول في كبح جماح الأزمات التي تجلت عنها؛ ما يغلّب البحث في تساؤلات حول سيرورة التطور لهذين الجاهزين منذ 25 عامًا مع تولي جلالة الملك عبدالله الثاني سلطاته الدستورية في 1999؟.

  • السياسة النقدية ــ

يقول الخبير في الاقتصاد السياسي، زيان زوانة، إن السلطة النقدية تسلم قيادتها 3 محافظين للبنك المركزي منذ تولي جلالة الملك عبدالله الثاني الحكم، بان فيها دور السياسة النقدية كركيزة أساسية للاستقرار والتطوير لمواكبة الثورة التكنولوجية.

واضاف لـ أخبار حياة، أن الأردن واجه منعطفات وصدمات خارجية وداخلية، لكن البنك المركزي كان ركن المهنية والأمن بمفهومه الشامل عبر تنفيذ إجراءات حدت بشكل كبير من الأثر الضخم للأزمات المتتابعة.

“نذكر احتلال العراق وما لحقه من توقف المنحة النفطية وتراجع التصدير، ما شكل ضغطًا على الأردن تبع ذلك الأزمة الاقتصادية العالمية التي أوقعت عشرات البنوك في العالم وغيرها من الأزمات الكثيرة، لكن بقيت بنية الجهاز المصرفي الأردني في مأمن كامل ولم يتعرض أي بنك لأي أثر سلبي، ما أكسب الأردن ثقة محلية وإقليمية وعالمية”، وفق زوانة.

وتابع: “نسطيع القول أن السياسة النقدية شكلت نقطة ارتكاز للتعامل مع كثير من الصدمات التي نشبت منذ بداية الألفية ولم تنتهِ حتى الآن، حيث سعى البنك المركزي للمحافظة على منعة السوق النقدي والمصرفي لضمان عبور سليم من خلال الصدمات”.

  • عبور آمن ــ

وتحدث زوانة عن الصدمات الخارجية في السنوات الأخيرة، كأزمة جائحة كورونا التي كانت فيها السياسة النقدية خير معين للأردن، إذ اتخذ البنك المركزي الأردني قرارت استباقية عن نظرائه في العالم، ومنها وقف تسديد قروض المقترضين أفرادا وشركات، وخفض سعر الفائدة كما خَفّضَ نسبة الاحتياطي النقدي الإلزامي المطلوب من البنوك.

وزاد: “إضافة لرصد قرابة ملياري دينار كتسهيلات منه للقطاعات الاقتصادية بسعر فائدة 2% وذلك للمحافظة على دوران عجلة الاقتصاد وحمايته من أزمة داهمت العالم كله وهي كورونا”.

وسببت ارتدادات جائحة كورونا انكماش الاقتصادات العالمية المتقدمة بنسب مرتفعة، فيما كان نصيب الاقتصاد الأردني أدنى نسبة انكماش بلغت 1.5%، لتتزامن معها صدمة حرب أوكرانيا لتعصف الصدمتين بسلاسل الترويد ما رفع أسعار كثير من السلع والمواد خاصة الغذائية.

وعرّج زوانة على صدمة رفع سعر الفائدة العالمي وارتفاع معدل التضخم في العالم بنسب تجاوزت 10% في بعض البلدان الغربية المتقدمة وبلدان الإقليم، ما أضعف عملات بعض الدول وخفّض مستوى حياة شعوبها، كما أبطأ نمو اقتصاداتها  في الوقت الذي حافظ فيه البنك المكرزي على استقرار سعر صرف الدينار الأردني ليكون الأردن أقل نسب العالم تقريبًا في نسبة التضخم التي لم تتجاوز 4% وذلك من خلال تعاونه الحكومة.

يتفق الخبير الاقتصادي والمالي، زياد الرفاتي، أن استقرار سعر صرف الدينار الأردني  وجاذبيته كوعاء ادخاري؛ هدف السياسة النقدية، إذ لم يتعرض سعر الصرف  لهزات تؤثر على قيمته طوال 25 عاما وانعكس استقرار الدينار على الاستقرار  المالي والاقتصادي والنقدي للمملكة واستقطاب الاستثمارات  الذي يعزز القطاعات الاقتصادية المختلفة وصمود الاقتصاد الأردني أمام الصدمات الخارجية.

  • السياسة المالية ــ

اتسمت السياسة المالية في الأردن بالاستقرار والثبات في 25 عامًا الماضية، وهذا يدلل على مستوى الاستقرار المالي رغم التحديات والأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية الصعبة.

ويؤكد الرفاتي، أن الأزمات التي عصفت بالإقليم والعالم خلال نصف قرن أثرت لا محالة على المالية العامة والاقتصاد الأردني، وحركة التجارة البينية مع الأسواق المجاورة، إلا أن الحكومة استطاعت تجاوزها بالاجراءات والتدابير المالية وبرامج الاصلاح الهيكلي وتطبيق سياسات اقتصادية تتفق مع فلسفة صندوق النقد الدولي لجعل آثارها ضمن الحدود الدنيا.

ويقول لـ أخبار حياة، إن الاستقرار المالي نتاج للحالة الفريدة من الاستقرار السياسي التي تعيشها المملكة منذ نشأة الدولة الأردنية والذي تتمثل أركانه بسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان وكرامة المواطنين ودولة القانون والمؤسسات وترسيخ الحياة السياسية والحزبية والبرلمانية وتنفيذ خطة التحديث السياسي .

“وقد ظهرت نتائج تلك السياسة في مجابهة الطوارئ والتقليل من آثارها وحصرها وأخرها جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية والحرب على غزة، ورغم تلك فقد استمر الأردن في الاحتفاظ بالمكانة والاحترام العالمي لخدمة مصالحه وثقة مؤسسات التمويل العربية والدولية بالاقتصاد الأردني والحصول على تصنيفات ائتمانية جيدة والقدرة في الحصول على التمويلات اللازمة من الأسواق المالية الداخلية والخارحية”، بحسب الرفاتي.

  • تطور الأداء ــ

وأوضح الخبير الرفاتي أن أداء السياسة المالية تطور منذ تسلم جلالة الملك عبد الله الثاني مقاليد الحكم بالإدارة الحصيفة لأدوات السياسة  المالية بتحفيز النمو الاقتصادي من خلال زيادة الانفاق الرأسمالي والاستثماري في الموازنة العامة ورفع كفاءة الانفاق وتنمية الإيرادات”.

وبين أن الحكومة ضبطت العجز كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي ضمن المستويات المقبولة،  وطورت  السياسات الضريبية وتوقفت عن فرض ضرائب جديدة، وركزت على مكافحة التهرب والتجنب الضريبي التي كانت نقطة فارقة في أداء السياسة المالية، وإدارة الدين العام  بالحصول على قروض ميسرة أو بتكلفة منخفضة رغم ارتفاع الدين لعوامل خارجية منها أزمة الربيع العربي والحرب على العراق وفي سوريا وانقطاع الغاز المصري واللجوء السوري والتي شكلت جميعها عوامل ضغط على الموازنة العامة وإيرادات الخزينة.

  • تناغم السياستين ــ

يرى الرفاتي أن السياسة المالية مكملة للسياسة النقدية ومتناغمة معها؛ وتسيران جنبا الى جنب ولا ينفصلان، ودلالات ذلك استقرار سعر صرف الدينار الأردني وجاذبيته كوعاء إدخاري؛ وهو الهدف للسياسة النقدية، إذ لم يتعرض سعر الصرف لهزات تؤثر على قيمته  طوال  25 عاما ماضية وانعكس استقرار الدينار على الاستقرار  المالي والاقتصادي والنقدي للمملكة واستقطاب الاستثمارات  الذي يعزز القطاعات الاقتصادية المختلفة وصمود الاقتصاد الأردني أمام الصدمات الخارجية.

“واحتفاظ البنك المركزي الأردني باحتياطي أجنبي يوازي 19  مليار دولار يساهم  في استقرار سعر الصرف  واحتواء الضغوط التضخمية وعدم انفلاتها لتبقى معدلات التضخم ضمن حدودها المقبولة وقد حافظت معدلات التضخم  في الأردن على مستوياتها المقبولة مقارنة مع دول أخرى، مما يظهر فعالية السياسة النقدية التي ينتهجها البنك المركزي في تعزيز الاستقرار النقدي في المملكة والسيطرة على التضخم والذي يصب في النهاية في تحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي”، وفق الرفاتي.

وشدد على أن السياستين المالية والنقدية  لهما دور بارز  في  رؤية التحديث الاقتصادي تجاه التطلعات المستقبلية للاقتصاد الأردنيح استمرارًا لدورهما  الكبير  والمؤثر في الحقبتين الحالية والماضية.

ولفت إلى أن الحكومة اتخذت بعض القرارات لمواجهة الصدمات كان منها تحديد سقف لأجور شحن البضائع المستوردة لأغراض تحديد الرسوم الجمركية، ووقف تصدير وإعادة تصدير بعض المواد كالأرز والزيوت النباتية، وذلك ليتحقق الأمن الاقتصادي والاجتماعي الأردني.

واتفق خبير الاقتصاد السياسي زوانة مع ذهب إليه الخبير الرفاتي، حيث أكد أن “الحكومة اتخذت بدورها تدابير لمواجهة الصدمات كان منها تحديد سقف لأجور شحن البضائع المستوردة لأغراض تحديد الرسوم الجمركية ، ووقف تصدير وإعادة تصديربعض المواد كالأرز والزيوت النباتية ، وذلك ليتحقق الأمن الإقتصادي والإجتماعي الأردني”.

قد يعجبك ايضا