”العجارمة يكتب ”شراء المقاعد في القائمة الانتخابية ممارسة ديمقراطية أم جريمة تزوير لإرادة الناخبين؟ .
الشعب نيوز:-
د. نوفان العجارمة (رئيس ديوان تشريع ورأي أسبق)
طالعت في الأيام الماضية ما نشر حول قيام بعض الأحزاب باعتماد المال كأساس لترتيب الأسماء في القوائم الانتخابية الحزبية، وإن صح ما نشر، فإن هذه الممارسة جريمة فساد يعاقب عليها القانون، وتشكل تزويراً لإرادة الناخبين، عدا عن الأبعاد السياسية الكارثية لهذه الممارسة والتي من شأنها أن تجهض عملية الإصلاح السياسي وتؤدها في مهدها.
وفي هذا الصدد، نود توضيح ما يلي:
أولاً: التزوير الانتخابي هو مدرسة لها خُبراؤها و اختصاصيها، ويمارس التزوير لدى المعارضة والمولاة على حد سواء، وتأخذ وسائل وتقنيات التزوير الانتخابي أكثر من (20) صورة أو شكل، في دول العالم، أقلها استعمالاً هو التزوير المادي من خلال إساقط الأوراق في الصناديق أو إضافة أصوات لمرشح ما أو إنقاصها، أو سرقة الصناديق أو تغيير المحاضر أو التلاعب بالنتيجة .. وغيره.
ثانياً: تزوير إرادة الناخبين هو سياق طويل ومتداخل، يتضمن مجموعة من الوسائل غير المشروعة تبدأ من تشكل القوائم وتقديم طلبات الترشح وانتهاءً بإعلان النتائج، فالنظام الانتخابي – وإن كان جيداً – يفرز أشخاصاً يفوزون بالانتخابات، ليس لأنهم الأكثر حضوراً أو شعبية، بل لأن لديهم الوسائل المالية للتحكم في الماكنة الانتخابية، وقد فتحت هذه الماكنة الباب على مصراعيه لما يسمى بالرشوة الانتخابية، والتي تتمثل بشراء المقعد الانتخابي من خلال فرض أصحاب المال أنفسهم في الدخول في القائمة الحزبية والحصول على ترتيب متقدم فيها لضمان الفوز والحصول على المقعد النيابي، لاسيما القوائم التي تؤلف بناءً على تحالفات صورية أو مصطنعة لضمان فوز بعض أعضائها وحسم نتائج الانتخابات قبل إجرائها، الأمر الذي يفرغ عملية الانتخاب من مضمونها كوسيلة ديمقراطية لإسناد السلطة، وتولي المناصب العامة.
ثالثاً: بالرجوع الى النظام القانوني الأردني، نجد ما يلي :
تنص المادة (16/أ/9) من قانون النزاهة ومكافحة الفساد رقم (13) لسنة 2016 على: أ. يعتبر فساداً لغايات هذا القانون ما يلي: …. 9. جرائم الفساد الواردة في الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها المملكة.
صادق الأردن في عام 2004 على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، والتي تنص في الفقرتان (2) و (3) من المادة (7) منها على: 2. …. تنظر كل دولة طرف أيضاً في اعتماد تدابير تشريعية وإدارية مناسبة، بما يتوافق مع أهداف هذه الاتفاقية ووفقاً للمبادئ الأساسية لقانونها الداخلي، لوضع معايير تتعلق بالترشيح للمناصب العمومية وانتخاب شاغليها. …. 3. تنظر كل دولة طرف أيضاً في اتخاذ التدابير التشريعية والإدارية المناسبة، بما يتسق مع أهداف هذه الاتفاقية ووفقاً للمبادئ الأساسية لقانونها الداخلي، لتعزيز الشفافية في تمويل الترشيحات لإنتخاب شاغلي المناصب العمومية وفي تمويل الأحزاب السياسية، حيثما انطبق الحال.
كما صادق الأردن في عام 2012 على الاتفاقية العربية لمكافحة الفساد بموجب قانون التصديق على الاتفاقية العربية لمكافحة الفساد رقم (21) لسنة 2012، وقد جرمت المادة (4) من هذه الاتفاقية الرشوة في الجمعيات والمؤسسات المعتبرة قانوناً ذات نفع عام، وجرمت أيضاً الرشوة في القطاع الخاص.
والاتفاقية الدولية المصادق عليها تسمو على التشريع الوطني ولها الأولوية في التطبيق إذا ما تعارضت مع التشريع الداخلي.
وقد جرم المشرع الأردني الرشوة في المواد (170 الى 173) من قانون العقوبات سواء قام الشخص بعمل محق أو غير محق إذا طلب أو قبل لنفسه أو لغيره هدية أو وعداً أو أية منفعة أخرى ليقوم بعمل حق بحكم وظيفته.
رابعاً: حاصل القول نجد بأن:
شراء المقاعد في القائمة الحزبية يشكل رشوة بالمعنى القانوني، وهذا الفعل مجرم بموجب الاتفاقية الدولية، وكذلك كما جرمت المادة (23) من قانون النزاهة ومكافحة الفساد رقم (13) لسنة 2016 جرائم الفساد غير المحددة لها بعقوبة معينة بعقوبة قد تصل إلى (3) سنوات سجن، كما هو الحال، في جرائم الفساد الواردة في الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها المملكة حيث نصت تلك المادة على: “دون الإخلال بأي عقوبة أشد ورد النص عليها في أي تشريع آخر يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن أربعة أشهر أو بغرامة لا تقل عن خمسمائة دينار ولا تزيد على خمسة آلاف دينار أو بكلتا هاتين العقوبتين كل من ارتكب أياً من الأفعال والتصرفات المنصوص عليها في المادة (16) من هذا القانون وفي حال التكرار يضاف للعقوبة نصفها.”
يعتبر الحزب مشمول بنص التجريم، فهو شخص اعتباري ذات نفع عام وتساهم الدولة بتمويل جزء من نفقاته، وتعتبر أمواله أموالاً عامة بموجب المادة (2) من قانون الجرائم الاقتصادية رقم (11) لسنة 1993، ولو افترضنا أيضاً بأنه قطاع خاص فهو مشمول بنص التجريم الوارد في الاتفاقية الدولية.
وأخيراً، نجد بأن النمو الكبير لرؤوس الأموال الخاصة، وتزايد جماعات المصالح، وتنوع الطرق التي تستخدمها في التأثير في العملية الانتخابية من أجل تحقيق مصالحها، نجم عنه زيادة تكاليف العملية الانتخابية، وهذا بدوره أدى إلى عزوف العديد من أصحاب الكفاءات عن الترشيح، والقضاء على تكافؤ الفرص بين المرشحين، لمجرد كونهم غير قادرين على تحمل مثل هذه النفقات، وهذا لا يشجع المواطن على الاقتراع والاهتمام بالشأن العام وبالتالي الانكفاء على الذات، وخصوصاً في ظل أوضاع معيشية صعبة، وانعدام الوعي لدى عامة الناس عن أهمية الانتخابات، ولأهمية دور الناخب في اختيار من ينوب عنه في ممارسة السلطة، وهي كلها عوامل تشجع شراء الأصوات وتسهل الرشوة الانتخابية.
وقد أثبتت الممارسات العملية للقواعد الديمقراطية أن وجود ثقافة سياسية واعية لدى جمهور الناخبين يعد أفضل ضمانة لنجاح العملية الانتخابية، ولإجهاض أية محاولات لجعل المال هو سيد الموقف.