أيام الماعز.. سعيد ذياب سليم
الشعب نيوز:-
رواية من تأليف “بيتي دانيال”، المعروف باسمه الأدبي “بينيامين”. من ولاية كيرالا جنوب الهند، وقد كتب هذه الرواية عام 2008 باللغة المالايالامية أو الماليبارية. وهي اللغة المحلية لولاية كيرالا التي يتحدث بها حوالي 35 مليون شخص. العنوان الأصلي للرواية هو “آدوجيفيثام”، ترجمها إلى الإنجليزية “جوزيف بيكالي”، ونشرتها دار بنغوين في نيودلهي عام 2012 تحت عنوانGoat Days”. ” تُرجمت إلى العربية بواسطة سهيل الوافي عن النسخة الإنجليزية، ونشرتها مكتبة آفاق الكويت عام 2014، وصدر منها طبعة ثانية في 2015 وثالثة في 2021.
ورغم أن الرواية لم تثر الضجة الكبيرة في العالم العربي آنذاك، إلا أن نقلت إلى السينما من قبل المخرج الهندي “بليسي” عام 2024 بعنوان
“” Goat Life الذي عُرض على منصة “نتفليكس”. ومع ذلك، فقد حازت الرواية على عدة جوائز، منها جائزة ولاية كيرالا ساهيتيا الأكاديمية للرواية عام 2009.
كان بنيامين أحد العمال الهنود الذين عاشوا في إحدى دول الخليج العربي – البحرين – منذ عام 1992.
هل نقل بينيامين انطباعه عن الواقع وذكرياته الخاصة في قالب خيالي مليء بالكآبة والاضطهاد؟
اختار بنيامين الروائي أن يبدأ نجيب روايته مأساته وهو واقف مع زميله أمام مركز شرطة البطحاء ينتظر أن ينتبه إليهما حارس البوابة، واصفًا لنا حلقة من حلقات الانتظار التي عاشها نجيب طويلًا، حيث صبر عليها وعانى منها بصمت حتى نجا وكسر طوق عبوديته.
خلال 43 فصلًا، يستعيد نجيب محمد، بطل الرواية، ذكرياته لنكتشف أنه كان يعيش حياة فقيرة في قريته في كيرالا، ويعاني من الفقر المدقع. كان يأمل في تحسين وضعه المالي بعد سماعه عن فرص العمل في دول الخليج العربي. يقرر السفر إلى السعودية للعمل، ويغادر وطنه تاركاً وراءه زوجته الحامل وآمالا كبيرة في المستقبل مثل أحلام كل فقراء العالم: ساعة ذهبية، ثلاجة، تلفزيون، وسلسال لزوجته.
عند وصوله إلى السعودية، لم يكن يعرف اسم الشركة التي سيعمل فيها ولا عنوانها، ولم يكن يحمل رقم هاتف الكفيل، لذا بدا تائهًا مما سهل خداعه واختطافه من مطار الرياض وإجباره على العمل كراعٍ للماعز في صحراء نائية تحت ظروف قاسية وغير إنسانية، من بينها التهديد بالقتل. يعيش نجيب في عزلة تامة، يعاني من الجوع والعطش والتعب والإساءة من قبل صاحب العمل. يتم تجريده من حريته، ويصبح محاصراً في الصحراء بلا أمل في الهروب أو التواصل مع عائلته. ولم يجد من يحدثه أو يبث له شكواه إلا الأغنام التي حوله، والتي أصبح واحداً منها، يبثها شكواه ويحمل همومها ويتألم للتيوس التي تُحرم من فحولتها بالإخصاء على يد “الأرباب”. وبعد هربه من “عبوديته”، رفض أن يأكل من لحومها عندما أودع في سجن الشميسي، مركز الإيواء والترحيل الخاص بالعمال المخالفين لقوانين الإقامة والعمل في السعودية، الذي أقام فيه خمسة أشهر، حتى لو كان جائعا، وتترقرق عيناه بالدمع لذكرياته معها طوال ثلاث سنوات وأربعة أشهر وتسعة أيام.
على الرغم من الظروف الصعبة، يظل نجيب متعلقاً بالأمل ويحاول الهرب مراراً وتكراراً، حتى يتمكن في نهاية المطاف من الهرب برفقة زميله الهندي يساعدهما آخر افريقي لكن لم ينج إلا نحيب ويعود إلى وطنه بعد سنوات من المعاناة. يعود إلى قريته محطمًا نفسيًا وجسديًا، ولكنه يحمل معه قصة مروعة عن الكفاح من أجل البقاء.
تجري أحداث الرواية بعد أن هدأت حرب الخليج الأولى وبدأ تدفق اليد العاملة الهندية إلى دول الخليج، والتي قدر تعدادها بـخمسة عشر مليون عامل. تدعي الرواية أنها تستند إلى أحداث واقعية، ولكن كم من الكتاب ادعى ذلك لتسويق بضاعته؟ وكم منهم اختار واقعاً ما لينفخ فيه من خياله ليصبح فقاعة براقة كبيرة؟ فقد كتب “أليكس هيلي” رواية الجذور عام 1976 تتبع فيها ما حدث لجده السابع “كونتا كنتي” في عصر العبودية. سُوقت الرواية على أنها واقعية، ولكن بعد سنوات طويلة تحدث عنها الكاتب بما يشبه الاعتراف بأنها مزيج من الأحداث الخيالية التي استندت إلى فترة تاريخية.
تناولت رواية “أيام الماعز” نظام الكفيل “الأرباب” في السعودية والمعمول به في كافة دول الخليج العربي وما يتمتع به من قوانين. حاول الكاتب في الرواية أن يشبهه بتاجر العبيد الظالم، ويصف اضطهاده المريع للعامل الهندي الذي لديه، حيث يخاطبه نجيب في نفسه متألمًا: “يا أربابي.. أي رب أنت؟” (ص 53، فصل 8).
في تلك الفترة التي تلت الحرب، وما تمتعت به السعودية من شدة المراقبة والحرص على أمن المواطن، هل كان باستطاعة أحد أن يخطف آخر من مطار الرياض، المطار الرئيسي للمملكة، بكل هذه السذاجة التي اعتمد عليها سير أحداث الرواية؟ أم أن الكاتب وصف أحداثاً درامية خيالية صادمة مشوهة، معتمداً فيها على جهل بطل الرواية “المسلم” التام باللغة العربية والهندية فهو لا يتحدث إلا المالايالامية وبساطته الشديدة؟
أورد الكاتب أوصافاً مقززة للرجل الذي سيعيش تحت سلطته وللبيئة الصحراوية التي تحتضن العزبة بزرائبها التي تشتمل على المئات من الأغنام، حتى يكاد القارئ أن يزم أنفه كي لا يشم تلك الرائحة التي يصفها الكاتب والمنبعثة من كل شيء حوله: رائحة بول وروث وعفن وقذارة على الأبدان، بعيدة كل البعد عن المجتمع العربي الصحراوي في السعودية.
وكيف يعيش هذا “الأرباب” هو وعامله على “الكبوس”، الخبز والماء والحليب، وسط المئات من الماعز والإبل والخير الكثير؟! لماذا يقدم شخصية الكفيل السعودي بهذا البخل وهو ابن مجتمع مترف؟
أورد أيضاً أوصافاً كوميدية غريبة مثل “شرب الحليب كله في رشفة واحدة. وكان في الكوب، على ما أظن، ما لا يقل عن خمسة لترات من الحليب!” (ص 58، فصل 9). وبعد أن يعاقبه “الأرباب” لاستخدامه الماء للاستنجاء، يحدث نفسه فزعاً: “أنا ابن الماء.. ومن دونه لا حياة لي” (ص 70، فصل 11).
كانت الحرية والثورة من بعض هواجسه كلما رأى الماعز تركض حوله: “جريت في الصحراء بيدي المفعمة بالألم.. كانت الأغنام تستمتع بحريتها غير المتوقعة.. قد أظهرت طبائعها الوحشية بحذافيرها.. مثلها كمثل أمة نهضت بغتة بالثورة من العبودية والاحتلال.. فصارت إلى فوضى تامة..” (ص 106، فصل 18).
يصف المعاملة القاسية التي عومل بها: “أوسعني الأرباب ضرباً حينما توقفت هنيهة لأشرب قليلاً من الماء.. انتزع مني الكوب ورماه بعيداً.. واستمررت أركض هكذا، لاهث اللسان بحلق يابس” (ص 107، فصل 18).
يتحدث نجيب -وبالتالي الكاتب- عن الإبل: “الجمال نوعان: نوع ذو سنام واحد وآخر ذو سنامين، ولكل منهما رائحة خاصة” (ص 116، فصل 19). هل يوجد في صحاري الجزيرة العربية إبل لها سنامان؟!
لم يتوانَ الكاتب عن كيل التهم والمسبات: “كجبان، يقعد الأرباب جاثماً في زاوية” (ص 120، فصل 20)، “وتفكرت حينها أنه ربما لم يغتسل ولو مرة واحدة بعد أن ولدته أمه” (ص 120، فصل 20).
يضيف مزيدًا من الخيال واصفاً: “في موسم الصيف.. تطلع الشمس عند الساعة الثالثة صباحاً.. ولا تغرب إلا مع الساعة الثامنة مساءً” (ص 126، فصل 20). هل يحدث هذا في السعودية؟
وأصبح الخيال يقترب من الكذب أكثر: “وذات مرة، احترقت كفي اليسرى بسبب غمسها في الماء البارد وامتلأت بالبثور المنتفخة كما لو وضعتها في الماء المغلي” (ص 125، فصل 20).
لم تنقطع الشاحنات التي تجلب الشعير والبرسيم وتأتي بالخراف أو تأخذها إلى السوق عن القدوم إلى المزرعة عدة مرات كل أسبوع. أي أنه كان هناك طريق واضح المعالم يشق الصحراء! فكيف لصاحبنا نجيب أن يتيه عنه وكأن ليس له عينان؟
بصراحة، سئمت مما في هذه الرواية من تلفيق. وعذرها -إن كان لها عذر- أنها خيال وتخاطب قارئاً يمكنه معرفة الحقيقة. وأما عن الفيلم الذي كتب السيناريو له وأخرجه “بليسي”، والذي يخاطب عالما عريضا متفاوت الثقافة، لماذا قدم السعودية على أنها سجن صحراوي ممتد الأطراف، مليء بالاضطهاد ويخلو من العدل والإنسانية؟ هذه الصحراء التي خرج منها النور المحمدي! فماذا يريد “بليسي” ومن خلفه من السعودية موطن الحرمين؟!
حفظ الله السعودية وحفظ الله وطننا العربي وحماه ممن يصطادون في الماء العكر.
سعيد ذياب سليم