تجديد عقل الدولة ممر إجباري .. أسامة الرنتيسي

874
الشعب نيوز:-

ينتظر الأردنيون، تغييرات واسعة وجراحات عميقة في المستوى السياسي والأمني والإداري، خاصة بعد عودة الملك من واشنطن ولقاء بايدن الأول، وكجزء من الإرادة المنتظرة لفاتورة لجنة الإصلاح حتى تزداد الثقة في مخرجاتها.
تجديد عقل الدولة السياسي متطلب إجباري، وتوسيع قاعدة الحكم لتضم أطيافا جديدة، واتجاهات متعددة، هو طريق الخلاص من حالة التردد وعقم الحلول التي تتكرر بالسياسات والأشخاص.
في تفاصيل عمل لجنة الإصلاح الكثير من البوادر الإيجابية في طريقة التفكير وبناء الاستراتيجيات، لكن فيها أيضا محاولات لقلب موازين الأرقام، وقد استمعت شخصيا لقطب حاسم في اللجنة يترأس إحدى لجانها إلى أرقام جديدة حول الديمغرافيا في الأردن، الشيء غير المريح أن تُبنى مشروعات القوانين على الأرقام الجديدة، خوفا من تجاوز فكرة الحقوق المكتسبة، وعندها لا نصل إلى الهوية الجامعة.
خلال الأسبوعين الماضيين استمعنا إلى مداخلات عديدة من كبار صُنّاع القرار في البلاد، شخّصوا فيها طويلا كل ما يجري، لكنّ المراقب يكتشف أن الرؤى غير متطابقة، وطريقة التفكير ليست واحدة، بل متعارضة، وغير منسجمة، ولا يوجد مطبخ حقيقي لصنع القرار.
بعد انتهاء عمل لجنة الإصلاح وإنجاز مهماتها نحتاج فورا إلى تشكيل خلية وطنية يناط بها البحث في قضايا وتحديات المجتمع الأردني لا سيما الظواهر السلبية، بحيث تعمل على تشخيصها والوقوف على أسبابها ووضع الحلول الجذرية لها.
صحيح أن الفكرة ليست جديدة وطرحت سابقا، لكن الجديد فيها اعتراف السلطات القائمة – بصيغتها الحالية- أنها لم تتمكن من حل مشكلات البلد. ووجود هذه الخلية بات مطلبا ملحا نتيجة ما وصلت إليه الأحداث والتطورات، ولا بد من تجديد عقل الدولة، بتوسيع قاعدة المشاركة والإسهام ، والتوقف عن استثناء من لا يتوافق مع “النظام السائد”، أو خارج علبة المشاورات والتشكيلات، ونبقى داخل الأسطوانة نفسها.
ما نحتاج إليه هو نقلة نوعية في إدارة الشؤون العامة، وفي طبيعة تركيبة السلطات القائمة، لأن الأزمات التي نمر بها غير مسبوقة، وليست عابرة بحيث تتم معالجتها بصفقات تعوّدنا عليها، وضحايا من الأوزان كافة.
تجديد عقل الدولة يحتاج إلى مشاركة خبرات سياسية واقتصادية واجتماعية متخصصة أثبتت نجاحات في مجالات تخصصها، لكنها غائبة عن تقارير البِطانات، وإن حضرت في التقارير فإن الغيرة والحسد وتكسير النجاحات حليفها.
فحص الإرادة الحقيقية لمشروعات الإصلاح المنتظرة في الصيغة التي سوف تصل إلى مجلس النواب، وكيفية إقرار هذه القوانين، فإن عادت الأمور إلى الصيغ القديمة وتوجيه المجلس بطريقة الألو فإننا نكون أخفقنا في كل شيء، ودعمنا خطاب “لا تنتظروا شيئا…”.
نعرف جيدا كيف تتحرك الماكينة الرسمية بكافة اتجاهاتها وكيف تُزَيَّت مُسنَّنات المجلس، هذا سلوك علينا تجاوزه، لأنه أثبت لنا أن لا فائدة منه، وإنه السبب المباشر في غياب ثقة المواطنين في المجالس النيابية عموما.
تبقى الإشارة إلى ضرورة التنبه إلى ما يحدث من تطورات عالمية تعد في المنظور السياسي مفاجئة، ولا يوجد عاقل يضمن ألا تُلقي هذه التطورات بظلالها على ساحتنا الداخلية، وما المطالبة بتجديد العقل السياسي والإداري في البلاد إلا لتجنب تلك التداعيات المحتملة..
عندما يختار المرء أن يركب البحر فلا بد له أن يمتطي سفينة لا صهوة حصان، فلكل طريق مركبه، ولكل سفينة ربان.. ولا نجاة لسفينة الوطن إلا بأشرعة عالية سليمة وطاقم بحارة مهرة كابدوا مشاق السياسة وواجهوا عواصفها.
الدايم الله….

قد يعجبك ايضا