حلوى الهلام..سعيد ذياب سليم

2٬738
الشعب نيوز:-

هناك ذكريات توقظها رائحة الحطب المشتعل أو عبق الأرض بعد المطر، لكن بعضها لا يحتاج إلا إلى قطعة حلوى هلامية، بطعم السوس، ليعيدك إلى طفولتك.
حلوى بألوان الطفولة النابضة: برتقالية مشعة، حمراء متوهجة، وزرقاء حالمة، تحمل نكهات التوت والفراولة والأناناس. أشكالها تأخذ هيئة الدببة والتماسيح والديدان وقلوب حمراء نابضة،، كأنها امتداد لعوالم الأطفال السحرية.
يغرز الطفل أسنانه في الحلوى اللينة، فتلمع عيناه نشوةً، وقد تشرب لسانه الطعم المحبب، وسال لعابه شوقًا، بينما ينظر إلى ما تبَقّى من القطعة بعد أن قضَم رأس الأفعى، متعجبًا كيف تنتهي المتع سريعًا.
لماذا يختار الأطفال أشكالا تخيفهم في الواقع؟
ربما يختار الأطفال أكثر الأشكال رعبًا ليختبروا قوتهم في السيطرة على مخاوفهم، أو لأنهم يجدون في هذه المجسمات لعبة مسلية، تذكرهم بعوالمهم الكرتونية، متأثرين بأصوات المضغ والقرمشة والبلع التي تصدح في أفلامهم المفضلة، فتبدو لهم كأنها موسيقى سحرية، تدفعهم للركض نحو المتاجر، حاملين قروشهم القليلة، بحثًا عن حلوى ملونة تمنحهم قوى خارقة كما في القصص، ثم يعودون إلى شاشاتهم، يواصلون المضغ، كأنهم جزء من المشهد.
لطالما تخيل الأطفال أن للحلوى قوى سحرية، كما صورها براندون مول في روايته ” حرب متجر الحلوى”، حيث اكتشف الأطفال أن الحلوى التي اشتروها لم تكن مجرد طعام، بل مفتاح لاكتساب قوى خارقة. لعل كل طفل في الحقيقة يبحث في متجر الحلوى عن قطعة سحرية تمنحه قدرة غير عادية، ولو للحظات.
لم تكن الحلوى يومًا مجرد طعام، بل رمزًا يتجاوز اللذة العابرة، تمامًا كما جسّدته رواية ‘شوكولا’ لجوان هاريس، عند وصول امرأة غريبة إلى القرية، وافتتاحها متجرًا لبيع الشوكولاتة وتقديم القهوة، فأتاحت لسكان تلك القرية الجلوس لتبادل الهمس و المكاشفة وفضح الأسرار، و التغلب على مشكلاتهم الشخصية. وكما استخدمت جوان هاريس الشوكولاتة في روايتها كوسيلة للتواصل وكشف الأسرار، ربما تكون الحلوى الهلامية لغة غير منطوقة بين الأطفال والكبار، تُعيد إليهم دفء الذكريات.
واليوم، تضع سيدة البيت وعاء الحلوى الهلامية على المائدة في مناسبات عدة، تمتد الأيدي بِحيرة، وبشيء من الحذر، كي لا يرتفع مستوى السكر في الدم، تختار النكهات والألوان، فتبدأ الحكايات بالتدفق. كيف كنا نسير في طرق طينية إلى المدرسة، كيف كنا نشتري الحلوى من بَقُالة عجوز غامضة، وكيف كنا نطيل المكوث عندها أملًا في رؤية الأقزام الذين أخبرنا عنهم إخوتنا الكبار أنهم يختبؤون في دكانها. وقصص تمر في خاطرنا، نبتسم لها بأسى، تدور أعيننا نبحث عن أشخاصها ثم نصمت؛ ويمتد الحديث حتى نتأمل أمراض العصر الحديث، تلك التي تصيب القدرة على الشم والتذوق، فتمنح الفم طعمًا حلوًا أو حامضًا، حتى في غياب الحلوى.
قد تكون هذه الحلوى الهلامية امتدادًا لحلوى “الراحة” أو “الحلقوم” الشرقية، التي صنعت منذ قرون من السكر والنشاء، وتطورت عبر الزمن بألوانها الزاهية ونكهاتها المغرية، لتظل تمنح الأطفال — والكبار أيضًا — لحظات من السعادة الطفولية البريئة.
هكذا تتجاوز الحلوى مجرد لذة عابرة، فهي جزء من طفولة شعوبٍ نشأت على السعادة والبساطة، قبل أن تفرض عليها الحياة صراعاتها. فالثوار، قبل أن يرفعوا شعاراتهم، كانوا أطفالًا بأسنانٍ سكرية، و ذلك لن يمنعهم من رفع أسلحتهم في وجه الظلم والعدوان.
سعيد ذياب سليم

قد يعجبك ايضا