اليوم العالمي لحرية الصحافة: احتفال كوني بالصمت المُقنن صبا منصور

الشعب نيوز:-
منذ ساعات الفجر الأولى وتضج الصفحات بعبارات منمقة: “الصحافة ضمير الأمة”، “نقف إلى جانب الحقيقة”، “نحن عين الحقيقة”… بينما العين عوراء، والحقيقة مكمّمة، والضمير في إجازة غير مدفوعة.
نعم، نحتفل بحرية الصحافة لكن على طريقتنا الخاصة جدًا: الصحفي يتمتع بكامل الحرية في أن يكتب عن مهرجان الورد، ومسابقات الطبخ، وأحوال الطقس في المناطق التي لم تُقصف بعد، وحين يقترب من نبض الحقيقة، يجد من يهمس له بلطف: اكتب… بس بلا وجع راس.
الصحافة، كما يقول المنهاج الرسمي، سلطة رابعة، لكنها في الواقع تُعامل كموظفة تنظيفات في قبو السلطة الأولى، تمسح الغبار عن الكذبة، وتلمّع البيان الرسمي، وتخرج من الباب الخلفي بصمت.
الصحفي عندنا لا يعمل، بل ينجو. يكتب وهو ينظر خلفه، ينشر وهو يعتذر، ينام وهو يحتضن هاتفه المغلق خوفًا من مكالمة تبدأ بـ”معنا أمر توقيف”، ورغم ذلك، يُطلب منه أن يكون صوت الناس… بشرط أن يكون صوته منخفضًا، أو مبحوحًا، أو مكتومًا داخل ملف PDF لم يُفتح منذ 2011، فصوته قد يزعج البعض.
ولا أحد يخجل، بالعكس تمامًا: تُقام ندوات حرية الصحافة برعاية من كتب قانون تكميمها، وتُمنح جوائز الشجاعة لصحفيين لا يستطيعون مغادرة غرف نومهم، بل إننا نُجيد التمثيل لدرجة أننا نُصنّف في مؤشرات حرية التعبير… بأننا نعمل على تحسين المؤشر.
أما في غزة، فشكل الاحتفال أكثر عملية: لا خطب، لا ورود، لا كعك ولا حتى دروع غير الدرع الواقي من الرصاص، والذي لن يحمي من الرصاص، يحتفلون فوق الركام والقذائف وكاميرا تُرفع لتوثّق لحظة قد تكون الأخيرة، هناك، لا حاجة لقوانين تقييد، فالقصف أسرع من الرقابة، وأصدق من كل بيانات التنديد.
العالم؟ يكتفي ببيان أنيق عنوانه: “نشعر بالقلق”، مرفق بصورة فوتوغرافية ملتقطة من طائرة بدون طيار، ثم يُطوى البيان ويُحفظ في أرشيف “لنفعل شيئًا لاحقًا”.
وهكذا، نحتفل بحرية الصحافة كما نحتفل بالشمس في يوم غائم: نكتب عنها كثيرًا، نرسمها على الجدران، لكننا لا نراها.
فكل عام وأنتم صامتون، سالمون، ومنشوراتكم تمر على الرقيب قبل أن تمر على القرّاء.
قد يعجبك ايضا