الحرب التجارية بين امريكا والصين وأثرها على سلاسل التوريد العالمية

الشعب نيوز:-

 

الدكتور أحمد علي

في خضم التوترات الجيوسياسية والاقتصادية العالمية، تعود الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين إلى واجهة الأحداث، ولكن هذه المرة بوتيرة أعنف وتأثيرات أوسع، خصوصًا على سلاسل التوريد العالمية التي تعتبر الشريان الحيوي للاقتصاد المعولم. ومع استمرار التصعيد حتى منتصف عام 2025، لم يعد الحديث يدور فقط حول الرسوم الجمركية، بل أصبح يشمل قيودًا على التكنولوجيا المتقدمة، وتدابير رقابية على الاستثمارات العابرة للحدود، وحظرًا ضمنيًا على بعض المنتجات الاستراتيجية.
موجة تصعيد جديدة: الاقتصاد مقابل السيادة
منذ مايو 2025، تصاعدت حدة التوترات بشكل غير مسبوق، بعد إعلان وزارة التجارة الأمريكية توسيع قائمة الشركات الصينية المدرجة في “قائمة الكيانات المحظورة”، بما في ذلك شركات عاملة في مجالات الذكاء الاصطناعي والاتصالات. وردّت الصين بإطلاق حملة موسعة لتقليل الاعتماد على التكنولوجيا الأمريكية، خاصة في قطاعات أشباه الموصلات وتخزين البيانات.
في خطوة أثارت قلق المستثمرين، فرضت الولايات المتحدة قيودًا على صادرات الرقائق المتقدمة إلى الصين، فيما أعلنت بكين في يوليو 2025 عن تقنين صادرات الجرافين وبعض المواد فائقة التوصيل، ما يُنذر بإشعال جبهة جديدة في حرب التكنولوجيا.
سلاسل التوريد العالمية: من التعقيد إلى إعادة التشكيل
بحسب تقرير حديث صادر عن منتدى الاقتصاد العالمي (يوليو 2025)، فقد بدأت أكثر من 65% من الشركات متعددة الجنسيات بتسريع عمليات “إعادة تموضع سلاسل التوريد” خارج شرق آسيا. أبرز المتضررين كانت القطاعات التي تعتمد على التكامل العميق مثل الإلكترونيات، وصناعة السيارات الكهربائية، والطاقة النظيفة.
كما كشفت بيانات حديثة من منظمة التجارة العالمية أن نمو التجارة السلعية العالمية انخفض بنسبة 1.2% في الربع الثاني من 2025، مع تسجيل تأخيرات ملحوظة في الشحنات العابرة للمحيطات، وتزايد الاعتماد على سلاسل توريد إقليمية أقصر وأكثر أمانًا.
ارتفاع الكلفة على الجميع: الشركات والمستهلكون
لم تتوقف تداعيات الحرب عند حدود الشركات الكبرى. فالضغوط التصاعدية على الأسعار أصبحت ملموسة عالميًا. فقد ارتفعت أسعار الإلكترونيات بنسبة 9%، بينما وصلت تكلفة الإنتاج الصناعي في أوروبا إلى أعلى مستوياتها منذ عقد، وفقًا لتقارير Eurostat في يونيو 2025.
وفي الولايات المتحدة، شهدت الأسواق موجة من التضخم المدفوع بالرسوم الجمركية، مما أجبر مجلس الاحتياطي الفيدرالي على الإبقاء على معدلات الفائدة مرتفعة للسيطرة على الأسعار، وهو ما انعكس سلبًا على النمو الاقتصادي وتوقعات سوق العمل.
تحولات جيوصناعية: صعود الهند وأمريكا اللاتينية
في مواجهة هذه الاضطرابات، تسارعت وتيرة إعادة توزيع الاستثمارات الصناعية. فيتنام، الهند، والمكسيك أصبحت وجهات مفضلة للشركات الباحثة عن استقرار سياسي وتكاليف إنتاج منخفضة. وقد أعلنت شركة TSMC في يوليو عن بدء تشغيل مصنعها الجديد في الهند، بينما عززت Tesla استثماراتها في المكسيك بمصنع مخصص لإنتاج السيارات منخفضة التكلفة.
فرصة أم قطيعة؟
رغم التصعيد، ظهرت إشارات متباينة في الأسابيع الأخيرة. ففي قمة مجموعة العشرين في البرازيل (يوليو 2025)، جرى لقاء غير رسمي بين ممثلي التجارة في كلا البلدين، وجرى تداول مقترحات أولية لإعادة فتح قنوات التفاوض بشرط تخفيف الإجراءات الانتقامية تدريجيًا. لكن هذه الجهود ما تزال في بدايتها، ومرتبطة بمدى جدية الطرفين في تقديم تنازلات حقيقية.
الختام: من الأزمة إلى إعادة التصميم
الحرب التجارية لم تعد حدثًا مؤقتًا، بل تحولت إلى واقع استراتيجي يعيد تشكيل خريطة الاقتصاد العالمي. ورغم أن بعض القطاعات قد تستفيد من إعادة التوزيع، إلا أن الخسارة الأكبر تطال الاستقرار الاقتصادي العالمي والتكامل الصناعي الذي تحقق على مدار العقود الماضية.
المطلوب اليوم ليس فقط حلولًا جزئية، بل استراتيجية شاملة لبناء سلاسل توريد أكثر مرونة وتنوعًا، تستند إلى تقنيات التتبع والذكاء الاصطناعي والبلوك تشين، وتقلل الاعتماد المفرط على مراكز تصنيع واحدة.
إذا لم تُعالج جذور الصراع التجاري، فإن الاقتصاد العالمي سيبقى عرضة لتقلبات خطيرة، مما يُهدد تعافي الأسواق ويؤجج المزيد من الأزمات الجيوسياسية مستقبلاً.

قد يعجبك ايضا