
أَوْقِفُوا اسْتِهْدَافَ الأُسْتَاذِ الجَامِعِيِّ: لَا لِحُلُولِ الجَيْبِ فِي مُوَاجَهَةِ أَزَمَاتِ الجَامِعَاتِ بقلم: الأُسْتَاذِ الدُّكْتُورِ حَكَم شَطْنَاوِي
الشعب نيوز:-
أَثَارَ كِتَابُ رَئِيسِ الوُزَرَاءِ الأَخِيرُ، الَّذِي يُطَالِبُ الجَامِعَاتِ الرَّسْمِيَّةِ الأُرْدُنِيَّةِ بِوَقْفِ الاِشْتِرَاكِ فِي التَّأْمِينِ الصِّحِّيِّ الخَاصِّ لِلْعَامِلِينَ وَالأَكَادِيمِيِّينَ، وَخَفْضِ حَوَافِزِ البَرْنَامَجِ المُوَازِي لِأَعْضَاءِ الهَيْئَةِ التَّدْرِيسِيَّةِ، وَإِنْهَاءِ مُكَافَأَةِ نِهَايَةِ الخِدْمَةِ لِلْمُعَيَّنِينَ الجُدُدِ، عَاصِفَةً مِنَ الاِسْتِيَاءِ وَالرَّفْضِ فِي أَوْسَاطِ العَامِلِينَ وَالأَكَادِيمِيِّينَ.
إِنَّ هَذِهِ القَرَارَاتِ لَا تَمَسُّ فَقَطِ الرَّوَاتِبَ أَوِ الاِمْتِيَازَاتِ، بَلْ تَمَسُّ جَوْهَرَ كَرَامَةِ الأُسْتَاذِ الجَامِعِيِّ وَمَكَانَتِهِ، وَتُبْعَثُ بِرِسَالَةٍ خَطِيرَةٍ مَفَادُهَا أَنَّ الدَّوْلَةَ سَتُعَالِجُ أَزَمَاتِ جَامِعَاتِهَا المَالِيَّةِ بِانْتِزَاعِ حُقُوقِ العَامِلِينَ وَالأَكَادِيمِيِّينَ بَدَلًا مِنْ مُعَالَجَةِ الأَسْبَابِ الحَقِيقِيَّةِ لِلْأَزْمَةِ.
وَلَا بُدَّ هُنَا أَنْ نُوَضِّحَ بِمُرَارَةٍ: الأُسْتَاذُ الجَامِعِيُّ لَيْسَ مَسْؤُولًا عَمَّا آلَتْ إِلَيْهِ أَوْضَاعُ الجَامِعَاتِ. إِذَا كَانَتِ المُشْكِلَةُ فِي إِدَارَةِ الجَامِعَاتِ وَتَعْيِينِ قِيَادَاتِهَا، فَهُوَ لَيْسَ صَاحِبَ القَرَارِ فِيهَا. وَإِذَا كَانَتِ الأَزْمَةُ نَاجِمَةً عَنْ اِلْتِزَامَاتِ الجِهَاتِ المَانِحَةِ وَتَأَخُّرِهَا فِي دَفْعِ الرُّسُومِ، فَهُوَ لَيْسَ مَسْؤُولًا عَنْ تَحْصِيلِ هَذِهِ الرُّسُومِ، بَلْ إِنَّ الجِهَاتِ المَانِحَةَ نَفْسَهَا غَالِبًا مَا تَكُونُ مُؤَسَّسَاتٍ حُكُومِيَّةً. إِذًا، كَيْفَ يُعْقَلُ أَنْ يَتَحَمَّلَ أَعْضَاءُ الهَيْئَةِ التَّدْرِيسِيَّةِ عِبْءَ أَزَمَاتٍ لَمْ يَصْنَعُوهَا؟
الأُسْتَاذُ الجَامِعِيُّ، الَّذِي اِسْتَهْلَكَ صِحَّتَهُ وَعُمْرَهُ مَعَ أَبْنَائِكُمْ الطُّلَّابِ فِي القَاعَاتِ وَالمُخْتَبَرَاتِ، يُفَاجَأُ اليَوْمَ بِالنِّيَّةِ لِوَقْفِ اِشْتِرَاكِهِ فِي التَّأْمِينِ الصِّحِّيِّ الخَاصِّ وَتَحْوِيلِهِ إِلَى التَّأْمِينِ المَدَنِيِّ، وَهُوَ أَضْعَفُ وَأَقَلُّ كَفَاءَةً، فِي وَقْتٍ هُوَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إِلَى رِعَايَةٍ صِحِّيَّةٍ تَحْفَظُ لَهُ كَرَامَتَهُ. أَمَّا خَفْضُ مُكَافَأَةِ المُوَازِي، فَهُوَ تَقْلِيصٌ مُبَاشِرٌ لِدَخْلِ الأُسْتَاذِ فِي ظِلِّ تَضَخُّمٍ اِقْتِصَادِيٍّ مُتَزَايِدٍ. كَيْفَ نُطَالِبُهُ بِالتَّمَيُّزِ وَالاِلْتِزَامِ وَالوَطَنِيَّةِ، بَيْنَمَا يُجَرَّدُ مِنَ الحَدِّ الأَدْنَى مِنَ الأَمْنِ المَالِيِّ وَالصِّحِّيِّ؟ أَيُّ بِيئَةٍ عِلْمِيَّةٍ نَخْلُقُهَا بِهَذَا النَّهْجِ؟
وَفِي مُجْتَمَعٍ يَحْتَمِي فِيهِ العَسْكَرِيُّ بِسِلَاحِهِ، وَالمُهَنْدِسُ وَالصُّحُفِيُّ بِنِقَابَتِهِ، وَالتَّاجِرُ بِغُرَفِ الصِّنَاعَةِ وَالتِّجَارَةِ، فَإِنَّ سِلَاحَ الأُسْتَاذِ الجَامِعِيِّ هُوَ عُقُولُ أَبْنَائِكُمْ. وَإِذَا كُسِرَ هَذَا السِّلَاحُ عَبْرَ إِحْبَاطِهِ وَتَهْمِيشِهِ، فَبِأَيِّ جِيلٍ نَطْمَحُ؟ هَلْ سَنُخْرِجُ شَبَابًا يُعَظِّمُونَ الوَطَنَ؟ أَمْ أَجْيَالًا مُحْبَطَةً غَاضِبَةً تَرَى قُدُوَاتِهَا تُهَانُ أَمَامَ أَعْيُنِهَا؟
الأَخْطَرُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الكِتَابَ الرَّسْمِيَّ يُعَكِّسُ تَرَاجُعًا خَطِيرًا فِي النَّظْرَةِ الوَطَنِيَّةِ لِلتَّعْلِيمِ العَالِي. فَفِي الوَقْتِ الَّذِي تُكَرِّمُ فِيهِ الدُّوَلُ المُتَقَدِّمَةُ عُلَمَاءَهَا وَتَضَعُهُمْ فِي الصُّفُوفِ الأَمَامِيَّةِ، نَجِدُ أَنْفُسَنَا نُمَارِسُ سِبَاقًا لِإِفْرَاغِ الجَامِعَاتِ مِنْ خِيرَةِ كَوَادِرِهَا وَتَهْجِيرِ عُقُولِهَا.
وَهُنَا لَا بُدَّ لِلْحَائِرِ أَنْ يَسْأَلَ: مَا مُبَرِّرَاتُ هَذِهِ القَرَارَاتِ؟ وَبِمَاذَا سَتُجِيبُ الحُكُومَةُ؟ هَلْ سَتَقُولُ إِنَّنَا اِسْتَغْنَيْنَا رَسْمِيًّا عَنْ شِعَارِ «الإِنْسَانُ أَغْلَى مَا نَمْلِكُ» وَاِبْتَعَدْنَا عَنْ فِكْرَةِ الاِسْتِثْمَارِ بِمَوَارِدِنَا البَشَرِيَّةِ؟ هَلْ سَتَقُولُ إِنَّ الأُسْتَاذَ الجَامِعِيَّ يَعِيشُ فِي رَفَاهِيَةٍ لا يَسْتَحِقُّهَا؟!! هَلْ سَتَقُولُ إِنَّهَا تُحَاوِلُ التَّهَرُّبَ مِنَ الإِصْلَاحِ الحَقِيقِيِّ عَبْرَ تَحْمِيلِ الأَكَادِيمِيِّ أَثْمَانَ فَشَلٍ إِدَارِيٍّ وَمَالِيٍّ لَمْ يَكُنْ يَوْمًا مَسْؤُولًا عَنْهُ؟
وَفِي الخِتَامِ، لَا بُدَّ أَنْ نُذَكِّرَ بِوُضُوحٍ: الأُسْتَاذُ الجَامِعِيُّ لَيْسَ شَخْصًا هَامِشِيًّا، وَلَا صَوْتًا ضَعِيفًا؛ بَلْ هُوَ حَامِلُ رِسَالَةٍ وَمَشْرُوعِ وَطَنٍ، يَمْلِكُ مِنَ الفِكْرِ وَالحِكْمَةِ مَا يُمَكِّنُهُ مِنَ الدِّفَاعِ عَنْ حُقُوقِهِ وَكَرَامَتِهِ، بِأَسَالِيبَ رَاقِيَةٍ، سِلْمِيَّةٍ، وَقَانُونِيَّةٍ. إِنَّ أَيَّ مُحَاوَلَةٍ لِلنَّيْلِ مِنْهُ لَا تَخْلُقُ إِلَّا جِرَاحًا نَحْنُ جَمِيعًا فِي غِنًى عَنْهَا، لِأَنَّ هَذِهِ الفِئَةَ لَيْسَتْ خَصْمًا، وَلَا عِبْئًا عَلَى الوَطَنِ، بَلْ هِيَ قَلْبُهُ النَّابِضُ بِالعَطَاءِ وَالاِنْتِمَاءِ. وَمَجَالِسُ الأُمَنَاءِ، الَّتِي تَضُمُّ فِي صُفُوفِهَا نُخْبَةً مِنَ الأَكَادِيمِيِّينَ، مَعْنِيَّةٌ أَيْضًا بِالدِّفَاعِ عَنْ هَذَا الكِيَانِ الجَامِعِيِّ الَّذِي يَتَعَرَّضُ اليَوْمَ لِهَزَّةٍ تُهَدِّدُ قِيمَتَهُ وَمَكَانَتَهُ. فَلْيَكُنْ وَاضِحًا لِلْجَمِيعِ: المَسَاسُ بِالأُسْتَاذِ الجَامِعِيِّ هُوَ المَسَاسُ بِمُسْتَقْبَلِ هَذَا الوَطَنِ، وَبِقِيمَتِهِ الحَضَارِيَّةِ، وَبِقُدْرَتِهِ عَلَى النُّهُوضِ. إِنَّ الحِفَاظَ عَلَى كَرَامَتِهِ لَيْسَ مُجَامَلَةً، وَلَا تَرَفًا، بَلْ هُوَ اسْتِثْمَارٌ فِي بَقَاءِ هَذَا الوَطَنِ وَاقِفًا بِشُمُوخٍ أَمَامَ كُلِّ التَّحَدِّيَاتِ.
إِنَّنَا نُنَاشِدُ عَقْلَ الدَّوْلَةِ: أَوْقِفُوا هَذَا الاِنْحِدَارَ. اِفْتَحُوا حِوَارًا وَطَنِيًّا عَاقِلًا لِحِمَايَةِ كَرَامَةِ الأُسْتَاذِ الجَامِعِيِّ، لِأَنَّهُ فِي النِّهَايَةِ، مِنْ دُونِهَا، لَا نَمْلِكُ مُسْتَقْبَلًا.
الأُسْتَاذِ الدُّكْتُورِ حَكَم شَطْنَاوِي – جَامِعَةِ اليَرْمُوكِ