اسعار الدواء في الأردن.. تجارة بوجع الناس؟بقلم: عدنان البدارين

الشعب نيوز:-

 

 

عندما يتحدث طبيب ممارس، واستشاري في جراحة الدماغ والأعصاب مثل الدكتور إبراهيم البدور، عن فجوة سعرية “صادمة” في سوق الأدوية بالأردن، فإن حديثه لا يمكن اعتباره مجرد رأي عابر، بل هو تشخيص مباشر من قلب المعاناة، ومن داخل المنظومة الصحية ذاتها.

 

البدور كشف في تصريحاته أن بعض الأدوية تُباع في الأردن بما يصل إلى عشرة أضعاف أسعارها، مشيرا إلى أن هناك فروقات هائلة لا يمكن تبريرها بأي منطق اقتصادي أو طبي.

 

البدور، الذي شغل سابقا موقعا رقابيا وتشريعيا، لم يطلق كلامه دون سند، فقد أشار إلى تجربة “الشراء الموحد” التي نجحت من خلالها المؤسسات الطبية الحكومية في تأمين كميات كبيرة من الأدوية بأسعار منخفضة، محققة وفرا تجاوز 164 مليون دينار، هذه التجربة، برأيه، دليل قاطع على أن خفض الأسعار ممكن وواقعي.

 

تصريحات البدور تعيد إلى الذاكرة ما يعرف بـ”ملحس غيت”، حين كشف وزير الصحة الأسبق الدكتور عبد الرحيم ملحس، قبل نحو ثلاثة عقود، عن احتكار غذاء ودواء الوطن من قبل فئة قليلة من المتنفذين، ليتم لاحقا التضحية به بإبعاده عن الوزارة. ذات السيناريو يبدو أنه يتكرر بصور مختلفة؛ فكل من يقترب من ملف الدواء يحترق، وكل من يطالب بالعدالة الدوائية يصمت أو يُسكت.

 

الواقع أن الحديث عن تخفيض أسعار 1,126 دواء منذ عام 2021 وحتى 2024، من قبل المؤسسة العامة للغذاء والدواء، يبدو غير كاف ولا مقنع، خاصة إذا ما قورن بنسبة التخفيض التي راوحت بين 7% و85%، في حين أن السعر الأساسي المرتفع يجعل حتى أعلى نسب التخفيض غير مجدية. المواطن الأردني لا يزال يئن تحت وطأة أسعار دواء لا ترحم، في وقت يفترض فيه أن الرعاية الصحية، والوصول إلى العلاج، ليست ترفا بل حقا أساسيا تكفله أبسط المبادئ الدستورية والإنسانية.

 

ولعل ما يزيد من تعقيد المشهد هو ما يُثار حول هوامش الأرباح الكبيرة التي تحققها الصيدليات في الأردن، إذ تصل نسبة الربح في بيع الأدوية إلى نحو 25 – 40%، بينما تتجاوز 100% في المواد غير الدوائية مثل المكملات الغذائية ومستحضرات التجميل والفيتامينات. ولا تقتصر مكاسب الصيدليات على هامش الربح فقط، بل تشمل أيضًا ما يُعرف بالخصومات و”البونص” الذي تقدمه شركات ومصانع الأدوية المحلية مقابل ترويج منتجاتها أو تصريف كميات محددة. هذا الامتياز التجاري، الذي يتم في الغالب بعيدًا عن أعين الرقابة، يجعل من الصيدليات شريكًا مباشرًا في تضخيم أسعار الدواء، ويعزز منطق الجشع عند البعض على حساب حق المواطن في الحصول على العلاج بسعر عادل ومعقول.

 

الفجوة بين ما يمكن أن يكون وما هو كائن في ملف الدواء، تفضح خللا بنيويا في السياسات الصحية والرقابية. المطلوب ليس مجرد قرارات خجولة أو تخفيضات شكلية لذر الرماد في العيون، بل إصلاح جذري في آلية التسعير، حتى لا تتحول صحة الناس إلى سوق مفتوحة.

 

في النهاية، يحق للمواطن الأردني أن يتساءل: لماذا يدفع ثمن الدواء أضعافا مضاعفة؟ ومن المستفيد من بقاء الحال على ما هو عليه؟ وهل من شجاعة لفتح هذا الملف حتى نهايته، أم أن مصيره سيظل حبيس التصريحات، كما حدث في قصة ملحس؟

 

الإجابة ما تزال معلقة، لكن المؤكد أن كلفة الصمت أكبر بكثير من كلفة المواجهة.

قد يعجبك ايضا