تداعيات الحرب الإسرائيلية و الأمريكية والإيرانية : سيناريوهات تفاقم التوتر الجيوسياسي في الإقليم كريستين حنا نصر

الشعب نيوز:-

بعد تنفيذ الهجمات الامريكية على أهم المنشآت النووية الايرانية ( فوردو ونطنز وأصفهان )، فإن السؤال المطروح هنا ، هو ما مستقبل البرنامج النووي الإيراني، وبشكل خاص اليورانيوم المخصب لديها؟ يأتي هذا التساؤل المشروع في اطار تضارب التصريحات الصادرة من طرفي النزاع، حيث صرحت ايران بعد الهجمات التي نفذتها الطائرات الامريكية على المواقع الثلاث، بأن ايران سوف تواصل نشاطها في تخصيب اليورانيوم، وأنها أيضاً وقبل الضربة عملت على نقل كميات كبيرة من اليورانيوم المخصب الى أماكن ومواقع سرية غير معلن عنها، من جانبها أيضاً صرحت اسرائيل بأن الضربات الامريكية كانت ناجحة واسفرت عن تدمير كميات كبيرة تقدر بمئات الكيلوغرامات من اليورانيوم المخصب لدى ايران، واذا تمّ نقلها كما تزعم ايران فإن ذلك يكون على مستوى كميات قليلة.
وهنا أريد القول بأن هناك عدة سيناريوهات متوقعة فيما يخص الرد الايراني المتعلق بالملف النووي والصراعات والتوترات الجديدة القديمة مع امريكا واسرائيل، حيث تدرس ايران الرد من خلال عدة خيارات، أهمها الانسحاب من معاهدة الانتشار النووي (فتح باب التوقيع على معاهدة عدم الانتشار في عام 1968 ودخلت حيز التنفيذ في 5 آذار عام 1970، وفي 11 أيار عام 1995 تم تمديد المعاهدة إلى أجل غير مسمى) ، والذي سوف يزيد هذا الملف تعقيداً، اذ سيكون بمقدور ايران التخلص من قيود المعاهدة وسيكون بامكانها حينها تطوير برنامجها النووي، ومن المتوقع أن تتمكن بعد ذلك من الدخول في مرحلة الحصول على اسلحة نووية وتسليح نفسها برؤوس نووية من عدة دول كما صرح بذلك “دميتري ميدفيديف” والذي يشغل منصب رئيس مجلس الامن الروسي .
ومن السيناريوهات المتوقعة أيضا، وربما الاكثر ضرراً وانعكاساً على المنطقة العربية والخليج، هي ضرب ايران ووكلائها المتواجدين في الشرق الاوسط مثل اليمن والعراق القواعد الامريكية المتواجدة في منطقة الخليج العربي، حيث أقدمت ايران أمس على ضرب قاعدة العديد الامريكية الموجودة في دولة قطر، كذلك امكانية التعرض للقواعد الامريكية الأخرى المتواجدة في سوريا وتحديداً منطقة شرق الفرات، والقواعد أيضاً في كل من الاردن والعراق والبحرين والسعودية، اضافة الى امكانية ضرب القواعد الامريكية المتواجدة في تركيا أيضاً، وبالتالي فاننا هنا سننتقل الى السيناريو الاكثر تعقيداً وخطورة في حال تفاقمت الامور واتجهت نحو الاسوأ، وذلك باحتمالية الانخراط العسكري لبعض الدول في هذا الصراع لتجد المنطقة والعالم نفسها في حالة صراع اقليمي في منطقة الخليج العربي والمشرق العربي ككل.
خاصة أننا فعلاً أمام واقع قد تنفذ فيه ايران قرارها الذي تمّ التصديق عليه من البرلمان الايراني والمتمثل باغلاقها لمضيق هرمز، الواقع بين ايران وعُمان والذي يربط مياه خليج عُمان وبحر العرب ، حيث تمر من خلاله أغلبية الصادرات العالمية من النفط والغاز الى مختلف انحاء العالم، وهذه المخاطر الجيوسياسية التي تهدد هذه الممرات المائية الاستراتيجية، الى جانب امكانية توسع المواجهات واستغلال ايران حلفائها الاقليميين في المنطقة، مثل حركة أنصار الله الحوثي في اليمن، التي بامكانها اغلاق منافذ بحرية استراتيجية اخرى مهمة، مثل مضيق باب المندب وقد يشهد العالم مستقبلا ازمة منع حركة بعض السفن التجارية الدولية من المرور عبره، وبالتالي قد تتفاقم نيران المعارك المشتعلة وتتجه نحو ساحات أخرى قد تطال بعض حقول النفط المتواجدة في الخليج العربي ودول المشرق العربي أيضاً، الامر الذي من شأنه أن يؤدي الى ازدياد تكاليف فاتورة حماية هذه الحقول باعتبارها مصادر طاقة عالمية استراتيجية، وقد تعيق هذه التطورات وبشكل محتمل عملية تصدير النفط وحركة الملاحة في البحر الأحمر ، علماً بأن هناك منفذ آخر لدول الخليج بامكانها استخدامه وهو منفذ الشارقة لتفادي المخاطر المحدقة بمضيق هرمز، كل هذه التطورات والاحتمالات سوف تزيد من ارتفاع كلفة النقل البحري، كذلك زيادة كلفة التأمين البحري، نظراً لصلة ذلك بزيادة نسبة المخاطر الجيوسياسية المتزامنة مع الصراعات المندلعة والتي من شأنها التأثير على الممرات والمنافذ البحرية في المنطقة، وهذا حتماً سيؤثر بلا شك على الاسواق الاستثمارية الدولية اذا ما استمرت المواجهات وتفاقمت حدتها، اذ من غير المستبعد أن تدفع المستثمرين الاجانب نحو اتخاذ قرارهم بالحد أو تجميد استثماراتهم في المنطقة، خاصة ان تزايد واستمرار المواجهات والتطورات العسكرية سوف تلقي بظلالها على كافة القطاعات الاقتصادية الاخرى مثل التجارية، وهو ما سينعكس على ارتفاع اسعار السلع والتأثير السلبي على قطاع السياحة ، وسيكون عامل تقليص للايرادات وتصبح بذلك المنطقة وجهة غير آمنة للسياحة في الشرق العربي ومن ضمنه بلدان الخليج العربي ، واحتمالية اخرى بنقص الطلب على السفر عبر الشركات المحلية للطيران ، وربما تعديل مسار رحلات شركات الطيران العالمية نحو أجواء أخرى اكثر أماناً، وذلك بهدف تفاديها للمناطق المتوترة والملتهبة، وهذا بالمحصلة سوف يؤثر على المردود الاقتصادي المالي للدول المتأثرة اساساً في ميزانها الاقتصادي من هذه الازمات العسكرية المشتعلة للأسف.
وبطبيعة الحال فإن لهذه الحرب بين اسرائيل وايران تأثير كبير على موارد ومصادر الطاقة خاصة الغاز الطبيعي ، اذا أغلقت اسرائيل اثنان من ثلاثة حقول للغاز في البحر الابيض المتوسط، أي تقليص امدادات الغاز الطبيعي للاسواق الدولية، وربما الاتجاه نحو الاعتماد على الفحم وزيت الوقود، وذلك كبديل اضطراري لتشغيل محطات الكهرباء لديها، حيث أن حقل (كاريش) يزود الدول الاوروبية بالغاز الطبيعي بدلاً من امدادات الغاز والطاقة الروسية والتي توقفت بسبب الحرب الروسية الاوكرانية.
وتجدر الاشارة الى أن الاردن تأثر من مسألة عدم تزويده بالغاز الاسرائيلي جراء الحرب الاسرائيلية مع ايران، فمن المعلوم أن الاردن يستورد الغاز الطبيعي من اسرائيل، جراء توقيع الأردن عام 2016م لاتفاقية الغاز مع اسرائيل عبر شركة “نوبل إنيرجي” الأميركية التي كانت المشغل الرئيس لحقول ” تمار” و” لفياثان” الاسرائيلية قبل أن تديرهما شركة شيفرون، حيث تعتمد شركة الكهرباء الاردنية على استيراد حوالي 300 مليون مكعب من الغاز بشكل يومي، وهذه الاتفاقية مدتها خمسة عشر عاماً.
ان كل هذه التطورات الجيوسياسية المتعلقة بالصراعات القائمة في المنطقة ، الى جانب احتمالية تفاقمها بشكل درماتيكي خاصة بعد ضرب القاعدة الامريكية في قطر أمس، تزيد من احتمالية استغلال حلفاء ايران في كل من العراق واليمن القيام بضرب قواعد ومصالح امريكية أخرى في الخليج العربي والشرق العربي ، بما في ذلك تلك المتواجدة في سوريا والاردن، وحتماً عندها سيتفاقم الصراع بين امريكا واسرائيل مع ايران مؤثراً وبشكل سلبي على كامل الشرق الاوسط، والذي فرض على بلدانه خيار الازمة والحرب دون وجود خيار آخر متاح لهم من عدمها، وهذا قد يقود في النهاية الى حرب اقليمية لا يُحمد عقباها، اذا لم يكن هناك استراتيجية فورية للسيطرة على الأمور ومنع انفلاتها باتجاه أكثر خطورة، ولا أعتقد انه ومن الان فصاعداً توجد هناك أي نافذة متكاملة للتفاوض المفضي للسلام الكامل بين ايران وامريكا، خاصة في مجال الملف النووي ، فالامور قد تتطور مجدداً نحو الخيارات العسكرية وعندها لن تكون هناك رجعة للتفاوض، وبشكل من الممكن عنده التاثير المباشر على الوضع الداخلي الامني الهش في ايران، والذي اظهرته اساساً الكثير من المظاهرات والمسيرات المعارضة التي قمعها النظام الايراني في وقت سابق، وهنا قد تسعى المعارضة الداخلية لاستغلال الوضع اذا ما تفاقم وتوسعت الازمة للقيام بما يشبه الثورة أو المظاهرات الواسعة، ايضاً ربما يكون هناك استغلال للمعارضة الايرانية الخارجية والمتمثلة بوريث عرش الشاه في الخارج ( رضا البهلوي) الذي خاطب قبل ايام الشعب الايراني بالانقلاب على حكم المرشد الخامنئي ، حيث صرح البهلوي للشعب الايراني بانهم يجب ان يغتنموا الفرصة الان وسيكون داعم لهم في ذلك، وتوجد احتمالية حدوث سيناريو مستقبلي بنجاح المعارضة الايرانية في سعيها لاسقاط نظام الملالي في ايران، وقبل ايام صرح الرئيس الامريكي ترامب ان النظام الايراني لم يقدم سلام للشعب الايراني وانه على مدى 40 عاماً كان (( يبلطج )) على الشعوب العربية خاصة عن طريق قاسم سليماني في العراق.
ولا شك ان الايام القادمة ستكون محملة بالكثير من بالتطورات متمنية أن تُحسم الأمور، حتى لا تدخل المنطقة في حرب اقليمية ، واتطلع ان تتم السيطرة الفعلية على الواقع المتأزم وان يوقف التصعيد العسكري خاصة ما شهدناه أمس من ضربات صاروخية متبادلة وقصف بين طهران واسرائيل، حيث صرح ترامب انه قد تمّ الاتفاق على وقف اطلاق النار وسيدخل حيز التنفيذ صباح اليوم الثلاثاء، أملاً في السلام بين ايران واسرائيل ، فهل يكون هذا الاتفاق مرحلة عملية لتحقيق السلام، وهل فشل هذا الاتفاق الذي اعقب حرب الايام ( 12) سيكون بوابة لما طرحته من سيناريوهات، خاصة في اطار تصميم ايران على برنامجها النووي الذي كان سببا في اشتعال وتطور الصراع ؟؟، وبالمحصلة فإنني آمل واتطلع أن تدخل منطقتنا في الخليج والشرق العربي ككل حالة سلام ورفاهية بدلاً من سيناريوهات الحرب المحتملة .

قد يعجبك ايضا