سيج واحد: كيف يحافظ الأردن على وحدته وسط التحديات؟

الشعب نيوز:-

بقلم رزان عبدالهادي

في بلدٍ تتقاطع فيه الأديان والثقافات، يظل التماسك الاجتماعي خيط النجاة الذي يحفظ السلم الأهلي ويصون مستقبل الأجيال.

من الأزقة القديمة في عمّان إلى القرى البعيدة على الحدود، تروى قصص تعكس كيف صار التنوع الأردني مصدر قوة لا انقسام.

التماسك الاجتماعي والمواطنة المشتركة في الأردن: قصة نجاح تُروى

إرث وطني راسخ

التماسك الاجتماعي ليس فكرة مستحدثة في الأردن؛ فمنذ تأسيس الدولة، شكّل العيش المشترك والتنوع مصدر قوة لا ضعف.

ينص الدستور الأردني بوضوح على المساواة أمام القانون، بينما وضعت الخطة الوطنية لحقوق الإنسان والخطة الوطنية للشباب أسسًا لمشاركة أوسع للفئات المختلفة، خصوصًا النساء والشباب.

ويشير د. رائد السرحان، أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأردنية، إلى أن «المواطنة المشتركة في الأردن ليست نصوصًا قانونية فقط، بل ممارسة يومية تتجسد في التعاون بين مكونات المجتمع».

مبادرات صنعت فرقًا

على مدى العقدين الماضيين، ظهرت مبادرات كان لها أثر ملموس. أسس الأب نبيل حداد مركز الأبحاث الأردني للتعايش الديني عام 2003 لتعزيز الحوار بين الأديان، بينما أطلقت مؤسسة الأجيال من أجل السلام عام 2007 برامج مبتكرة لبناء الثقة بين الشباب باستخدام الرياضة والفنون، واستفاد منها أكثر من 100 ألف شاب في 16 محافظة.

وفي 2017، أطلقت منظمة النهضة العربية (ARDD) مشروع «بناء الجسور» في الزرقاء، حيث انخرط 1500 شاب وشابة من الأردنيين والسوريين في تدريبات إدارة النزاعات ومبادرات يقودونها بأنفسهم.

أما مشروع «قلب عمّان» التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فقد مكّن 200 شاب وشابة من اكتساب مهارات مهنية أمنت لهم دخلًا ثابتًا وعززت ثقتهم بأنفسهم.

يؤكد مروان الحياري، مسؤول في وزارة التنمية الاجتماعية: «هذه المبادرات تظهر أن الاستثمار في التماسك الاجتماعي ليس ترفًا، بل ضرورة وطنية لضمان الاستقرار والتنمية».

وجوه التماسك: قصص إنسانية

• أحمد، 26 عامًا، من المفرق: شارك في برنامج لبناء السلام عام 2020، وبعد عامين أسس مشروعًا صغيرًا لتصنيع الأثاث يشغّل خمسة شبان من منطقته
. يقول: «تعلمت أن أكون جزءًا من الحل، لا من المشكلة. اليوم لدي فريق عمل يشعر بأننا عائلة واحدة».

⁠• هند، 30 عامًا، من الكرك: بدأت مشروعًا منزليًا بعد تدريب ضمن برامج تمكين المرأة.

تقول: «كنت أشعر أني بلا دور، أما الآن فأشارك في أنشطة مجتمعية وأوفر مصدر دخل لأسرتي».

• عمر الرواشدة، 22 عامًا، من إربد: أحد خريجي برامج الحوار الوطني. يوضح: «تعلمت أن الاختلاف ليس تهديدًا، بل فرصة لفهم الآخر وبناء مستقبل أفضل معًا».

وتقول ليلى العبدالله، شابة سورية في الرابعة والعشرين: «كنت أشعر بأنني غريبة في هذا المكان، أما الآن فأعتبره بيتي الثاني. تعرفت على أصدقاء من الأردن، وصرنا نعمل معًا من أجل مجتمعنا».

فيما تضيف رندا أبو جابر، مديرة مركز شبابي في إربد: «استثمار طاقات الشباب هو الطريق الأسرع نحو مجتمع متماسك؛ حين يشعرون بأن أصواتهم مسموعة يتحولون إلى شركاء في بناء الوطن».

أثر يتجاوز الأفراد

تظهر دراسات وزارة التنمية الاجتماعية أن المجتمعات المشاركة في برامج التماسك الاجتماعي تشهد انخفاضًا بنسبة 20% في النزاعات وزيادة بنسبة 30% في المبادرات التطوعية. ويشير أحمد خليل، مدير أحد برامج ريادة الأعمال، إلى أن «تمكين الشباب اقتصاديًا يقلل من التوترات الاجتماعية ويعزز الشعور بالمسؤولية المشتركة». كما ترى سلمى الحاج حسن، ناشطة مجتمعية من الطفيلة، أن «التماسك الاجتماعي ليس مجرد مشروع، بل أسلوب حياة. تعاونية النساء في قريتنا وفرت دخلًا لعشر عائلات وعززت روح التضامن».

تحديات وآفاق

لا يخلو الطريق من تحديات، أبرزها الضغوط الاقتصادية واستضافة الأردن لأكثر من 1.3 مليون لاجئ، وهو ما يضغط على الخدمات والبنية التحتية. لكن وزير التنمية السياسية يؤكد: «قدرتنا على الحفاظ على النسيج الاجتماعي هي سر استقرارنا، وهي الاستثمار الأهم لمستقبل الأردن». وتعمل الحكومة على توسيع المبادرات لتشمل المحافظات النائية، وإدماج قيم المواطنة في المناهج الدراسية، وتمكين منظمات المجتمع المحلي، خاصة النسائية والشبابية.

خاتمة

التماسك الاجتماعي في الأردن ليس مجرد برنامج تنموي، بل قصة نجاح حقيقية تتجسد في حياة أشخاص وجدوا في هذه الأرض وطنًا يتسع للجميع.

وبينما تواجه المنطقة اضطرابات متزايدة، يواصل الأردن تقديم نموذج حي على أن التنوع يمكن أن يكون مصدر قوة إذا ما استند إلى رؤية عادلة وشاملة.

قد يعجبك ايضا