
سقوط حزب .. 2
الشعب نيوز:-
الوفاء للفكرة… لا للموقع، في معنى البقاء والانتماء، كما الانسحاب ليس سقوطًا… والبقاء ليس وفاءً
ليس بالضرورة أن من يقرّر الانسحاب من حزبٍ قد أسقط المعنى، كما أن البقاء لا يعني بالضرورة الثبات على المبدأ.
في زحام التصنيفات السريعة، وتحت سطوة الروايات الجاهزة، يُسارع البعض إلى وسم الخارجين بأنهم “متراجعون”، لكنّ الحقيقة — حين تُقال دون تجميل أو تورية — تُظهر لنا مشهدًا مقلوبًا تمامًا.
حين يخون الباقون الفكرة… لا الخارجون
المنقلبون الحقيقيون على القيم ليسوا أولئك الذين غادروا من الأبواب، بل الذين ظلّوا داخل الجدران وقد تخلّوا عن روح الفكرة، وخانوا المبادئ التي جمعتهم يومًا في مشروعٍ جمعيّ نبيل.
لم يُغادروا بمواقفهم، بل بأرواحهم، تقهقروا إلى داخل أنفسهم، وانسلخوا عن الأمانة الأولى، لم يُقابلوا الاختلاف والنقد الموضوعي بالوجه والحوار، بل بالتحايل؛ صمتوا حيث وجب النقاش، وفسّروا النصوص على هوى التحالفات والمصالح الآنية، وأداروا ظهورهم للفكرة دون أن يغادروا مقاعدهم.
من الحوار إلى المديح… ومن التعدد إلى التكرار
هكذا، تحوّلت بعض الأحزاب من فضاءاتٍ للحوار إلى خشباتٍ للمديح، ومن بيوتٍ للتعدد إلى أنفاقٍ للتكرار، ومن مشاريع للحرية إلى أدوات لاحتكار النفوذ.
الكرامة لا تعيش في الظل… والمواقف لا تُباع بالشعارات
المعيار في النهاية ليس في الموقع الذي يشغله المرء داخل التنظيم، بل في القيم التي يصونها، والمبادئ التي يرفض التفريط بها، من خرج لأن الكرامة لم تعد تجد لها مكانًا، لا يُلام، بل يُحترم، ومن بقي وقد بدّل الوضوح بالمراوغة، والمبدأ بالمصلحة، هو الساقط الفعلي، ولو اختبأ خلف ألف شعارٍ ورواية.
من أمانة الجماعة إلى غنيمة الذات
البعض أراد للحزب أن يكون مطيّةً لا رسالة، إطارًا على مقاسهم لا بيتًا يتّسع للجميع، تعاملوا معه كملكيةٍ خاصة، لا كأمانةٍ عامة، أداروه بمنظار الذات، لا برؤيةٍ جامعة، قلّصوا فضاءه الرحب إلى لوحةٍ ضيّقة، تبهت فيها صورته الأصلية، وتتكرّر فيها ملامح الوجوه ذاتها.
الحارس لا يملك الفكرة… بل يصونها
في هذا الفارق الدقيق يكمن جوهر السياسة الأخلاقية، بين من يرى نفسه حارسًا لفكرة، ومن يريد امتلاكها، فالأول يظلّ وفيًّا لرؤيةٍ جماعية، منفتحة، متعددة، والثاني يراها وسيلةً لتمجيد الذات، وتزيين السيرة، وصياغة المستقبل كما يشتهي.
الصدق مع الذات… هو الاختبار الأعمق للانتماء
هنا، يصبح الحكم لا بالبقاء أو الرحيل، بل بمدى الصدق مع النفس، والوفاء للمعنى الأول، ورفض الوقوف على الأطلال بينما تُباع الفكرة، وتُسلخ روح الجماعة عن جسدها، فالنقد الصادق لا يعني الهدم، كما أن المغادرة النزيهة ليست خيانة، البقاء بلا معنى لا يمنح شرعية… والانسحاب مع الكرامة قد يكون أصدق أشكال الانتماء.
البقاء بلا معنى لا يمنح شرعية… والانسحاب مع الكرامة قد يكون أصدق أشكال الانتماء، لأن الأوطان والمشاريع الكبرى لا تبنى بالظل، بل بالوضوح، ولا تستقيم بالفرد، بل بالجماعة التي تحفظ الوعد وتبقى على العهد.