
سردية وطنية متجددة: مقاربة سوسيو-أنثروبولوجية لخطاب جلالة الملكة رانيا في مؤتمر سيغلو – المكسيك د.زهور غرايبة تكتب
الشعب نيوز:-
خطاب جلالة الملكة رانيا العبدالله في مؤتمر سيغلو بالمكسيك حمل دلالات أبعد من كونه مداخلة سياسية في مناسبة دولية، فقد مثّل إعادة إنتاج للهوية الوطنية الأردنية في لحظة عالمية تختبر فيها القيم الإنسانية حدودها القصوى.
إن اللغة التي اعتمدتها جلالتها كانت واضحة ومباشرة، انطلقت من وعي عميق بأن الهوية الأردنية لم تتشكل في فراغ، وإنما في سياقات تاريخية صعبة، حيث استقبل الأردن موجات متعاقبة من اللاجئين، وأدار ندرة الموارد، وحافظ على الاستقرار في محيط مضطرب، هذه التجارب صنعت وعيًا جمعيًا يرتكز إلى الكرامة والتضامن والقدرة على الصمود، وهو ما انعكس في خطابها كرسالة وطنية–إنسانية تتجاوز حدود المكان.
لقد أبرز الخطاب الأردن باعتباره فاعلًا رمزيًا في النظام الدولي، لا يستند إلى القوة المادية فقط، بل إلى قوة ناعمة تستمد مشروعيتها من المواقف الأخلاقية، فالأردن، كما قدمته الملكة، ليس مجرد دولة صغيرة، وإنما نموذج لوطن يبني شرعيته على القيم المتجذرة في الذاكرة الجمعية لشعبه، ويترجم هذه القيم في ممارسات يومية تعزز مكانته عالميًا، بهذا الطرح، يتحول الأردن من كيان جغرافي محدود الإمكانات إلى حامل لرسالة إنسانية تتحدى اختلال موازين القوى.
في خطابها أيضًا، وضعت جلالة الملكة بُعدًا أنثروبولوجيًا للهوية الوطنية، حيث أكدت أن الهوية ليست شعارًا جامدًا أو رمزًا متكررًا، بل ممارسة متجددة تتجلى في استقبال الآخر، في حماية المظلوم، وفي تحويل القيم الاجتماعية المتوارثة إلى مواقف سياسية وثقافية. بهذا المعنى، الهوية الأردنية تظهر كدينامية اجتماعية متحركة قادرة على الانفتاح نحو الكوني من دون أن تفقد جذورها المحلية وتحافظ على مكونها الاردني الواحد.
صورة الملكة نفسها انعكست من خلال هذا الخطاب كرمز وطني يجمع بين العمق المحلي والقدرة على مخاطبة العالم بلغة إنسانية شاملة، فهي لم تتحدث بصفتها شخصية بروتوكولية، بل كصوت حي يترجم تجربة بلد كامل إلى خطاب يلامس الضمير العالمي، هذه المكانة تجعلها وسيطًا ثقافيًا يعيد ربط الأردن بالفضاء الدولي على أساس الشرعية الأخلاقية، ويعزز حضورها كأيقونة وطنية تمثل المرأة الأردنية في بعدها القيادي والإنساني.
إن القيمة الأساسية لهذا الخطاب تكمن في قدرته على تثبيت سردية وطنية متجددة، تؤكد أن الأردن لديه قوة معنوية قادرة على الاستمرار عبر التاريخ صنعها الاجداد ويتوارثها شعب بأكمله، كما أن هذه السردية تعيد للهوية الوطنية معناها الأصيل، وتضع الأردن في موقع الضمير الأخلاقي الذي يذكّر العالم بأن القيم الإنسانية أساس لبقاء المجتمعات وصون كرامة الإنسان والحفاظ عليه من الازمات المتعاقبة باستمرار.