
بدء مرحلة تنفيذ الخرائط الجديدة للشرق الاوسط الجديد كريستين حنا نصر
الشعب نيوز:-
نشهد في هذه الاونة ارتفاع ملحوظ في أسعار الذهب في العالم ، ومؤخرا نرصد ارتفاعه الى أعلى مستوى له ولأول مرة ، وبالتزامن مع ذلك كله فإننا نشهد أيضاً ارتفاع في سعر معدن الفضة ، وكلما أرتفع الذهب فإن ذلك يؤدي إلى تناقص قيمة الدولار ، وبالطبع هذا من شأنه أن يؤثر على العملات المرتبطة مع الدولار ، وعلى سبيل المثال عملات الشرق الاوسط .
وحسب العرف الدارج في الاوساط السياسية والاقتصادية فإنه عند ارتفاع اسعار الذهب فإن هذا مؤشر يُنذر بالحروب وعدم الاستقرار العالمي والاضطراب في العملات النقدية ، كما أن ذلك ينذر بأزمات اقتصادية عالمية وحروب عالمية ، وللأسف بشكل خاص في الشرق الأوسط ، ومنذ الربيع العربي وما قبله فإن الشرق الأوسط كان حافلاً بالتطورات والأزمات والتحديات ، وبالاخص الثورات التي أطاحت ببعض الحكام فيه ، وفي وقت رفع فيه الثوار مطالباتهم بالحرية والعدالة ، وهذا كله مرتبط بالاوضاع والتقلبات الاقتصادية وتأثيرها على الفرد خاصة المتعلمين من خريجي الجامعات الذين ازدادت بينهم نسب البطالة ، وللاسف بعد الربيع العربي فبدلاً من أن تتحسن الامور إلا أنها ازدادت تعقيداً ، خاصة وسط كل هذه الاضطرابات والحروب فعلى سبيل المثال كما حدث في العراق وسوريا ولبنان ، والى جانب أيضاً الدول التي لم تتأثر مباشرة بالحروب العرقية والطائفية ، غير أنها تأثرت سلباً بما يجري حولها من محيط مشتعل خاصة على الصعيد الاقتصادي ، فعلى سبيل المثال الاردن الذي يقع وسط هذه الدول أي العراق وسوريا وبالطبع إلى جانب تأثير الوضع المأساوي في غزة جراء حرب السابع من اكتوبر عام 2023م حيث تطور الصراع بين حركة حماس واسرائيل في غزة ، والذي نتج عنه ازهاق ارواح الكثير من الطرفين وبالاخص الغزيين في غزة والتي دمرت وشُرد مواطنيها من بيوتهم المهدمة كلياً .
وللاسف فإنه وكلما يريد الشرق العربي المضطرب الدخول الى مرحلة الديمقراطية والسلام والانتعاش ، يجد نفسه للاسف يدخل مرحلة مقلقة سمتها الكثير من الصراعات والحروب ، خاصة الحروب العرقية والطائفية والتي مزقت عملياً النسيج المجتمعي وفككته بشكل زعزع الوحدة الوطنية والمواطنة في دول الشرق العربي، وبالاخص التي تشهد الان كما هو الحال في السابق حروب وصراعات فُتحت معها شهية الدول الطامعة والطامحة في المنطقة للتدخل فيها عسكريا وسياسياً ، وكان هذا واضحاً في الهيمنة الايرانية على المنطقة مثل العراق وسوريا واليمن ، كذلك دعمها لبعض الاحزاب والميليشيات ، ومن اشكال التدخل الاخرى ، التدخل التركي في سوريا أيضاً والذي بات ظاهراً قبل سقوط نظام الاسد البائد في سوريا ، وقد تعمق أكثر بعد سقوطه واستلام سدة الحكم في المرحلة الانتقالية من قبل السيد أحمد الشرع ، والعمل على دعمها تركياً فالى الان الجيش الوطني السوري المدعوم تُركياً والذي عمد الى تعميق تواجده في الاراضي السورية ، ومؤخراً التوغل في الجنوب السوري ، كذلك ما نراه من انتشار الجيش الاسرائيلي في بعض مدن الجنوب السوري والذي جرى من أجل حماية المكون الدرزي ، الذي وقعت بينه وبين العشائر العربية مناوشات أدت الى مقتل الكثير من أفراد المكون الدرزي ، ضمن انتهاكات صنفت بأنها جرائم حرب ، الى جانب أحداث الساحل السوري تجاه المكون العلوي ، وللاسف كل هذه الاحداث والمجريات ساهمت في التقسيم المجتمعي وتساعد في خلق شرخ كبير في المجتمع أيضاً ، وتضعف قوة وتماسك الوحدة الوطنية في منطقة الشرق العربي وهي حالة راهنة نعيشها الان .
وكل الوقائع هذه تنذر بالتقسيم الجغرافي والعرقي لبعض المناطق وينذر ايضاً بامكانية انضمام بعض المناطق لدول أخرى ، فعلى سبيل المثال الدروز في السويداء وبعد الانتهاكات الاخيرة بحقهم ، طالب بعضهم بالانفصال عن الدولة السورية ، والبعض الاخر يطالب الانضمام جغرافياً الى اسرائيل ، حيث يتواجد العديد من أفراد المكون الدرزي كمواطنين في اسرائيل، ويعمل البعض منهم في صفوف الجيش الاسرائيلي ، وبعد هذه الأحداث الدامية في السويداء وتبعاتها المترتبة عليها أي خروج المكون العربي وترحيله الى قرى ضواحي الشام ، فإن هذا بالتأكيد يؤشر على احتمالية استقلالية السويداء التي هي الآن خارج سلطة الحكومة السورية المؤقتة ، وللأسف كل هذه التطورات الاخيرة المتسارعة وما رافقها من معارك ضارية تنذر باحتمالية التقسيم وانضمام مناطق السويداء للمكون الدرزي الى اسرائيل ، وبحسب طلب الأهالي بالاستقلال عن سوريا.
إن كل هذه الصراعات القائمة في الشرق العربي ومنطقتنا بالتحديد بدلاً من تعزيزها للاستقرار ووحدة الدول ، فإنها تظهر لنا بوادر التقسيم وبالطبع كل هذا الضعف العسكري والسياسي والاجتماعي في سوريا حتماً فإنه سيؤدي الى احتلال بعض المناطق والأراضي السورية ، وذلك من قبل بعض القوى التي تستغل حالة ضعف الدولة السورية عسكرياً وسياسياً واقتصادياً .
الان يدخل الشرق العربي مرحلة صعبة منذ تاريخ نشأته ، حيث توجد هناك بوادر تقسيم الى جانب بوادر احتلال للاراضي فيه أيضاً ، وهي أمور حتماً ستقود الى تأثير وتغيير في الخرائط الحدودية لبعض الدول ، وعلى حساب دول أخرى ، أي أن خرائط سايكس بيكو القديمة سوف تتغير ويدخل الشرق العربي في خرائط جديدة ترسم الشرق الاوسط الجديد ، كذلك تغييرات أخرى قد نراها ونلمحها في خريطة الشرق العربي .
أعتقد أن الايام المقبلة مليئة بالتطورات السياسية والعسكرية وأيضاً تغييرات وتبدلات في النفوذ بما في ذلك ربما تقلص نفوذ القوى المهيمنة في بعض الدول ، فعلى سبيل المثال سعي لبنان والعراق التخلص من سلاح الأحزاب والميليشيات المدعومة من ايران ، والعمل على بسط سلاح وسلطة الدولة والجيش ، والتي هي وحتى الان في لبنان تشهد سعي رئيس الجمهورية اللبنانية الى تحقيقها تحت شعار ( لا سلاح الا سلاح الدولة ) ، كما توجد هناك احتمالية انضمام لبنان وسوريا الى الاتفاق الابراهيمي مع اسرائيل ، وذلك في إطار محادثات سورية مع اسرائيل جارية مؤخراً ، ولكن هذه المحادثات تعثرت خاصة بعد أحداث الساحل السوري وما تعرض له المكون العلوي وأيضاً الاحداث الدامية التي جرت للمكون الدرزي في السويداء ومطالبهم بالحماية من اسرائيل وفتح معبر انساني بينهم .
ومع كل هذه التطورات للأسف فإن منطقة الشرق العربي تمر اليوم في مرحلة صعبة مليئة حقاً بالتطورات السياسية والعسكرية المتلاحقة ، وهذا بالتزامن مع ما يمر به العالم من احداث متسارعة ومراحل صعبة أيضاً ، بالاخص العسكرية المتمثلة منها بالحروب والمواجهات العسكرية ، كذلك الحروب الاقتصادية وصراعات الهيمنة والنفوذ على العالم من بعض القوى العالمية ، وبالمقابل نلاحظ أيضاً وبكل وضوح واقع بدء رسم مرحلة تنفيذ خرائط النفوذ الجديدة للشرق الاوسط الجديد .