
عندما نعيد بناء الإنسان.. نعيد بناء العالم بقلم: نادية إبراهيم نوري
الشعب نيوز:-
اقتبست عنوان مقالي من قصة قصيرة للكاتب البرازيلي الشهير باولو كويلو. ففي القصة كان الأب منشغلاً بقراءة الصحيفة، بينما ظل ابنه يقاطعه مراراً. أراد الأب أن يشغله فمزّق صفحة من الجريدة تحمل خريطة العالم، وطلب من الطفل إعادة تركيبها. لم تمضِ دقائق حتى عاد الصغير وقد أعاد ترتيب الخريطة بدقة. اندهش الأب وسأله إن كانت والدته قد ساعدته، فأجاب الطفل بعفوية: “كان على ظهر الخريطة صورة إنسان، فعندما أعدت بناء الإنسان، أعدت بناء العالم”.
جملة بسيطة من طفل، لكنها تحمل معنى عميقاً وواقعياً: بناء الإنسان هو الأساس في بناء الحضارات والمجتمعات.
لو تأملنا التاريخ لوجدنا أن أعظم الحضارات قامت على وعي رجالها ونسائها ونشأتهم السليمة، وحين انشغل الحكام باللهو والترف انهارت دولهم وسقطت حضاراتهم. فالحضارة لا تُبنى إلا على القيم والمبادئ والفروسية وحب الوطن، أما حين ينصرف الناس إلى المظاهر واللهو تفقد الحضارة روحها وتضمحل حتى تنتهي.
اليوم، نرى أن التميز العالمي يرتبط ببناء الإنسان قبل أي شيء. اليابان مثلاً، التي أطلق عليها البعض “كوكب اليابان”، لم تصل إلى ما وصلت إليه بالقوة العسكرية، بل بتركيزها على الإنسان: النظام، الإتقان، العمل بروح الفريق، والوعي الجمعي الذي جعل من كل فرد جزءاً من آلة متكاملة. وكذلك الصين التي غزت الأسواق العالمية بمنتجاتها الكبيرة والدقيقة، لم يكن ذلك إلا ثمرة الاستثمار في الإنسان أولاً.
النموذج الفلندي في التعليم يقدّم درساً آخر في هذا السياق. فقد كانت فنلندا في ذيل الترتيب العالمي تعليمياً، لكنها أحدثت ثورة شاملة حين تخلّت عن الحفظ الأعمى والمناهج المملة، وركزت على بناء الطالب وتنمية مهاراته. جعلت من الطالب والمعلم محور العملية التعليمية، فكانت النتيجة انتقالها إلى مصاف الدول العشر الأولى في جودة التعليم، متميزة بالابتكار والإبداع.
من هنا، أمنيتي أن تبدأ دولنا العربية الطريق من التعليم، وخاصة في مراحله الأولى، حيث يتميز الطفل بسرعة الحفظ ودقة الملاحظة وحدة التركيز. ولا عجب أن الطفل العربي كان يحفظ القرآن كاملاً قبل دخوله المدرسة حين كان التعليم شراكة حقيقية بين البيت والمدرسة. أما اليوم، فكثير من أطفالنا ينجذبون إلى الكسل وإدمان الهواتف الذكية، ويلوذون بالغش لنيل الشهادات، بينما تضيع الغاية الأسمى: التعلم الذي يبني المستقبل ويصنع الإنسان