
حين يُرى الموهوب متأخرًا بقلم: الطالبة الأردنية مرح غيث
الشعب نيوز:-
في زوايا المدارس الحكومية، حيث تُولد الأحلام رغم ضيق الإمكانات، جلستُ أدوّن أولى خطواتي نحو عالمٍ أكبر من حدود الصفوف، وأوسع من ضجيج الدروس.
كنتُ أؤمن أن الإبداع لا يحتاج إلا إلى إيمانٍ عميق بالذات، وأن الطموح حين يُروى بالإصرار، يُثمر مهما تأخّر الربيع.
من بين تلك المقاعد خرجتُ أحمل مشروعًا سميته MarahBot،
روبوت نانوي مبتكر قادر على إزالة الانسدادات الدموية بدقةٍ عالية، يجمع بين الطب والرحمة في رسالةٍ إنسانية تسعى لإنقاذ الأرواح.
شاركتُ بهذا المشروع في معرض ISEF Jordan،
ثم حظيتُ بفرصةٍ عالمية عبر أكاديمية جونيور الدولية، لأكون ضمن نخبةٍ من الشباب الذين يمثلون الأردن في ميدان الفكر والابتكار.
كانت تلك لحظة فخرٍ حقيقية، شعرتُ فيها أن أحلامي بدأت تلامس السماء.
لكن الواقع كان قاسيًا بما يكفي ليعيدني إلى الأرض.
فحين تم ترشيحي للمشاركة في المؤتمر العالمي الخامس لكشافة الابتكار والموهبة في بغداد،
توقّف حلمي عند ثمن جواز السفر.
طرقتُ أبوابًا كثيرة، أرسلتُ رسائل، التمستُ دعمًا بسيطًا لأمثل وطني،
لكن الصمت كان الجواب، واللامبالاة كانت الرد.
في الوقت ذاته، رأيتُ طلابًا آخرين حُظوا بكل أشكال الدعم،
اشتروا لهم القطع، وصُوّروا أمام الكاميرات، وتسابقت القنوات والإذاعات لاستضافتهم،
بينما أنا، بقيتُ أنتظر أن يلتفت أحدهم، لا لمدحٍ أو شهرة، بل لإيمانٍ حقيقي بقدرتنا نحن أبناء المدارس الحكومية على الوصول.
لم أطلب المستحيل.
كل ما أردته أن يُنصف الوطن أبناءه بالفرص لا بالأضواء،
أن يُدعم الموهوب قبل أن يُصفّق له الآخرون،
أن تُسمع أصواتنا ونحن نحلم، لا بعد أن نحلق بعيدًا عن حدود الوطن.
ورغم كل ذلك، ما زلتُ أؤمن أن الموهبة الحقيقية لا تُكسر،
وأن الشغف لا يخمد مهما طال الانتظار.
فالإبداع لا يحتاج إلى منصة… بل إلى صدق،
ولا إلى تصفيق… بل إلى فرصة.
وسيبقى قولي الأخير شهادة للتاريخ:
عندما يُرى الموهوب عالميًا، يتهافت الجميع لوضع أسمائهم قرب إنجازاته،
لكنهم ينسون أنهم لم يروا نوره حين كان ما يزال يحاول أن يضيء.